في البداية أوجه انتقاد الشديد لكل قادة العرب في دول العالم، لأقول لهم وبكل وضوح سر شقائكم فيكم، أنتم من طبعتم وداهنتم واتحدتم الصهاينة والأمريكان أرباب من دون الله. وبالخصوص بعض حكام العرب الذين طالما يتبجحون بما لا يقدرون على القيام به، ماعد بعض التصريحات المحتشمة التي لا تعبر عن إرادة الشعوب بل تكرس مفهوم الاستبداد والانفراد بالقرار وغيرها من المسلمات لدى المتتبعين للشأن السياسي وغيره. "" لا أريد أن أناقش الموضوع من هذه الزاوية الضيقة الأفق بل أريد أن أضع الأصبع على الداء العضال وما أصاب أمتنا من وهن وخيبت أمل،والكل يتحمل عبء المسؤولية الملقاة على كاهله ومطالب بنقد الذات والوقوف على الثغرات. ورسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه أخبرنا أنه : ( ما أنزل الله داء وإلا وأنزل له دواء) أخرجه البخاري، وزاد ابن ماجة بسند صحيح : (علمه من علمه وجهله من جهله) ومن الجدير بنا أن نعقل هذه المصائب،ونحاول أن نعالجها . وقد يتبادر إلى أذهاننا سؤال:هل ظلمنا الله – عز وجل – عند ما أنزل علينا المصائب؟ والجواب؛ لا، وحاشا ربنا، فإن الله عز وجل كما قال عن نفسه: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (يونس:44), وقال تعالى: ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت: 46). وأخبر سبحانه أنه حرَّم الظلم على نفسه، فقال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) أخرجه مسلم . وقال تعالى: ( وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 108), وقال تعالى: ( وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ) (غافر: 31). إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث، فيقيننا بالله أنه صاحب العدل المطلق والبعيد كل البعد عن الظلم والجور. ولكن الله عز وجل أنزل علينا قرآناً يتلى إلى يوم القيامة وقد بيَّن فيه أنه ما من مصيبة تحل بالمسلمين إلا بسبب معاصيهم وذنوبهم وتضييعهم حرمات ربهم وأوامره ونواهيه،فقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30) . وقال تعالى: ( فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ) (لأنفال:54). وقال تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (النساء: 79). فهذا أول العلاج الذي يجب علينا أن نعرفه حتى نعالج به واقعنا كي نعلم أنه ما من مصيبة وقعت علينا وحلت بديارنا إلا بسبب أنفسنا وذنوبنا وتقصيرنا في حق الله، ومستحيل أن ننتصر ونحن قد ضيعنا الله ونسيناه ولا غرابة بعدها أن ينسانا ربنا : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) (الحشر:19) . (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) (التوبة:67). إن سنن الله لا تتغير ولا تتبدل فالله عز وجل وعدنا بالنصر وأن يهزم عدونا ولكن إن نصرناه وجاهدنا لإعلاء كلمته، وربينا أنفسنا على طاعته، والفرار من معصيته، قال تعالى: ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)، وأخبر تعالى أنه لن ينصر إلا أهل الطاعة والإيمان لا أهل الفجور والخذلان فقال تعالى: ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51) وبين لنا سبحانه أنه إن تولينا عن نصرة دينه ورفع رايته،فإنه يستبدل قوماً يقومون بحق الله وبنصرة دينه : ( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38) . قال سيد قطب – رحمه الله - : ( لقد كتب الله عز وجل على نفسه النصر لأوليائه حملة رايته وأصحاب عقيدته،ولكن علق هذا النصر بكمال حقيقة الإيمان في قلوبهم ، وباستيفاء مقتضيات الإيمان في تنظيمهم،وسلوكهم، وباستكمال العدة التي في طاقتهم ، وبذل الجهد الذي في وسعهم ، فهذه سنة الله،وسنة الله لا تحابي أحداً،فأما حين يقصرون في أحد هذه الأمور، فإن عليهم أن يتقبلوا نتيجة التقصير، فإن كونهم مسلمين لا يقتضي خرق السنن، وإبطال النواميس ، فإنما هم مسلمون،لأنهم يطابقون حياتهم كلها على السنن ويصطلحون بفطرتهم كلها مع الناموس . ولكن كونهم مسلمين لا يذهب هدراً كذلك ، ولا يضيع هباءً فإن استسلامهم لله وحملهم الراية وعزمهم على طاعته، والتزام منهجه، من شأنه أن يرد أخطاءهم وتقصيرهم خيراً وبركة في النهاية ، بعد استيفاء ما يترتب عليها من التضحية والألم والقرح ، وأن يجعل من الأخطاء ونتائجها دروساً وتجارب تزيد من نقاء العقيدة ، وتمحيص القلوب ، وتطهير الصفوف ، وتؤهل للنصر الموعود، تنتهي بالخير والبركة، ولا تطرد المسلمين من كنف الله ورعايته،بل تمدهم بزاد الطريق،مهما يمسهم من القرح والألم والضيق أثناء الطريق. وبهذا الوضوح والصراحة معاً يأخذ الله الجماعة المسلمة، وهو يرد على تساؤلها ودهشتها مما وقع، ويكشف عن السبب القريب من أفعالها: ( أوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمران:165). فأنفسكم هي التي أخلت بشرط الله وشرط رسوله صلى الله عليه وسلم وأنفسكم هي التي خالجها الهواجس والأطماع، وأنفسكم هي التي عصت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ) (آل عمران: 152). فهذا الذي تستنكرون أن يقع لكم وتقولون:كيف هذا؟هو من عند أنفسكم بانطباق سنن الله عز وجل حين عرضتم أنفسكم لها ) ا.ه (في ظلال القرآن) . ولهذا ورد في الأثر عن العباس بن عبد المطلب : ( ما نزل البلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة ) فلنندب ذنوبنا قبل أن نندب مآسينا ولنحارب أنفسنا الأمارة بالسوء وننهاها عن المنكر عندئذ سيحصل النصر وينجلي الغبار والله لا يخلف وعده (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55) .