وصل الإرهابي شارون في حربه الجديدة على الشعب الفلسطيني الأعزل إلى قمة هيجانه الدموي ، وهذا ما يطرح السؤال الآني والملح: من يوقف مجرم الحرب شارون عند حده؟ ليست هناك اختيارات كثيرة للإجابة على هذا السؤال المصيري، فهناك ثلاث إجابات أو بالأحرى ثلاث قوى هي المؤهلة لكي ترغم هذا الإرهابي رقم 1 في العالم على التراجع والتقهقر: 1 الولاياتالمتحدةالأمريكية. 2 الدول العربية. 3 المقاومة الفلسطينية. لابد أن القارئ يعرف الإجابة الصحيحة والوحيدة للإجابة عن السؤال المطروح ولكن لابد أن نقف عند كل إجابة حتى نفسر ونفهم الذي يجري الآن على أرض فلسطين الأسيرة. I الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما نطلع على التحاليل التي تتناول مواقف الولاياتالمتحدة الداعمة دوما للكيان الصهيوني يلاحظ أن أكثر كلمة متداولة ضمن تلك التحاليل هي "الضوء الأخضر"الامريكي لمذابح شارون (وآخرها ما يجري حاليا في مخيم جنين الرافض للاستسلام وتتحدث الانباء عن مئات الشهداء)، والواقع أن الولاياتالمتحدة لم تعط (الضوء الأخضر) فقط للكيان الصهيوني ليعيث في الارض المباركة فسادا وتقتيلا ،فهذا المفهوم يترك مسافة بين الولاياتالمتحدة والعدو الصهيوني ،وهو ما يفسر دعوات «التوسل» و"المطالبة" و"المناشدات" العربية التي تتلقاها واشنطن «الراعية» من أجل (التدخل الفوري) ! إن الحقيقة المرة عند البعض والتي يجب أن يعترف بها الجميع هي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية شريكة كاملة الشراكة في العدوان الذي يقع الآن على الشعب الفلسطيني البطل. فالمذابح التي قام ويقوم بها شارون تجري بتوجيه مباشر من الإدارة الأمريكية في المنطقة، ولمن أراد الدليل فإن مذابح الجمعة الدامية الماضية قد نفذتها عصابات العدو الصهيوني والمبعوث الأمريكي الجنرال أنتوني زيني في المنطقة يتابع «الرعاية» عن كثب وأولا بأول، كما ان الكل قد تابع الرئيس الفلسطيني على الهواء مباشرة وهو في حصاره الظالم يقول: هل تظنون أن أمريكا ليس في علمها ما يجرى لنا الآن؟! إن الإدارة الحالية الأمريكية كما الشأن بالنسبة لحكومة عصابات العدو الصهيوني هي من أكثر الإدارات وضوحا وغطرسة بحيث لا تحفظ حتى ماء وجه العملاء والمتعاونين معها في السر بل لا تسلم لهم ولو جزءا من ورقة التوت حتى يحفظوا سوءاتهم من الإحراج العلني. ثم إن بوش الصغير لم يبعث وزير خارجيته الجنرال باول إلى المنطقة قبل أن ينتهي المجرم المسعور من ارتكاب المزيد من المذابح لعله يحظى باستسلام من المقاومة الشرسة التي ترفض إعطائه تلك الأمنية ولو ارتكب ما ارتكب من المجازر اليومية، كما أن بوش الثاني وجه اللوم للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وهو في حصاره بدون ماء و لا طعام ولا كهرباء ولا دواء ولا حتى حصانة تكفلها له الأعراف والقوانين الدولية! واتهمه بكل وقاحة بأنه «قد خان شعبه» لأنه لم يأمر شعبه بالاستسلام لمقصلة شارون ورغبته في سفك الدماء وتقديم القرابين في ذكرى «استقلال اسرائيل» المهددة بالزوال وأعرب رئيس أكبر دولة إرهابية في العالم عن تفهمه لعدم استجابة شارون للانسحاب «فورا» لأن عملية عسكرية في مثل تلك الضخامة لا يمكن أن تتوقف «فورا»! ولا نتحدث عن آلات القتل التي يباد بها الشعب الفلسطيني أمام العالم الآن هي مجرد هدايا أمريكية للكيان الصهيونية حتى يحافظ على استمراره. ثم إن أمريكا منشغلة منذ 11 شتنبر بإعادة الترتيب الكونية، ويهمها تبريد المنطقة على أرض فلسطين في أسرع وقت ممكن حتى تتفرع للمارقين في (محور الشر) الذي أعلن عنه بوش الصغير، فلقد أعطت الولايات الزمن الكافي لأشرس جنرال في عصابات العدو حتى يحسم المعركة لصالحه ولكنه فشل فشلا ذريعا رغم كل الجبروت والطغيان والمصائب التي صبها على رؤوس الفلسطينيين العزل من البر والجو والبحر ولذلك هاهي تشارك بنفسها في إدارة المعركة «المقدسة» ضد «الإرهاب» الفلسطيني! وتقوم بإعطاء كل التبريرات لمن لازالوا يصدقونها لكل جرائم عصابات الجيش الصهيوني الجبان.. وتقوم بالضغط اللازم على الجانب الفلسطيني حتى يصل إلى درجة الخضوع التام والركوع والتوسل وطلب المغفرة، وهو ما لم تتلقاه اللهم إلا من بعض الخونة في الأمن الوقائي الذين عقدوا صفقات مع العدو وهو في أوج إجرامه ، وبإدارة فعلية من الولاياتالمتحدةالأمريكية الموجودة هناك منذ أن بدأ العدو الصهيوني يشعر بالخطر الحقيقي على كيانه المزعوم والمدعوم والذي سيصل بعد حين إلى مشارف الانهيار. II الدول العربية تبحث عن ورقة التوت إن جميع الدول العربية تعتبر أن كل الأوراق الشرق أوسطية هي بيد الولاياتالمتحدة وبالتالي نفهم لغة التنديد (الشفوي) مع المطالبة والتوسل (العملي) من أمريكا لوقف جرائم العدو المستمرة والمتصاعدة! لقد قلنا إن القوة الثانية التي يمكن أن ترغم شارون المجرم على التراجع هي الدول العربية التي تملك من القوة ما يكفي وزيادة للجم شارون وعصاباته ووقف الدعم الأمريكي الكامل واللامشروط إلى حد الاندماج التام في المعارك والمذابح التي يروح ضحيتها أهالينا هناك في الأراضي الفلسطينية المغتصبة، فهناك كلمتان اثنتان فقط لو تم تنفيذهما لكان لهما التأثير البالغ على عدو لا يفهم إلا لغة القوة: المقاطعة الشاملة بما فيها النفط، أما إذا أضفنا تحريك الجيوش مجرد تحريكها، فإن العدو الصهيوني الحاقد سيكشف عن وجهه الحقيقي الجبان. وسيحمل حقائبه ليعود من حيث أتى. إن كل الأنظمة العربية اليوم أمام منعطف لا يخلو من الخطورة، وأمامها خيارات صعبة ولكنها ناجعة وما عليها إلا أن تتحلى بروح المقاومة وتعانق هموم شعوبها وتقطع حبال ربط مصالحها بمصالح العدو ومناصريه وعندما ستدرك أن صدور الشعوب أدفأ من أحضان الطغاة. وقفة مع القمة العربية: كانت القمة العربية الأخيرة المنعقدة في بيروت من أكثر القمم إثارة للجدل، ففي الوقت الذي انتظرت فيه الشعوب العربية موقفا عربيا في مستوى الأحداث وتطلعات الشعوب جاءت القمة قمة في الفكاهة كما سماها الفكاهي المراكشي مسرور، إنها فعلا كوميديا عربية سوداء: عدو يذبح ويقتل ويحاصر ويهجر ويهاجم المستشفيات ويطرد الصحفيين ويقتلع الأشجار ويغتال الرهبان ويجوع الأطفال ويترك الجرحى ينزفون حتى الموت والشهداء بلا مقابر ويهدم المساجد والكنائس ولا يرعى في مؤمن أو حي إلا ولا ذمة ومع ذلك يلوح له العرب بالمناديل البيضاء وبمبادرة للسلام سخية جدا حكم عليها شارون هي الأخرى بالوأد ولم يمض على ميلادها أكثر من20 ساعة فقط، وما أثار الانتباه والجدل والحيرة أيضا الغياب الكبير للزعماء العرب عن القمة التي انتظرت فيها الشعوب مواقف تليق بمقامات أصحاب الفخامة والجلالة والسمو الحاضرين هناك، وأكثر الغيابات إثارة للجدل هي غياب صاحب المبادرة نفسه الأمير عبد الله ولي العهد السعودي والرئيس حسني مبارك زعيم أكبر دولة عربية و مشارك رئيس في عملية السلام وكذا الملك الأردني عبد الله رئيس الدورة السابقة! فأكثر ثلاثة كانت ستركز عليهم الأنظار والعدسات ولم ينتظر غيابهم هم من أثار العديد من علامات الاستفهام والتعجب، فالملك الأردني من المفروض أن يحضر في هذه القمة بالضبط ،لأنه رئيس الدورة السابقة ويجب أن يسلم الرئاسة لرئيس الدورة الحالية (الرئيس اللبناني إميل لحود) !وولي العهد السعودي كان منتظرا أن يحضر لأنه هو صاحب المبادرة ولكنه لم يحضر، كما أن الرئيس مبارك هو من «رعاة السلام» الأساسيين في المنطقة والقمة كانت ستركز على موضوع «السلام» فغاب هو الآخر. وحتى نفهم لغز هذه الغيابات الفلسطينية المفاجئة فإن الخيط الرابط بينها هو عرفات، فكل من الأطراف الثلاثة الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني وبعض الدول العربية كانوا على (علم) بأن عرفات لم يعد شخصا مرغوبا فيه، وأنه قد اتُخذ (قرار) بالبحث عن بديل يرضي الأطراف المشاركة في المؤامرة، ولذا كانت الصفقة تضم بندا خاصا بعرفات مما سيحرج الأنظمة ومواقفها أمام شعوبها والعالم ففضل من وصلته (المعلومة) ألا يكون مشاركا أمام كاميرات العالم، والدليل أن عرفات حسب أمريكا و»إسرائيل» قد مضى عهده والمسألة فقط مسألة وقت بالنسبة لهم ،ولكي لا يأخذ عرفات غطاءا شرعيا (عربيا) ولو عبر الأقمار الصناعية صدرت الأوامر المطاعة بألا يتحدث عرفات إلى القمة واستجاب قادة العرب الخائفين من سلاح «الديمقراطية» التي تهدد به واشنطن عروشهم الدافئة، فلم يعد عرفات هو «الرئيس الشرعي والوحيد» واختفى كذلك من البيان الختامي بند «حق العودة» للفلسطينين الذين يعيشون في الشتات وكل ذلك لعل واشنطن ترضى عن القمة وذلك ما حصل بالفعل بحيث عبرت واشنطن عن ارتياحها ورضاها (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم» فلقد حوصر عرفات على الأرض من أمريكا والكيان الصهيوني وحوصر عبر الأقمار في السماء من زملائه العرب وهو في أكثر الأوقات حاجة إلى الدعم والمناصرة !!! III مجاهدو الانتفاضة يحققون (توازن الرعب) مع أشد الاعداء حقدا وقوة العدو الصهيوني والأمريكي يقومان الآن بمعركتهم الأخيرة ضد ما يسمونه «الإرهاب الفلسطيني» واستعملوا في ذلك كل أنواع القتل والتعذيب والحصار حتى يوصلوا الشعب الفلسطيني إلى درجة الخضوع والركوع، ولكن المقاومة الأسطورية لمجاهدي الانتفاضة شكلت فعلا «إعجازا» يستعصي عن الإدراك، إعجاز ليس فقط في الصمود بل في إيقاع الخسائر في صفوف العدو الجبان ونجحوا رغم كل البطش والتكالب والتخاذل في تحقيق توازن الرعب مع عدو حاقد ومدعوم فقد اخترقوا حصونه المنيعة وأرغموه على التراجع والاندحار وهاهو العدو منذ أكثر من أسبوع من العدوان المتواصل ليل نهار يواجه مقاومة أسطورة لم يسبق لها مثيل في مخيم جنين الصامد ووقعت في صفوف العدو خسائر جسيمة فضل التكتم عليها وقد أقال العدو الصهيوني القائد المكلف باقتحام المخيم وهاهو القائد الثاني يلقى نفس المقاومة بل أشرس منها، فقد بثت قناة الجزيرة أن الجنود اليهود يفرون من المعركة وهم يبكون، إن الشعب الفلسطيني المجاهد قد كشف أقنعة العالم بأسره وجعلنا ننظر بوضوح أكبر لم يتوفر من قبل، فسوءات العرب لم تغطها المبادرة السعودية التي ولدت ميتة وهي لصغرها أي (ورقة التوت/المبادرة) لم تكف لاخفاء (...) زعماء 22 دولة!! وكشفت "المقاومة الباسلة" أيضا ما يسمى ب»راعية السلام» وأعطت للعالم دليلا واضحا وجليا بأن "رعاة البقر" لا يصلحون لرعاية السلام! خلاصات إذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية مشاركة في العدوان وتتحرك «بسرعة» فائقة إذا تعرض العدو للخطر ولا تتحرك إلا نفاقا إذا تعلق الأمر بالمسلمين، فإن المراهنة عليها في حل القضية المركزية للأمة الإسلامية هو مراهنة على العدو الحاقد لكي يرحم ضحيته المشاكسة. الرؤساء العرب وحكوماتهم إذا كانوا يمثلون حقيقة شعوبهم فإن الشعوب تطالبهم بالتحرك السريع وقطع العلاقات مع العدو الصهيوني ومن يناصره وأن ترفع الحماية عن مصالح العدو الصهيوني والأمريكان في المناطق العربية، ومن العار أن تتحرك الدبابات الصهيونية بالنفط العربي. المقاومة الباسلة اليوم هي الوحيدة التي ترفع هامتها عاليا رغم كل التضحيات الجسيمة وقد أقسمت على عدم الخضوع والركوع مما سيدفع شارون وبوش إلى حافة الجنون الحقيقي، وهي الآن تحاصر وتفضح كلا من أمريكا الظالمة واليهود الجبناء والأنظمة العربية (...) وليس للمقاومة إلا السند الشعبي المتصاعد في أرجاء الوطن العربي الذي سيُؤتي ثمرته لا محالة. فقد كشف مجاهد والانتفاضة الأبطال الأنظمة العربية وجيوشها الجرارة، فقد أسقطوا في صفوف العدو من الأرواح وكبدوه من الخسائر ونقلوا إليه حزمة من الآلام والرعب والمعاناة النفسية ما لم تحققه كل الجيوش العربية المقدامة التي تستأسد على مواطنيها العزل. وأخيرا فإن أبطال الانتفاضة اليوم هم الوحيدون الذين يكتبون بدمائهم تاريخ وحاضر ومستقبل فلسطين ولا حق لأحد أن يتقدمهم، فالمستقبل يصنعه الشهداء وما على السياسيين والعسكريين وكافة العملاء إلا التنحي عن الطريق، وما على الشرفاء والأحرار إلا أن يكثفوا من دعم معركة الكرامة والصمود التي يخوضها الشعب الفلسطيني البطل والنصر للاستشهاديين والمجاهدين ومشاريع الشهداء ما استرد حق قط بالخضوع والركوع والتوسل بل بالقوة والصمود حتى النصر والتحرير. إسماعيل العلوي