"سنة 2021 لم تشهد تغيّرا ملحوظا في أوضاع السجينات والسجناء بالمؤسسات السجنية بالمغرب، إذ ظلت تراوح مكانها"؛ كانت تلك خلاصة من جملة ملاحظات أخرى خلص إليها تقرير "المرصد المغربي للسجون"، الذي دأب سنوياً على تتبع ورصد أوضاع المؤسسات السجنية والسجناء والسجينات، برسم العام الماضي، وجرى تقديم أبرز مضامينه. وعزا المرصد، ضمن السياق العام لتقريره الذي حمل شعار "حالة السجون مِرآة المجتمع، فكيْف نريدها؟"، جزءا من وضعية السجون في 2021 إلى "استمرار العمل بحالة الطوارئ الصحية الناشئة عن انتشار وباء كوفيد-19′′، منتقدا في الصدد ذاته "اعتماد السلطات معالجة تفتقر إلى المقاربة الحقوقية كأسلوب لتدبيرها". وسجل المصدر ذاته أن الجزء الأكبر من الوضع الحالي يستقي أسباب وجوده ممّا سماه "غياب إرادة سياسية للنهوض بالأوضاع السجنية، وإنجاز إصلاح حقيقي للقطاع، مع ما يقتضيه ذلك من سهر على تكريس احترام حقوق وكرامة السجناء، باعتبارهم أشخاصا كاملي المواطنة بموجب معاهدات واتفاقيات دولية ومعايير ذات صلة بالشأن السجني، وتوصيات اللجان التعاهدية وضمانات منصوص عليها في القوانين الوطنية". وقال الكاتب العام للمرصد، عبد الله مسداد، الذي تلا التصريح الصحافي أمام ممثلي وسائل الإعلام الحاضرة، إن تقديم التقرير جاء في "سياق تعرف فيه أوضاع حقوق الإنسان منحى تراجعياً من خلال التضييق على الحريات، وإبقاء الإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان بالسجون، وعدم الاستجابة لمطالب الحركة الحقوقية بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعلى خلفية الحركات الاجتماعية، ومواصلة التضييق على الحق في التنظيم المتمثل في عدم تسليم وصولات الإيداع والمنع من استعمال الفضاءات العمومية". وكان لافتا تسجيل المرصد ملاحظات عديدة بخصوص تأثير الجائحة على حقوق السجناء، لاسيما اللجوء إلى المحاكمة العادلة، في ظل "استمرار العمل عام 2021 بنظام المحاكمات عن بُعد، ما أدى إلى تراكم الملفات وتعطيل التقاضي وتعليق حقوق المتقاضين، وفي مقدمتهم السجناء". المرصد لم يُغفل انتقاد "البرنامج الحكومي للفترة 2021-2026′′، معتبرا أن "قضايا السجون غابت عن حديث رئيس الحكومة أمام جلسة مشتركة لغرفتيْ البرلمان" في أكتوبر الماضي، واصفا "الحديث عن الحريات وحقوق الإنسان في التصريح الحكومي"، بأنه "جاء عامّا وفضفاضا". ارتفاع عدد "الساكنة السجنية" من جهة أخرى، سجل التقرير عودة ملف "اكتظاظ السجون في المغرب إلى واجهة النقاش العمومي" خلال العام الماضي، خاصة مع "استمرار تسجيل أرقام مرتفعة لعدد السجناء في مقابل انخفاض عدد المؤسسات السجنية"، مقدّما أرقاما دالة في هذا السياق تبرز "ارتفاع الساكنة السجنية منذ 2017؛ إذ انتقل العدد من 83 ألفا و102 سجين إلى حوالي 89 ألفا سنة 2021 (زيادة بنسبة 25% مقارنة ب10 سنوات الماضية)". ووصف المرصد ظاهرة الاكتظاظ ب"السِّمة العامة للسجون بالمغرب"، ما يعيق، حسب المصدر ذاته، "تنفيذ برامج التأهيل وإعادة الإدماج، ويحول دون التمتع بحقوق الإنسان الأساسية، خصوصا الحق في الصحة الجسدية والنفسية والحق في الفسحة الكافية وفي التغذية السليمة والمتوازنة"، منتقدا "سياسة اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي والحراسة النظرية في حق النساء السجينات والأحداث"، الذي يشكلون 2.34 في المائة من عموم الساكنة السجنية. في هذا الصدد، أورد التقرير متابعته حالات "إضراب عن الطعام" شهدتها سجون المملكة، مسجلا 1158 حالة في العام الماضي، قبل أن يوثق، اعتمادا على معطيات المندوبية العامة لإدارة السجون، حدوث 204 حالات وفاة خلال 2021، مقابل 213 وفاة شهدتها 2020. تفاعل مع الشكايات وتفاعل المرصد، حسب ما كشفه مسؤولوه في الندوة الصحافية، مع 212 شكاية ورَدت من 153 نزيلا بمختلف السجون في المغرب (7 منهم سجناء سابقون)؛ وتهمّ أبرزها، حسب معطيات قدّمها المحامي عبد الرحيم الجامعي، مسائل تتعلق ب"عدم الولوج إلى التطبيب، والتعذيب وسوء المعاملة، فضلا عن ترحيل السجناء وغيرها...". توصيات للفاعلين واختتم المرصد تقريره، الذي جاء في 134 صفحة، بتقديم خلاصات وتوصيات إلى مختلف الفاعلين العموميين والمؤسساتيين بالمملكة، مطالبا ب"تجسيد المقاربة التشاركية في تدبير قطاع السجون بين المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني". أبرز التوصيات وجّهها المرصد إلى البرلمان، منادياً ب"إلغاء عقوبة الإعدام"، والإسراع في "إخراج قانون إصلاح وتأهيل عصري، يراعي إعادة نظر عميقة في السياسات والنظُم العقابية"؛ فيما دعا الحكومة إلى ضرورة "المصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإعمال وتنفيذ توصيات اللجان التعاهدية ذات الصلة بحقوق السجناء". كما دعا المرصدُ أجهزة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى "تسريع تفعيلِ الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، للقيام بمهامها في الرصد والتتبع لأماكن الاحتجاز"، لافتا إلى دور مؤسسات القضاء والنيابة العامة في "تعزيز الرقابة على تدبير السجون ووضعية السجناء، وضمان التحقيق السريع والمحايد في كل حالات الوفيات وسوء المعاملة". يشار إلى أن المرصد المغربي للسجون، بمناسبة تقديم تقريره السنوي، جدّد مطالبته ب"الرفع من ميزانية المندوبية العامة للسجون، حتى تتمكن من توفير شروط حياة كريمة للنزلاء والنزيلات".