لا يجادل أحد أن الجرائم المرتبطة بتهريب الأموال إلى الخارج تفوق خطورتها جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم العدوان التي تبقى من اختصاص القانون الدولي الإنساني .فقد سبق أن أثير هذا الموضوع في أغلب المنابر الإعلامية سابقا وكانت لنا كلمة في هذا الشأن لما يحتويه هذا الموضوع عند مناقشته جملة من المضايقات والتأثيرات والتحرشات بالسلطة القضائية خلافا لما نص عليه دستور 2011 خاصة وأن هذا الموضوع يتبعه فقط اللغط دون تحريك المتابعات المناسبة . وما يزيد الطين بلة هو أن هذا النوع من التأثيرات له أبعاد وطنية وأخرى دولية على اعتبار أن جهات أجنبية كأمريكا وبريطانيا وسويسرا هم أول من وقفوا عند هذه الأفعال الإجرامية عبر تقاريرهم التي نشر ملخص منها بالمنابر الإعلامية المغربية ،فتهريب الأموال إلى الخارج ينتج عن عدم تفعيل قانون التصريح بالممتلكات وعن جرائم نهب المال العام و الجرائم الاقتصادية وذلك في ظل استغلال تام لقاعدة الإفلات من العقاب التي تفيد أن القانون الذي يطبق هو قانون الغاب مما يفرض اعتماد إستراتيجية جديدة للنهوض بأوضاع بلادنا ونذكر على سبيل المثال اعتماد القطيعة مع جميع الحوارات التي انخرط فيها المغرب لتصحيح الأوضاع والاقتصار على حوار واحد ووحيد يخص تطبيق القانون .فهذه التقارير الأجنبية عند الإطلاع عليها يتبين أنها لم تأخذ بعين الاعتبار مصلحة وطننا بقدر ما كانت تقدم أجندة لهذه الدول بالدرجة الأولى في سعي تام لتحقيق مكاسب مالية واقتصادية بغية إرساء توازن شامل وكامل داخل أوطانهم على حساب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للدول المستهدفة بهذه المخططات . ولئن كان نشر هذه التقارير بالمنابر الإعلامية المغربية بمثابة خطوة جريئة لكونها تفضح وتعري واقع الجريمة ببلدنا لكون تهريب الأموال إلى الخارج لا يمكن أن يتأتى إلا في ظل تطور الجريمة المنظمة وفي ظل التقصير و الإهمال المرتكب من طرف مفتشي الوزارات نظرا للصلاحيات المخولة لهم للحد من هذه الأفعال الإجرامية . فهذه التقارير يمكن أن نستنتج منها أن السلطات الأجنبية السالفة الذكر تتوفر على لائحة كاملة لمهربي الأموال إلى الخارج وأن الشك لا زال قائما بخصوص توفر السلطات المغربية عليها خاصة السلطات القضائية بما في ذلك المجلس الأعلى للحسابات طالما أن المساطر القانونية لم تأخذ مجراها الطبيعي وبالتالي تظل التصريحات الأخيرة بشأن هذا الموضوع يطبعها الغموض واللبس إن لم نقل مجرد صيحات في واد . فهذه التصريحات التي اعتبرها البعض تطاولا على السلطة القضائية خلافا للبعض الآخر الذي اعتبرها من صميم اختصاصات الحكومة اعتمادا على قانون تبييض الأموال وقاعدة التعاون بين جميع السلطات في ظل احترام القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة تظل للأسف الشديد ذات ضبابية كبرى على اعتبار أنها لم تتم على إثر نشر هذه التقارير السالفة الذكر بالمنابر الإعلامية المغربية في انتظار خروج توصيات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة إلى العلن والدليل على ذلك أننا تناولنا هذا الموضوع مباشرة بعد المصادقة على دستور 2011 لكن دون جدوى ،فبعد إصدار التوصيات السالفة الذكر طفا من جديد على السطح موضوع تهريب الأموال الذي يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن جرائم التمييز ترتكب بشكل ظاهر وخفي عندما يتعلق الأمر بمحاولة تحريك المتابعات في حق أشخاص يعدون وفق عناصر الجرائم المذكورة أعلاه أناس فوق القانون مما يجعل ما قيل حول هذا الموضوع مجرد تهريج وتشويش في استخفاف واستهتار تام للتغيير القائم ببلدنا وذلك لغرض في نفس يعقوب على علم أنه من الصعب الفصل بين الداخل والخارج في زمن التطور التكنولوجي والتطور العلمي ،وللإشارة فإن هذا السجال تزامن مع سجال آخر من نوع آخر يهم نصيب المرأة في الإرث ضدا على الثوابت الشرعية رغم أننا نميز بين مقولة (لا اجتهاد مع وجود النص) ومقولة (لا اجتهاد مع وضوح النص) مما يجعل هذا النقاش مجرد محاولة يائسة لترسيخ التبعية بجميع أشكالها والأخطر في ذلك أنها تمهد لاعتراف ضمني في المستقبل للسماح بزواج المثليين كما هو معمول به ببعض الدول الأجنبية تطبيقا لقاعدة " المناصفة" وبالتالي "الممثالة " مما يطرح سؤالا عريضا. فإن كان باب التوبة مفتوح دائما وعظمة (كن فيكن) قائمة في الزمان والمكان فإن القاعدة الشرعية (للذكر مثل حظ الأنثيين) تزكي مبدأ المناصفة إذا ما اعتمدنا مفهومه الصحيح والسليم في ظل دائرة "الاختلاف والائتلاف بين الجنسين " فالتطاول على السلطة القضائية كما سبقت الإشارة إليه أضحى أمرا عاديا ومألوفا سيما وأن هذه السلطة أي سلطة تطبيق القانون تنصهر في جسم سلط أخرى لكونها ناتجة عن سلطة الأحزاب السياسية عبر آلية صناديق الاقتراع التي يشرف عليها القضاة جزئيا رغم أن هذه الصلاحية المخولة لهم سابقة لأوانها لكونهم غير مؤهلين للإشراف على هذه العملية سواء في بدايتها أو نهايتها لأنهم لم يتمكنوا ولم يستطيعوا حتى الإشراف على الانتخابات الخاصة بهم ونخص بالذكر انتخابات المجلس الأعلى للقضاء وانتخابات بعض الجمعيات المهنية القضائية التي لا زالت تشتغل بمكاتب صورية وغير قانونية والأمثلة عديدة ومتنوعة . فسؤال من يهرب الأموال إلى الخارج بالمغرب يتضمن في نفس الوقت جوابا عن من يعيق ترسيخ الديمقراطية وتكريس ثقافة حقوق الإنسان وبالتالي يعيق التنمية التي ينشدها الجميع . فالحديث عن تهريب الأموال إلى الخارج وبالتبعية عن جرائم الاتجار في البشر كتحصيل حاصل وغيرها من الجرائم تظل دون فائدة دون الوقوف عند "ألغاز القضاء" و"عداد إصلاح القضاء" و"قضاء الظل والتعدد "و"فرسان القضاء وآليات العفو" والقضاء بين الجنون والفنون" و"سيف العدالة والجريمة السياسية " و "المجرم السياسي وسيف العدالة" و "الكاميرا والقضاء "و "الجريمة الخفية والسعادة" و "الإرهاب وحركة إلى الوراء" و "قلعة العدالة" وأخير "الكمائن التي توضع للقضاة عفوا للفئران " . وعليه فإنه اعتمادا على ما سبق قوله في هذه السطور فإنه من ضمن الشروط التي يتعين أن تتوافر في شخص وزير العدل والحريات مستقبلا أن لا يكون فقط رجل قانون بل أن يكون علاوة على ذلك طبيبا أو سبق له أن اشتغل إلى جانب الأطباء ليكون ملما بأمراض العدالة كما هو الأمر بالنسبة لمن يهمها الأمر. ومن باب التلخيص وليس الخلاصة فإن تهريب الأموال إلى الخارج تسعفه بعض القوانين الجنائية الخاصة كجريمة افتعال العسر التي لا تتورع إلى التشجيع على التهرب الضريبي دون أن يطال مرتكبو هذه الجرائم العقوبات المناسبة وإن كانت غير دستورية . وعلى كل حال فإن تهريب الأموال إلى الخارج وتهريب الأشخاص إلى الخارج عفوا هروب الأشخاص إلى الخارج هما وجهان لعملة واحدة ولحسن الحظ أن جاليتنا لا زالت تضحي بالنفيس والغالي لتنمية بلدهم نظرا لارتباطهم بشعار المملكة :الله – الوطن - الملك. *قاض بالمحكمة الابتدائية بتازة