تواصل الدولة برنامج المصالحة مع المعتقلين في قضايا الإرهاب، بالإفراج عن الذين أعلنوا توبتهم من أفكار التطرف والإرهاب. في هذا الصدد، شمل العفو الملكي بمناسبة عيد الأضحى مجموعة من المحكومين في قضايا الإرهاب أو التطرف، بعدما أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية وبعد مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية ونبذهم للتطرف والإرهاب، وعددهم 11 نزيلا، حسب بيان لوزارة العدل. وفي ماي الماضي، شمل العفو الملكي بمناسبة عيد الفطر 29 شخصا من المحكومين في قضايا الإرهاب. ومنذ سنة 2017، أعلنت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج عن إطلاق برنامج تحت اسم "مصالحة" لفائدة نزلاء المؤسسات السجنية المدانين في قضايا التطرف والإرهاب؛ وذلك في إطار تعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وعدد من الخبراء. ويهدف البرنامج سالف الذكر، حسب محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إلى "المصالحة مع الذات، والمصالحة مع المجتمع، والمصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع النظم والمعايير المنظمة للمجتمع في علاقته بالفرد وبالمؤسسات الشرعية المؤطرة للحياة العامة". مصطفى الرزرازي، رئيس المرصد المغربي للتطرف والعنف وأحد الخبراء المشرفين على التأطير ضمن برنامج "مصالحة"، قال، في تصريح لهسبريس، إن الإقبال على هذا البرنامج يفوق التوقعات، مشيرا إلى أن عدد طلبات المشاركة في هذا البرنامج كبير جدا. وأفاد الرزرازي بأن كل دورة من دورات هذا البرنامج تدوم لمدة 3 أشهر، بهدف مساعدة المعتقلين في قضايا التطرف والإرهاب على المصالحة مع الذات ومع المجتمع. ومنذ انطلاق البرنامج، استفاد منه حوالي 270 شخصا من المعتقلين في قضايا الإرهاب والتطرف، أفرج عن العشرات منهم. وأضاف مصطفى الرزرازي أن ما يؤكد نجاح هذا البرنامج هو غياب حالات العود لدى خريجيه، باستثناء حالة واحدة تتعلق بقضايا الحق العام. والملاحظ أن برنامج "مصالحة" شمل في السنوات الأخيرة العائدين من بؤر التوتر في سوريا والعراق، أي الذين سبق أن التحقوا بتنظيم "داعش" الإرهابي. وحسب معطيات حصلت عليها هسبريس من مصدر مطلع، فإن العفو الملكي بمناسبة عيد الأضحى شمل عددا من الذين التحقوا بتنظيمات جهادية في سوريا، قبل أن يراجعوا مواقفهم الفكرية. وأشار الخبير مصطفى الرزرازي إلى أن البرنامج سيستمر من أجل تحقيق أهدافه، إلا أنه يواجه بعض التحديات؛ أبرزها ضعف المصاحبة السوسيواقتصادية للمفرج عنهم ومواكبة إدماجهم في المجتمع، على الرغم من المجهودات التي تقوم بها مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء. وشدد الرزرازي على أنه "يجب التفكير في مقاربة شاملة لما بعد مغادرة المحكوم عليهم في قضايا الإرهاب للسجن ومساعدتهم على إعادة بناء حياتهم من جديد"، مقترحا خلق وحدة مختصة لمواكبة المستفيدين من برنامج "مصالحة" بعد الإفراج عنهم، وكذا توفير المواكبة النفسية لأطفالهم. من جهته، اعتبر محمد مصباح، الخبير في قضايا التطرف والإرهاب، في تصريح لهسبريس، أن الدولة تسير في اتجاه تصفية هادئة وبطيئة لملف ما يعرف بالسلفية الجهادية؛ وذلك بالعفو عن الذين أعلنوا تغيير أفكارهم ونبذ العنف والإرهاب. وأضاف المتحدث ذاته: "الدولة تسير، منذ إطلاق سراح عدد من شيوخ السلفية الجهادية سنة 2011، في اتجاه تسوية هذا الملف"، مشيرا إلى أن برنامج "مصالحة" يأتي في هذا الإطار. وذهب مصباح إلى أنه على الرغم من نقط القوة والنجاحات التي حققها هذا البرنامج، فإنه في حاجة إلى تقييم حقيقي، داعيا إلى ضرورة تطوير البرنامج وجعله مواكبا لمرحلة ما بعد السجن.