بدأ الحلم متواضعا، ثم طفق يكبر إلى أن أصبح بلا حدود. نعم ذهبنا إلى قطر للمشاركة في "المونديال"، على أساس أن نتجاوز الدور الأول، ونلعب الدور الثاني، ونحقق ما تم تحقيقه في "مونديال" مكسيكو سنة 1986. لكننا وبفضل كفاءة المدرب الوطني وليد الركراكي، ومهارة وإصرار "الأسود"، وصلنا إلى المربع الذهبي وأصبحنا نحلم بلعب المباراة النهائية، ولم لا، نيل الكأس الذهبية، لنصبح بذلك أول بلد عربي يفوز بكأس العالم، على أرض أول دولة عربية حظيت بشرف تنظيم "المونديال". لكن الحظ لم يكن إلى جانبنا في مباراة نصف النهاية. وعلى الرغم من أننا لعبنا ضد الفريق الفرنسي ندا للند ودون عقد نقص، وكان بإمكاننا الفوز لولا أخطاء ارتكبناها وهو أمر طبيعي، إضافة إلى تعسف الحكم علينا، حين حرمنا من ضربتي جزاء، مما جعل النتيجة تؤول لصالح فريق "الديكة". لا يمكن لأي مغربي أن يزعم أن الفريق الفرنسي لا يستحق التأهل للمقابلة النهائية، والقول نفسه، ينسحب على الفريق الكرواتي الذي حصل على المرتبة الثالثة بعد أن فاز علينا. لكن خروجنا من المربع الذهبي، وتبوؤنا للمرتبة الرابعة، يعد حدثا استثنائيا وجد مشرف لنا، وللكرة العربية والإفريقية أيضا. ما حققه الفريق الوطني المغربي في "مونديال" قطر، أتساءل حقا هل سيتحقق في "المونديالات" القادمة من قبل العرب والأفارقة، بل وحتى من قبل الفريق الوطني نفسه. هذا لا يعني أن الإنجاز الرائع الذي حققناه هذه السنة لا يمكن أن يتكرر إذا ما استفدنا من أخطائنا، وأعددنا كما يجب منذ الآن فريقا مؤهلا للعب المباريات النهائية لا الأدوار الأولى فحسب. لكن وللتذكير فقط، الإنجاز التاريخي الذي حققه الفريق المغربي سنة 1986 في المكسيك، تطلب منا أزيد من ثلاثة عقود قبل أن نتمكن من تجاوزه. النتيجة المبهرة التي حققناها، لم تمنع فئة عريضة من المغاربة، أن تندد بظلم الحكم لنا في مباراة النصف النهائي. وانتشرت شائعة انتشار النار في الهشيم، تؤكد بأن قدوم الرئيس الفرنسي ما كرون إلى قطر لحضور مباراة "الأسود" و"الديكة" لم تكن بريئة، وأن الغرض منها في الحقيقة هو إقناع جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" وحتى حاكم قطر، بوجوب منع الفريق الوطني المغربي من الفوز في مباراة النصف النهائي ضد الفريق الفرنسي. هذا الخبر تداوله المغاربة بشكل واسع على تطبيق "واتساب"، ومما عزز هذا الطرح، احتجاج اللاعب المغربي الدولي أشرف حكيمي على رئيس "الفيفا"، بسبب ظلم الحكم السيد سيزار أرتورو راموسن الذي لم يحتسب ضربتي جزاء لصالح الفريق الوطني المغربي. قد لا يكون لهكذا إشاعات أي أساس ربما. لكن سؤال هل حقا قررت "الفيفا"، بدوافع سياسية، حرماننا من لعب مباراة النهاية والحصول على الكأس؟ يظل مشروعا. مشروعيته قد تنبني ليس على ظلم الحكم الذي قرر عدم احتساب ضربتي الجزاء للفريق المغربي، بل على مدى استعداد الغرب والاتحاد الدولي لكرة القدم قبول فرضية أن يفوز فريق عربي بالكأس. الفوز بكأس العالم من قبل دولة عربية أو إفريقية، قد تكون له دلالة خطيرة، أن نصبح ندا للغرب المتقدم بل ونتفوق عليه ولو في مجال كرة القدم، فهو أمر لن يستسيغه سادة العالم. لن يقبل الكبار أن ينال الصغار وفق نظرتهم إلينا، أن ننتزع منهم كأس العالم. مثل هذا الفوز لا شك أنه سيجرح كبرياء ونرجسية الغرب المطمئن على تفوقه في كل الميادين والمجالات. والدليل على ما نقول، هو أن تنظيم كأس العالم بحد ذاته في قطر، عرض هذا البلد العربي إلى هجمة شرسة من العديد من الجهات، وشنت حربا ضروسا على حكام الدوحة، سواء في ما تعلق بملف حقوق العمال، أو جاهزية البلد الصغير لتنظيم "المونديال". وقد صرح رئيس "الفيفا" السابق جوزيف بلاتير، أنه ندم على منح صوته لدولة قطر من أجل الحصول على شرف تنظيم كأس العالم. الرياضة كأي مجال آخر، لا يمكن أن تنفصل عن السياسة مهما زعم وادعى السياسيون. وكرة القدم بحكم تحولها إلى رياضة عابرة للقارات، تأسست وارتبطت بها شركات عملاقة تدر تريليونات الدولار سنويا، وصاحب هذا النشاط التجاري العملاق، تحول رياضة كرة القدم إلى أيديولوجيا مهيمنة، تلعب دورا مهما في صياغة التفكير البشري. مما جعل السياسة سواء في الخارج أو الداخل تستغل هذه الرياضة كوسيلة تحقق أهداف سياسة، قد لا يتأتى تحقيقها بالقوة. وعليه لا يجب أن نستغرب إن وظفت القوى الكبرى الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا "، كما توظف الأممالمتحدة ومؤسسات دولية أخرى من أجل منعنا من تحقيق استقلالنا الذاتي والتطور في مختلف المجالات بما فيها الرياضية، فالصراع الثقافي والحضاري أثبت وجوده بقوة في "مونديال" قطر.