منذ 2003 تصدر جامعة شنغاي تصنيفا لأحسن الجامعات في العالم حسب خمسة معايير علمية: عدد الخريجين والموظفين الحاصلين على جوائز نوبل والميداليات الميدانية (%10). عدد الباحثين المتميزين الذين تم اختيارهم بواسطة شركة "كلاريفايت أناليتكس" (Clarivate Analytics) (%20). عدد المقالات الصادرة في الدوريات المتخصصة في الطبيعة والعلوم (%20). عدد المقالات المجدولة في فهرس الاقتباس العلمي، أي فهرس الاستشهادات الموسعة والعلوم الاجتماعية (%20). أداء المؤسسة لكل فرد (%10). يتم اختيار أحسن 1000 جامعة في العالم بناء على هذه المعايير. وقد صدر تنصيف شنغاي لسنة 2022 في شهر غشت، وتصدرت هذا التصنيف الجامعات الأمريكية من حيث جودة التعليم وعدد الخريجين الذين حصلوا على جوائز نوبل والميداليات الميدانية، وجودة هيئة التدريس، وجودة مخرجات البحث، والأداء الأكاديمي للفرد بقسمة قيمة المؤشرات الأخرى على عدد الأساتذة الباحثين الرسميين بالجامعة. لفهم هذا التصنيف، يجب إجراء مقارنة ضمنية لبعض المعطيات حول البحث العلمي؛ فمثلا بالولاياتالمتحدة تبلغ قيمة الميزانية الفيدرالية المخصصة عموما للبحث العلمي في مختلف القطاعات 171 مليار دولار بزيادة 9% هده السنة، وتصرف الجامعات ما يناهز 86.4 مليار دولار (معطيات 2020) على البحث العلمي. كما أن الجامعة التي تصدرت التصنيف احتضنت 161 فائزا بجائزة نوبل في مختلف التخصصات العلمية، مقارنة مع جامعة أكسفورد التي فاز 72 من أطرها العلمية بالجائزة نفسها. من المفروض أن تضع هذه الإنجازات هذه الجامعات في المقدمة لأن بنياتها ووسائلها المالية وعلاقتها بتطوير البحث والتكنولوجيا واضحة جدا. لا يمكن مقارنة الجامعات المغربية بجامعات لها كل هذه المؤهلات والإنجازات، لكن لتستقيم المقارنة يجب مقارنتها بجامعات عربية لها تقريبا البنيات والظروف نفسها مع اختلافات هيكلية نسبية. استطاعت 19 جامعة عربية حجز أماكن لها ضمن الألف جامعة الأحسن في العالم. ورغم تقارب قيمة الميزانيات المخصصة للبحث العلمي في جميع الدول العربية، إلا أن هناك عوامل أخرى تفسر غياب بعض الدول كالمغرب عن هذا التصنيف وبروز جامعات عربية أخرى. أعتقد أن الجامعات المصرية والأردنية واللبنانية تستحق تصنيفها ضمن 1000 أحسن جامعة لأنها تعتمد على شبكة محلية من الأساتذة الباحثين، في حين إن الجامعات الخليجية تعتمد على أساتذة باحثين متعاقدين من الدول الغربية، خصوصا في الجامعات العلمية والتقنية. إذا كانت الجامعات العربية لا تتوفر على أساتذة فائزين بجائزة نوبل، فإن المؤشر الذي قد يميزها عن بعضها البعض هو جودة وكمية أعمال البحث المنشورة وأداء المؤسسة حسب كل فرد. إذا أخذنا هذا المؤشر بعين الاعتبار بالنسبة للجامعات المغربية، فإن عدد المقالات المنشورة بالدوريات الدولية المسجلة في "Web of Science" أو "Scopus" يناهز 11 ألف مقال سنويا، بمعدل نصف مقال لكل أستاذ باحث، حسب تقرير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وبميزانية 869 مليون درهم. بالنسبة لمعيار الكيف، فتصنيف شنغاي لم يأخذ يعين الاعتبار سوى مرجع واحد لتقييمه لأعمال البحث المنشورة "Web of science (SCIE, SSCI)"، وهذا يعني أن المقالات التي تم احتسابها هي أقل مما ذكر أعلاه [وهو معيار مطبق على جميع الجامعات]. لكن الأمر المقلق في الموضوع هو أن نصف الأساتذة لا ينشرون أي مقالات محكمة ومنشورات في دوريات دولية مصنفة. يستدعي هذا الوضع إعادة النظر في نظام الترقيات بالنسبة للأساتذة الباحثين وربط ذلك بالمردودية العلمية الواضحة والمعترف بها دوليا. كما أصبح ضروريا مراجعة نظام الدكتوراه والانسلاخ من النموذج الفرنسي واعتماد نطام استكمال تكوين حقيقي من حيث مواد التخصص كما هو الحال في الولاياتالمتحدةالأمريكية، واعتماد نظام خاص بالبحث ضمن مشاريع واضحة وطموحة تضيف إلى مجال العلم والنظريات المختلفة، وليس مجرد تطبيقات لنظريات لم ننتجها. طلبة الدكتوراه يعانون من ضعف قيمة المنحة [1000 درهم شهريا لمدة ثلاث سنوات] ولا يتلقون أي دعم لإنجاز أعمال البحث والنشر. إذا أردنا البحث عن الحلول، فسنقع في مستنقع البرامج المؤجلة التي لا تطبق أو تطبق ليتم التراجع عنها، وبرامج استعجالية تحولت إلى صفقات مشبوهة. إصلاح التعليم الجامعي هو رهين تأكيدا بعامل الجودة المرتبطة بالتمويل والدعم وتوفير البنيات الضرورية وربط الجسور مع ما يجري خارج الجامعة، مع الاقتصاد والصناعة والبيئة والمجتمع، غير أن دور الأستاذ الباحث يبقى مكملا وفاعلا إذا توفرت الظروف، وإن لم تتوفر فعليه أن يعمل عل تحقيق ذلك، ويشتغل بوعي تام بأن العالم أصبح أكثر انفتاحا وتنافسا.