دعا محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، المسؤولين القضائيين الجدد الذين وافق الملك على تعيينهم في مناصبهم شهر أكتوبر الماضي إلى الوفاء للأخلاقيات القضائية، والتفاني في العمل، وخدمة المواطنين والوفاء بالتزاماتهم تجاههم. جاء ذلك في افتتاح دورة تكوينية ينظمها، اليوم الإثنين بالمعهد العالي للقضاء بالرباط، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، بشراكة مع وزارة العدل، حول تنمية المهارات القيادية وتعميق المدارك المعرفية للمسؤولين القضائيين الجدد. وشدد عبد النباوي في كلمته على أن السلطة القضائية تنتظر من المسؤولين القضائيين الجدد "المزيد من الوفاء للأخلاقيات القضائية، والتفاني في العمل، والمزيد من النجاعة، وكسب التحديات التي تواجه القضاء ومنظومة العدالة في هذه المرحلة، لتجاوز الصعوبات والإشكاليات". ودعا الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المسؤولين القضائيين الجدد إلى الحرص على خدمة بلدهم ومواطنيهم، "الذين يستحقون منا نحن القضاة أن نبني لهم نظاما قضائيا يضمن الحقوق ويحمي الحريات، ويكرّس الأمن القضائي، ويدعم الاستقرار والاستثمار بعدل أحكامه، ونجاعة إجراءاته، وبساطة مساطره، وسهولة الولوج إليه". وأردف المسؤول ذاته بأن تسيير المحاكم والنيابات العامة "لا يتوقف على التميز في ممارسة المهام القضائية"، مستدركا: "لكن الإدارة القضائية تتطلب مهارات أخرى ربما لم تتعلموها في معاهد القضاء، أو خلال مساركم القضائي، لارتباطها بمجموعة من المهام المختلفة، من بينها مهام تدبير الإجراءات القضائية المرتبطة بالدعاوى والشكايات والمنازعات، وتُعتبر مؤثرة في سيرها، مثل حسن سيْر الاستدعاءات، وتنفيذ مقررات الخبرة، والتبليغ والتنفيذ القضائي...". كما دعا عبد النباوي المسؤولين القضائيين الجدد إلى الإنصات إلى منتسبي المهن القضائية، والمتقاضين، بمختلف أصنافهم، مضيفا: "كل هؤلاء ينتظرون منكم تلبية رغباتهم وطلباتهم، وستكونون مدعوين إلى الاستماع إليهم، والاهتمام بتظلماتهم، والتعامل الإنساني معهم، والانتصار في الأخير لمبادئ العدالة والحق والإنصاف وحدها". المسؤول القضائي ذاته أكد أن المرحلة الراهنة "لا تحتمل تأخر المسؤولين في اتخاذ القرارات الحاسمة في ما يخص تدبير أمور محاكمهم"، مضيفا: "المرحلة الراهنة تحتاج إلى نساء ورجال من المسؤولين يحرصون على محاكمهم كما يحرصون على بيوتهم، ويرعون مرؤوسيهم كما يرعون أبناءهم وبناتهم، مع الحرص اللازم على الاستقامة والنزاهة". عبد النباوي شدد كذلك على أن المسؤولين القضائيين مدعوون إلى إمداد المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتقارير حول نشاط كل قاض ومستشار في المحاكم التي يديرونها، وحول وضعية العدالة، ورصد الأعصاب الموجودة والمشاكل المطروحة على جميع المستويات، مع تقديم مقترحات للمجلس لتطوير منظومة القضاء والعدالة، ولاسيما ما يتعلق بالتخليق من أجل بلورة إستراتيجياته القائمة". وعدَّ الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المسؤولَ القضائي كالمسؤول عن المقاولة، "يجب أن يُتقن فنَّ التسيير والتدبير"، مضيفا أن "مردودية المقاولة القضائية بالنسبة للمسؤول عنها لا تتمثل في أرباح مالية واقتصادية، وإنما المساهمة في حفظ النظام والأمن العام بمختلف تجلياته، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي تقوية الثقة في نظام العدالة". مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، دعا بدوره المسؤولين القضائيين الجدد إلى تسيير المحاكم التي سيدبّرون شؤونها بمنطق إدارة المقاولة. الداكي أكد أن المسؤول القضائي اليوم "لم يعد يقتصر عمله فقط على تتبع النشاط القضائي بالمحكمة وتدبير الجلسات فحسب، بل إن دوره أصبح كصاحب المقاولة الذي يضطلع بمهام تدبيرية بالأساس تتطلب منه استحضار معايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، والحكامة الجيدة، واتخاذ القرارات الصائبة، وامتلاك المهارات اللازمة". وأضاف المتحدث أن المسؤول القضائي مدعو أيضا إلى "إنتاج الآليات والمناهج الكفيلة بالتدبير الأمثل، بما ينعكس إيجابا على نجاعة الأداء القضائي، وحسن تدبير الموارد البشرية والمالية المتاحة، وتملك آليات التواصل، وجعل العدالة قريبة من المواطنين، والتشبع بالقيم والأخلاقيات والتقاليد القضائية الراسخة، وتدبير الأزمات وحسم الخلافات بهمة عالية وبتواصل مباشر". ودعا المسؤول القضائي ذاته المسؤولين القضائيين الجدد إلى "تكريس مبدأ الباب المفتوح لاستقبال المرتفقين الراغبين في تقديم شكاياتهم أو تظلماتهم إليهم"، لافتا إلى أن "مهام المسؤول القضائي اليوم تقتضي الإلمام بمجال واسع ومضطرد التطور، هو مجال الإدارة القضائية الذي يندرج ضمن مجال علم التسيير والتدبير، الذي يتطلب مهارات أخرى ربما لم تسنح الفرصة لأغلبكم لاكتسابها من خلال الممارسة". كما دعا الداكي المعنيين إلى "التحلي بالقيم القضائية، وإجادة تدبير الأزمات وحسم الخلافات، وتملك أساليب الحوار وفضيلة الإنصات والتشاور ومد جسور التعاون والتواصل عبر إعطاء النموذج في النزاهة والمصداقية، وذلك في إطار العلاقات الداخلية التي ستربطهم مع رؤسائهم ومرؤوسيهم، ومع باقي منتسبي المهن القانونية والقضائية ومساعدي القضاء، والمجتمع المدني والسلطات المحلية والإعلام".