لا يمكن الحديث عن وضع القضاء في المغرب دون الحديث عن فصل المهام والوظائف عند ارتكاب بعض الجرائم ويتعلق الأمر بالبحث والمتابعة والتحقيق والمحاكمة كقاعدة وليدة عدم استقلال القضاء خاصة وأن مؤسسة التحقيق أضحى الجميع ينادي بإلغائها لدفع النيابة العامة للقيام بدورها الطبيعي وأن وأد مرحلة التحقيق هي رسالة موجهة لقضاة النيابة العامة وعناصر الشرطة القضائية بتحمل مسؤوليتهم في مكافحة الفساد الذي أصبح ظاهرة معقدة تتداخل فيه مجموعة من المعطيات والجهات بأن يصبح همهم الوحيد عدم جعل الدستور الحالي حدثا متميزا رحمة بالرأي العام وأن يعتبروا تنزيل وتفعيل الدستور الحالي والذي يشكل حدثا متميزا ومشروعا ضخما على اعتبار أن ما يهمنا هو ما بعد المصادقة على الدستور الحالي الذي ينص ضمن إحدى مقتضياته على ضرورة التمييز بين القضاء الواقف والقضاء الجالس وبالتالي التمييز بين كيفية وطريقة التعامل مع القانون ،فالأول من اختصاصه تطبيق القانون في حين أن الثاني يختص في التطبيق العادل للقانون بمعنى أن قضاة الحكم ملزمون بالتمسك بنزاهة التأويل التي لن تتأتى إلا بإلمامهم بالعلوم القانونية والعلوم الأخرى التي تساعد على إظهار الحقيقة التي تعد جوهر الرسالة النبيلة التي توجد على عاتق جميع أصناف القضاة. فعدم استقلال القضاء يساهم بشكل أو بآخر في توسيع مجال المطلق بخلق آلهة صغيرة وتزدهر نتيجة ترسيخه صناعتين : 1) صناعة الوهم 2) وصناعة تحويل الوهم إلى حقيقة. وخير مثال على ذلك إشكالية اكتظاظ السجون، لأنه بالرجوع إلى السجون كعلبة سوداء للعدالة وبالوقوف على طبيعة الداخلين والخارجين من هذه المؤسسة يتبادر إلى الذهن أن هذه المؤسسات (أي السجون) فارغة ولا تعاني من الاكتظاظ إذا ما تم تسليط الضوء عن الانتماء الجغرافي للسجناء ودرجة تعليمهم ومراكزهم الاجتماعية لدرجة أصبح التركيز على طبيعة القضاة الذين نريد وليس على القضاء الذي نرغب ،مما يفرض اعتماد مجموعة من المقاربات خلال استصدار الأحكام من قبيل مقاربة الانتقام ومقاربة الإدماج ومقاربة القصاص ومقاربة الردع والتي تؤثر بشكل غير مباشر على تفريد العقاب في أفق التطبيق العادل للقانون الذي هو من اختصاص قضاة الحكم الملزمون بالتعمق في خصائص الجرائم الخطيرة وخصائص شخصية المجرم. فالسؤال العريض الذي يفرض نفسه يخص مدى نجاعة القوانين الجديدة الحالية والقوانين المرتقبة لمكافحة الفساد في ظل إرادة تهدف إلى إضعاف مؤسسة النيابة العامة أي جهاز الاتهام مما يعتبر تحصيل حاصل من خلال المبدأ الذي يعتمد خلال قيام النيابة العامة بمهامها والذي يجعل القضاء برمته لا يرقى إلى سلطة وبالأحرى الحديث عن استقلاله وهي قاعدة ملائمة المتابعة التي لا تعدو أن تكون سوى تطبيقا جزئيا لمبدأ قانونية المتابعة المعمول به في الأنظمة المقارنة والتي تقوم أساسا على فكرة "عفى الله عما سلف " خاصة لمرتكبي الجرائم المحظوظين وفي حضور التحرشات والضغوطات التي يتعرض لها حتى رئيس النيابة العامة فبالأحرى قضاة النيابة العامة ، وما يزيد الطين بلة هو كون التوجه نحو عدم تقوية جهاز النيابة العامة وبالتالي إضعاف القضاء هو ليس وليد اليوم بل يجد جذوره في ممارسات وزارة العدل وبالضبط مديرية الشؤون الجنائية والعفو التي تعاني نخبتها من الردة لكونها لم تحافظ على هويتها القضائية ولم تتردد تبعا لذلك على توجيه كتب لأعضاء النيابة العامة لترشيد الاعتقال نظرا لاكتظاظ السجون وإن كانت هذه الظاهرة ليست حقيقة كما سبق القول وإنما حقيقة ناتجة عن وهم خلافا لما هو صحيح آي دعوة القضاة لترشيد الإعتقال بفضل انخراطهم في مسلسل الإصلاح والنهوض بآلية الديمقراطية التي أضحت من ثوابت المملكة رغم أن الديمقراطية هي ديمقراطيات وذلك من أجل النهوض بأوضاع حقوق الإنسان وتحقيق التنمية الشاملة في ظل سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية دون استغفال وإهمال خصوصياتنا التي تثبت حضورنا وذلك قصد الانتقال من العدالة الرقمية إلى عدالة ذات جودة عالية. وللإشارة فإن أول مستفيد من إضعاف مؤسسة النيابة العامة هم "العفاريت" و"التماسيح" وهنا لازلنا نساهم بدورنا في صناعة الوهم لكون هذه الكائنات لا وجود لها إلا في مخيلة البعض لكون مشاريع التعديلات القانونية المرتقبة تسعى إلى حمايتهم لغرض في نفس يعقوب يتمثل ربما في التضامن الوهمي في أفق الحفاظ على الوضع القائم كما هو ونستحضر في هذا السياق المناداة بسن عقوبات بديلة وكنتيجة حتمية لذلك تجريد النيابة العامة من سلطتها الأصلية والأصيلة كممثلة للمجتمع في أفق وضع قاعدة جديدة ترمي إلى ترشيد الاعتقال إلى أقصى مداه رغبة في تحويل بلدنا إلى فضاء شاسع في وقت يتحدث الجميع بأن العالم أصبح قرية صغيرة بفضل التقدم التكنولوجي والتطور العلمي والرقمي ،فالعقوبات البديلة وإحداث (غرفة الحريات) في المستقبل هو دليل على اعتبار الدستور الحالي حدثا متميزا والاحتفاظ بالعمل بالقوانين القديمة دون تكثيف الجهود لتنزيل الدستور الحالي على أرض الواقع كما سبق القول والذي ينص على ضرورة سن قانون جديد للولوج إلى المعلومة حتى يتسنى لجهاز النيابة العامة للتخلص من سياسة الظل والتعدد التي تقيده وتجعله جهازا وهميا وذلك للقضاء على جرائم الأموال وجرائم نهب المال العام وجرائم تبييض الأموال وجرائم الإرهاب وجرائم المخدرات وجرائم التعذيب وجرائم الاتجار في البشر و التي تعد بالأساس جرائم تكرس عدم استقلال القضاء. وختاما، نأمل أن تكون هذه السطور قاصرة للإحاطة بالموضوع في ظل انسجام تام بين المعارضة والأغلبية كحقيقة هذه المرة والذي يعد دليلا على أن الصلح الذي ينتهي إليه بتبادل الاتهامات بشأن خرق القوانين الجنائية في قبة البرلمان والتجريد من الملابس في خرق تام للأخلاقيات التمثيلية كما يستنتج من الخطاب الملكي السامي بمناسبة الدورة الخريفية الأخيرة والذي يعد إطارا لضمان استقلال القضاء وبالتالي إدخال بعض الاستثناءات على القوانين المرتقبة وجعل بعض الجرائم لا تتقادم ومن صميم اختصاص النيابة العاة دون أن تكون محل نظر من قبل غرفة الحريات المزمع إحداثها لتبديد وهم اكتظاظ السجون كما يروم لمديرية الشؤون الجنائية والعفو تسويقه لأن ذلك يعد إلغاء ضمنيا لمبدأ ملائمة المتابعة حتى يتسنى للكل استشراف مستقبل العدالة انطلاقا من الدستور الحالي وتمييزه عن قانون الغاب في ظل إعفاء الجميع من المسؤولية الجنائية في زمن لم يعد فيه أطر السلطة القضائية وحدهم يعانون من خلل عقلي ونفسي بل امتد الأمر أيضا إلى باقي السلط وغيرهم حسب تقارير وزارة الصحة الحالية. كما أن أسباب الاضطرابات النفسية والعقلية تكمن في عدم استقلال القضاء وعدم تطبيق القانون ولحسن الحظ لازال هناك عقلاء يضغطون على إلغاء الغرف الإستئنافية بالمحاكم الابتدائية لعوامل نفسية فقط وهو الشعور بالانتقال إلى محكمة درجة ثانية ولو على مستوى البناية. فالتاريخ يختلف أحيانا عن الحقيقة التي تظل فقط في عقول الدبلوماسيين وتدفن معهم وما يزكي هذا الطرح هو إرادة اعتماد قضاء البعد إلى جانب " قضاء القرب". *قاض بمحكمة تازة