مقدمة: من المعلوم أن المغرب يتوفر اليوم في ما يتعلق بتكنولوجيات الإعلام والاتصالات بقطاعاتها الثلاثة (القطاع السمعي البصري + قطاع الاتصالات عن بعد + قطاع المعلوميات) على ترسانة قانونية مهمة. غير أنه في وقت أصبح التقارب الرقمي بين هذه القطاعات واقعا لا يمكن لأحد إنكاره، مازال التنظيم القانوني في هذا الميدان يتميز بالتباعد. أولا: ماهية التقارب الرقمي يعرف التقارب الرقمي بأنه التقارب التكنولوجي بين قطاعات السمعي البصري والاتصالات عن بعد والمعلوميات. يتعلق الأمر بتقارب المستخرجات الرقمية الصادرة عن أجهزة كانت في ما سبق مستقلة عن بعضها: الهواتف والتلفازات والحواسيب. بمعنى آخر أن كل الأجهزة (الهواتف والتلفازات والحواسيب) أصبحت تستقبل وترسل كل أنواع المحتوى (البيانات + الأصوات + الصور). مثال: الشبكة الهاتفية تسمح اليوم بنقل الصوت (خدمة هاتفية تقليدية) والبيانات (الإنترنت) والمحتوى السمعي البصري (الإذاعة والتلفزة). فالهاتف المحمول بالإضافة إلى استخدامه في المهاتفة يمكن كذلك استعماله من أجل أخذ الصور والفيديوهات أو استقبال وإرسال رسائل نصية قصيرة (SMS) أو رسائل متعددة الوسائط (MMS) أو الإبحار على شبكة الإنترنت، أو مشاهدة البرامج التلفزيونية، أو الاستماع إلى البرامج الإذاعية وغير ذلك. وفي هذا السياق الجديد وطد التطور التكنولوجي العلاقة بين الرسائل الهاتفية) ال SMS وال MMS) والرسائل الإلكترونية (E-mails)؛ بحيث أصبح بالإمكان اليوم إرسال أو استقبال رسائل البريد الإلكتروني (E-mails) انطلاقا من الهاتف النقال. كذلك أصبح بالإمكان اليوم إرسال أو استقبال الرسائل الهاتفية ) ال SMS وال MMS) عن طريق الحاسوب أو حتى عن طريق التلفاز الذكي. لهذا السبب وسعت العديد من التشريعات (منها التشريع الفرنسي والبلجيكي وغيرهما) من مفهوم "البريد الإلكتروني" الذي أصبح يشمل الرسائل الإلكترونية (E-mails) والرسائل الهاتفية ) ال SMS وال MMS). ثانيا: ماهية التباعد القانوني رغم الواقع الجديد الذي تحدثنا عنه فإنه مازالت تطبق في قطاعات تكنولوجيات الإعلام والاتصالات نظم قانونية خاصة بكل قطاع، سواء تعلق الأمر بالاتصالات عن بعد أو بالاتصال السمعي البصري أو بالمعلوميات. ذلك أنه في المغرب مازال يطبق جنبا إلى جنب قانون خاص بكل قطاع: القانون 03-77 الخاص بالقطاع السمعي البصري والقانون 24-96 الخاص بقطاع الاتصالات عن بعد والقانون 05-53 الخاص بقطاع المعلوميات. هذه القوانين التي مازالت سارية المفعول إلى يومنا هذا وضعت في وقت كان كل قطاع مرتبطا بدعامة معينة للنشر (الهاتف / التلفاز / الحاسوب)، أي وقت كانت تلك القطاعات منفصلة من الناحية التقنية. ثالثا: نحو إطار قانوني موحد لتكنولوجيات الإعلام والاتصالات فهمنا مما سبق أن التقارب الرقمي أدى إلى الاختفاء التدريجي للحدود الفاصلة بين القطاع السمعي البصري وقطاع الاتصالات عن بعد وقطاع المعلوميات. هذا التقارب الرقمي ألغى التمييز الكلاسيكي بين قطاعات السمعي البصري والاتصالات عن بعد والمعلوميات. هذا يعني أنه من الآن فصاعدا لا يجب تنظيم قطاعات السمعي البصري والاتصالات عن بعد والمعلوميات بتشريعات منفصلة، وإنما من خلال إطار قانوني موحد. ولغاية أخذ هذا الواقع الجديد بعين الاعتبار، تم في فرنسا مثلا في جميع النصوص القانونية استبدال مصطلح "الاتصالات عن بعد" (Télécommunications) بمصطلح "الاتصالات الإلكترونية" (Communications électroniques) الذي يشمل كل أنواع الاتصالات، الهاتفية منها والسمعية البصرية والحاسوبية. خاتمة: من أجل مواجهة التحديات التي طرحها التقارب الرقمي على الإطار القانوني لتكنولوجيات الإعلام والاتصالات أصبح من الضروري إصلاح الهيكل القانوني الذي ينظم الميدان الإلكتروني في المغرب. هذا يعني أنه يجب وضع إطار قانوني موحد لتكنولوجيات الإعلام والاتصالات يحكم القطاعات الثلاثة: قطاع الاتصالات عن بعد وقطاع السمعي البصري وقطاع المعلوميات. بمعنى آخر يجب أن يترافق التقارب الرقمي الذي نعيشه فيه اليوم مع تقارب قانوني، حتى لا يدوم الانفصام الذي تعرفه الساحة القانونية المغربية في ميدان تكنولوجيات الإعلام والاتصالات. لكل هذه الأسباب يتوجب على السلطات المعنية في أقرب فرصة ممكنة مراجعة عميقة للإطار القانوني الذي يحكم تكنولوجيات الإعلام والاتصالات في المغرب، لكي يأخذ بعين الاعتبار التقارب الرقمي. في جميع الأحوال، يجب أن يكون الإطار التنظيمي والتشريعي في جوهره محايدا بالنسبة للتكنولوجيا المستخدمة (التلفزيون / الهاتف / الحاسوب)، وأن يطبق على جميع القطاعات دون تمييز.