يعيش المغرب تناقضات و مفارقات عديدة ترسخ تلك المقولة الشهيرة التي تقسم البلاد إلى مغرب نافع ومغرب غير نافع رغم محاولات نخبة من السياسيين و رجال الدولة المتملقين نفي هذا المعطى و التأكيد على شمولية التنمية و العناية السديدة . مناسبة هذا الإيحاء ما تعيشه هذه الأيام مناطق عديدة في شرق و جنوب شرق المملكة من معاناة ومأساة جراء البرد القارس والتساقطات الثلجية الكثيفة التي تتهاطل على مدن وقرى و قصور و مداشر منذ فترة و حاصرتها لأيام و أسابيع . أجواء قاسية كرست عزلة هذه المناطق ولا مبالاة السلطات المحلية و حكومة الرباط إزاء سكان هذه المناطق البسطاء )معظمهم أمازيغ)، و الذين يتشكلون في غالبيتهم من الفلاحين و مربي الماشية و فئات مستضعفة لا حول و لا قوة لها . إن احتياجات سكان هذه البقاع ( تالسينت ، جرادة ، فكيك ، الريش ، ميسور ،إملشيل ، آيت هاني ... ) لا حصر لها ، بدءا بالبنيات الأساسية و مستلزمات الحياة ، إذ تفتقر لأبسط المرافق و تشكو من غياب تام لجل الخدمات الأساسية ، في الوقت الذي استقالت فيه السلطات المحلية من مهامها ، و لا تكترث بهموم الساكنة ومعاناتها وانشغالاتها ، اللهم عند اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية حيث تتفنن في رش السكان بالوعود المعسولة لطلب ودهم لضمان تسجيلهم و تصويتهم ، إلا أن هذا الأسلوب لم يعد ينطلي على أحد . "" وقد رأينا كيف سارعت وهرعت الحكومة والسلطات الجهوية و الإقليمية بعدما انتشر خبر وفاة عدد من الأطفال و الكهول بمنطقة أنفكو جراء البرد القارس الذي خيم على هذه المنطقة ، فكان هذا الحادث مناسبة لتسليط الضوء على واقع هذه المنطقة و ظروفها المعيشية ، مما خلق زوبعة حينها تناقلت تداعياتها عدد من القنوات الأجنبية ، جعلت عاهل البلاد يقرر تنظيم زيارة إلى المنطقة والمبيت فيها للدلالة رعايته وعطفه على سكان المنطقة . على بعد عشرات الكيلومترات من المنطقة ، يحاصر الثلج والبرد والفقر والخصاص سكان مناطق في جهة مكناس تافيلالت ، بل تجاوز الأمر حد المناخ و الطبيعة في بعض المناطق ، إذ صار داء خطير يعرف باسم " الليشمانيا " أو " الليشمانيوز " ( مرض الفئران كما يسميه أهل المنطقة) يفتك بسكان قصور و بلدات المنطقة ( قصر ملعب – قصر توروك – قصر إكلي – تلوين – الخطارت – أوخيت ...) ، و يتجلى هذا المرض في ما تخلفه أعداد هائلة من الفئران من فضلات ، تؤدي إلى انتشار سريع للأوبئة و الأمراض عبر طرق شتى ، من أبرزها الحشرات من خلال لدغاتها التي تتسبب في حدوث بقع و التهابات فطرية على مستوى الجلد قد تتطور إلى تشوهات مستديمة و مضاعفات خطيرة . تسود هذه الأمراض في ظل تواري السلطات بمختلف تفرعاتها عن الأنظار ، محاولة تهدئة الأوضاع كما جرى عقب الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها مؤخرا بقصر ملعب فعاليات و مواطنون بكل عفوية و تلقائية ضد التهميش و اللامبالاة و استفحال تردي الوضع الصحي ، وقفة جابهها القائد – المعين حديثا – بتسلط و انعدام المسؤولية .و قد بدأت حالات مماثلة من أعراض المرض تظهر في مناطق أخرى ( ورزازات ، زاكورة ، مرزوكة ...). إن مغربنا العزيز غزير بحالات " أنفكو " ، و ربما بمستويات أفدح ، مما ينذر بعواقب وخيمة لا يعرف مداها ، و إن كانت أولى ردود الأفعال من جانب السكان تتجه نحو تسجيل موقف مماثل لذلك المسجل في انتخابات 2007 . فهل وصلت الرسالة ؟