شكلت الحرب القذرة التي يخوضها العدو الصهيوني الجبان منذ أزيد من ثلاثة أسابيع ضد أهلنا البواسل في غزة الصامدة ، كاشفة حقيقية لسوءة دعاة التطبيع والاستسلام من العرب والعجم سواء.إذ عرَّت هذه الحرب كل الأقنعة الزائفة التي يتقنع بها من يُباسم الشعوب بوجه ويصافح جزاريهم بالقفا . حرب كشفت عن عهر الزمان الرمادي الذي طبع الوجود الصهيوني بالمنطقة ، تاريخا وجغرافية ،كما كشفت عن حقيقة فريق المنافقين والمتزلفين على أعتاب العم سام ، سواء بسواء! "" فمنذ مؤتمر مدريد وأوسلو مرورا بالقاهرة وطابا وواشنطن وانتهاء بشرم الشيخ ؛ لم تجن الدول العربية المفاوضة ، إلا الذل والعار والمزيد من التنازلات المجانية والخضوع الرخيص للدولة اللقيطة المغتصبة للأرض والمدمرة للحرث والنسل. إن الحقيقة المُرَّة التي تستعصي على عقول المفاوضين العرب ودعاة التطبيع ، هي أن هذا السلام المزعوم صنيعة إسرائيلية مائة بالمائة؛ فهم حماته الحقيقيون ، الذين شيَّدوا أسسه وأركانه ، وأسسوا لفلسفته وأبعاده ؛ ثم استدرجوا إليه ثلة من أصحاب الأبراج العاجية ، في غياب تام وكلي لإجماع الشعوب العربية التي أبدت في أكثر من مناسبة ، رفضها القطعي لهذا السلام المزعوم ، ودعوتها الحكومات والأنظمة العربية للكف عن غيِّها ، وإيقاف تطبيعها مع عدو يجيد دق طبول "السلام" كما الحرب!! لقد قبل دعاة "السلام " العرب الخضوع لشروط العدو الصهيوني ،واللعب في ملعبه وبسلاحه ،ضدا على إرادة الشعوب العربية والمسلمة ،ومنظماتها المدنية والثورية، ورغبة في نيل رضى قوى الاستكبار المانحة ، لاستدرار مساعداتها في حفظ توازنات اقتصادية ومالية غاية في الترهل والاهتراء ، بفعل الفساد الإداري والقضائي والسياسي ... لقد اعتُبِرت المقاومة الباسلة خلال عقود من الزمن ، العدو اللدود لدعاة التطبيع كما للعدو الصهيوني سواء ..وهاهي اليوم – في شخص قوى المقاومة الغَزِّيَّة – تثبت للعالم – بعد أكثر من 22 يوما من الصمود والبسالة – أنها ليست حائطا قصيرا يمكن القفز عليه بسهولة ؛ بل هي قادرة على إدارة معركة غير متكافئة ضد عدو يمثل القوة العسكرية الأعتى والأشرس في المنطقة ، وإرغامه على التوقيع – من جانب واحد- على صك هزيمته النكراء في معركة تمثل "الرمق الأخير" الذي سيبدأ منه – بحول الله تعالى - العد العكسي لأسطورة "شعب الله المختار" الذي لا يقهر !! إن ما وقع في حرب تموز بجنوب لبنان ، وما يقع الآن في أرض غزة ؛ لا يترك مجالا للشك أبدا في أن خيار المقاومة ، خيار استراتيجي ومصيري ووحيد في مواجهة عدو لا يعرف إلا لغة الحِرَاب، و لا يذعن إلا في ساحات الوغى والنزال، وأن أي تفكير خارج هذا الخيار ضرب من الانبطاح المجاني، والاستسلام الذليل ؛ وأن الذين اختاروا الانسحاب من قضايا الأمة ، واللهاة خلف العدو، والجلوس إليه، والقبول بالتفاوض معه... قد خانوا أمتهم كما خذلوا المقاومة وطعنوها من الخلف وهي في أمس الحاجة إلى من يُسند ظهرها، ويجبر كسرها ، ويرفع عَلَمها... لقد "أسند" دعاة التطبيع العرب "حليفهم" الاستراتيجي، خلال سِنِّي المفاوضات العجاف ، بتمرير بدعة " التعايش"، والترويج لها عن طريق تجنيد الممكن في مجال الإعلام والاتصال، والسياسة والاقتصاد ، والثقافة والفن...فمكَّنوا للعدو - من حيث لم يحتسبوا –في المزيد من الاستيطان، والتوسع ، والتدمير والتجريف.. في حين ألَّبُوا ضد المقاومة الباسلة، الشريفة، كل ناعق، بطر، أشر، أثيم... وهاهم الآن يبكون بكاء التماسيح على الجرائم المروعة التي يرتكبها العدو في حق إخوانهم الفلسطينيين . لكن هيهات ، هيهات!! إن للشعوب ذاكرة لا تنسى ، ولا يمكن أن تغفر لهم هذا التواطؤ والركون . وحسبهم ما لحقهم من المهانة والذل من عدو قوي يجيد اللعب بالأوراق، كما يجيد حبك فصول المسرحيات التي يلعب فيها دور البطل الذي لا يقهر ، ويمثلون – هم- الضحايا والجناة في ذات الآن! [email protected]