نطقت محكمة القنيطرة بالإحكام في ملف انهيار عمارات تجزئة المآل و لم تتجاوز بين سنة و نصف و سنة ، إي بما قضى أغلب الأظناء و بذلك تناسلت الأسئلة في صفوف الضحايا و ذويهم. "" ولازال الكثير من المغاربة يرفضون الظلم والجور ويعلنون عن رفضهم جهرا، لكن غالبا ما يكون مآلهم الإقصاء، وفي أحسن الظروف التهميش وإقفال الأبواب أمامهم مهما كان المجال الذي ينشطون فيه. هناك من حلموا بالعدل وبنزاهة القضاء واستقامته واستقلاليته، ولازالوا يحلمون بذلك إلى حد الآن، رغم أنهم ينتظرون الآتي الذي لن يأتي لأنهم أيقنوا أن العدل أساس الملك. كثيرون هم الذين يرددون هذه الحكمة ببلادي، لكن أي عدل يعنون، هل "عدل" من قبيل قطع الأرزاق والزج بالأبرياء في السجون، باعتبار أن هذا النوع من "العدل" يحمي المفسدين ويقوي الظالمين ويمتِّن عود المعتدين؟ العدل الذي يكون أساس الملك هو العدل الذي يقر بالحق خدمة للجميع، سواسية كأسنان المشط، سواءا كان المعني بالأمر أميرا أو زوج أميرة أو خالة أميرة أو قريبا من البلاط، لكن هذا النوع من العدل مازال في خبر كان عندنا. فعندما يقترف مواطن بسيط جرما ما، كيفما كان ثقل هذا الفعل أو سببه أو الدافع لارتكابه، حينها تتحرك كل آليات التحقيق والمتابعة للإيقاع بالظنين. في حين لا يحرك القائمون على الأمور ساكنا، إذا كان مقترف ذلك الفعل من أعالي القوم أو قريبا منهم، إذ لا بد من صدور أمر وانتظار تجديد هذا الأمر للقيام بالإجراءات الواجب القيام بها، ولكن شريطة حضور نية تفعيل القانون إن هي حضرت، لأنه غالبا ما يتم اعتماد الصمت كأن شيئا لم يحدث. وحتى إن تم تحريك تلك الآليات، فغالبا ما تكون النتيجة صادمة، براءة أو حفظ الملف أو عقوبة بسيطة لا تتناسب والفعل المقترف، وتظل القضية معلقة لن تعرف أبدا طريقها إلى التنفيذ. أما عندما يتعرض مواطن من أيها الناس لسطو أو سرقة أو اعتداء، غالبا ما يتم التماطل في حقه، وتظل الشكاية قابعة على مكاتب المسؤولين إلى أجل غير مسمى، أما إذا تعلق الأمر بشخص من علية القوم فتستنفر كل الآليات المسطرية والبحثية ويُشرع بسرعة في حملات تمشيط واسعة النطاق وهلم جرا.. وذلك عملا بمقولة إذا أجرم الوضيع أقاموا عليه الحد، أما إذا أجرم الشريف فلا يهم. فمختلس الدريهمات يساءل ويعاقب ويحاسب بشدة وقسوة، في حين أن مختلس الملايير، الذي يسطو على ممتلكات الدولة من موقع السلطة ويمارس النهب علانية تحت جناحها، والتزوير مع سبق الإصرار والترصد، لا يقف في وجهه أحد ولا يتم الجهر بجرائمه بنية المساءلة والمحاسبة، لا لشيء سوى أنه من المقربين.. أليس هذا تكريس للعرف القائل إذا أجرم الشريف اتركوه بل رقوه وزيدوا من تقديره، وإذا أجرم البسيط "اطحنوه". ومثل هذه التصرفات وغيرها تقترف تحت شعار "العدل أساس الملك"، فهل هذا النوع من "العدل" الذي مازال سائدا في "مغربي السعيد" يصلح ليكون أساس الملك؟ فما اختل نظام أو منظومة، ولا جماعة من الجماعات، إلا كان أساس هذا الاختلال أكابر مجرميها ورؤوس مترفيها، هذا ما دلتنا عنه النظم الاجتماعية والسنن العمرانية، ألم يُروَّج سابقا أن ذوي السلطان في الناس كالرأس من الجسد، إذا فسدت فسد الجسم كله.. فالذين وضعتهم الظروف في مكانة المشرفين على تدبير الشأن العام والقائمين على حماية القانون، هم أول من يقوم بخرقه، وبهذا لن يستقيم الوضع على قاعدة العدل أساس الملك. إن حكمة "العدل أساس الملك"، تعني فيما تعنيه أن العدل والمساواة سائدان في المجتمع، وأن الإنسان يعيش فيه آمنا على أهله وماله وحقوقه، ويشعر بانتمائه الحقيقي للمجتمع، فهل هذا هو الوضع الذي يحيا فيه "مغربي السعيد" حقا لكي يتبجح القائمون على أموره، ليل نهار، بحكمة "العدل أساس الملك"؟ بفعل استشراء الظلم والكيل بمكيالين فإن الجندي والشرطي والموظف لن يثبتوا في ركح الحياة على الشعور بالكرامة كاملة غير منقوصة لأنه لا تتوفر لديهم شروط الدفاع عنها، فهؤلاء حين يرون الترقيات والحوافز والامتيازات والإكراميات يحوزها كل منافق ومتزلف وانتهازي، في الوقت الذي يحرم منها المخلصون في العمل، فإنهم يفقدون مع الزمن الدافع للجد والإخلاص والمثابرة، ولهذا السبب، بالأساس، يناقش حاليا رجال الأمن البسطاء والموظفون الأمنيون الصغار خيارات الاحتجاج ومراسلة الملك في الموضوع لأن سيلهم وصل الزبى، وقس على ذلك الوضع في القطاعات الأخرى. فمخطئ من يتصور أن مثل هؤلاء المتذمرين يرضخون للظلم والجور ويرضون به عن طواعية، فهم يختزنون في دواخلهم كل مظلمة تمر بهم، وقد يطول بهم القهر فيجدون المتنفس في الفساد والإفساد إن لم يقووا على الانتقام من الظالم بشكل سلبي. وقد يختزلون القهر في دواخلهم حتى إذا تراكم أصبح الصدر ك "طنجرة الضغط"، يظنونها هادئة، تحت السيطرة. وغالبا ما يعميهم جنون العظمة عن معرفة الحقيقة، وكذلك يعميهم الثناء الذي يقوم به لاعقو الأحذية من حولهم فينتفشون في ريشهم ولا يستمعون لنصيحة مخلص أمين. والحالة هذه، هل يمكن القول، إن القائمين على "مغربي السعيد" يكرسون حكمة: "العدل أساس الملك" أم أن أفواههم تنطقها وتنكرها تصرفاتهم؟ الواقع المعيش كفيل بالإجابة على مثل هذا التساؤل بالحجة الدامغة والدليل الذي لا دليل أوضح منه.