ما زالت بعض تفاصيل أحداث معبر "باريو تشينو" بين بني أنصار ومليلية المحتلة يوم الجمعة 24 يونيو الماضي تنكشف شيئا فشيئا، فبعد تمكّن 133 مهاجرا، من بين حوالي 1700 مهاجر غير نظامي، أغلبهم يتحدّرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء، من العبور إلى الثغر المحتل، وفق الأرقام الرسمية التي كشفتها سلطات المدينة الخاضعة للحكم الذاتي، أكد مهاجرون ممن تم إبعادهم من المنطقة صوب مدينة الرباط والدار البيضاء أن العديد منهم تمت إعادتهم "فوراً" بعد وصولهم إلى الجانب الآخر. وأكد سبعة مهاجرين في مقابلة قالت صحيفة "إلباييس" الإسبانية إنها أجرتها معهم في حديقة بالرباط، أنهم "تمكنوا من عبور السياج ودخول تراب مليلية، غير أن الحرس المدني الإسباني طردهم عبر إطلاق عبوات الغاز في وجوههم"، مشدّدين على أن "أكثر من 500 مهاجر تمكنوا من العبور إلى مليلية وأعيد حوالي 400 إلى المغرب، حيث بالكاد تمكن 133 شخصا من البقاء في الجانب الآخر". وأكدت "إلباييس"، بناء على شهادات المهاجرين، أن عدد المطرودين من الأراضي الخاضعة لإسبانيا بعيد عن الرقم الذي اعترفت به مصادر الحرس المدني، وأبرز أحد المهاجرين أن الحرس المدني الإسباني استخدم الغاز في مواجهتهم بدل الضرب، وهو الأمر الذي تركهم مشلولين وفاقدين للوعي، فيما أكد آخر أنه ظل في مليلية لمدة 20 دقيقة تقريبا قبل إعادته إلى الناظور، بينما زعم آخرون أنهم مكثوا في الجانب الآخر لأكثر من 50 دقيقة. وأشارت الصحيفة الإسبانية إلى أن جميع المهاجرين الذين تحدّثوا إليها-تقريبًا-قالوا إنهم أصبحوا فاقدين للوعي أو شبه فاقدين للوعي بسبب الغاز المسيل للدموع الذي استخدمته قوات الحرس المدني الإسباني في مواجهتهم، وهو الأمر الذي تنفيه وزارة الداخلية الإسبانية وترد بأن جميع العائدين قاموا بذلك بمفردهم ولم يكونوا في حاجة إلى "رعاية طبية ذات صلة". في السياق ذاته، أكد أحد المهاجرين من المجموعة ذاتها أنه عندما عبر إلى الأراضي الإسبانية حاول الذهاب إلى مركز الإقامة المؤقتة للمهاجرين (CETI) في مليلية، "لكن كان هناك بعض الحراس المدنيين يختبئون خلف بعض الأشجار، حيث قاموا بضربي على قدمي وخنقوني بالغاز، بعد ذلك سلّموني إلى الدرك المغربي الذي أعادني إلى الناظور". وقالت "إلباييس" إن هذه الرواية تؤكد مشاركة القوات الإسبانية والمغربية في "الإعادة الفورية" لعشرات المهاجرين المتمكّنين من عبور السياج إلى الناظور، عبر توجيههم نحو بوابة الخروج إلى الجانب المغربي. وإلى جانب المجموعة المتواجدة في حديقة بالرباط، قالت الصحيفة ذاتها إنها التقت بعشرات السودانيين الذين يعيشون في مبنى مهجور بالدار البيضاء، والذين أكدوا أنهم تمكّنوا خلال محاولة الاقتحام الأخيرة في ال24 من يونيو الماضي من الوصول إلى مليلية لكنهم أعيدوا في الحال إلى الناظور. وعلى الرغم من مرور أكثر من 12 يوما على الحادث، تضيف الصحيفة، ما زالت أعين بعضهم حمراء، وهو ما عزاه المهاجرون إلى الغاز المسيل للدموع الذي استخدمه الحرس المدني الإسباني لصدهم عن التقدّم، فيما أكد مهاجر آخر من المجموعة نفسها أن أحد الحرس تسبّب له في ندبة على رأسه لا تزال بادية. وكان فرناندو غراندي مارلاسكا قد أصر في الكونغرس الإسباني، أمس الأربعاء، على نفي دخول القوات العمومية المغربية إلى مليلية، وردّ على سؤال أحد النواب قائلا: "دخول الدرك المغربي الأراضي الإسبانية مجرّد أكاذيب، ما لم يكن هناك دليل، أقترح ألا تكررها". في المقابل، قالت "إلباييس"، نقلا عمّن وصفتها بمصادر من الحرس المدني، إنه عند إدارة حالات الرفض على الحدود، من "المعتاد" أن "تدعم قوات الأمن في البلدين بعضها البعض". وأضاف المصدر ذاته أن الموقف الرسمي للسلطات الإسبانية يؤكد أن "جميع المهاجرين الذين تمت إعادتهم إلى الناظور كانوا إما بين السياجين أو فوق بناية المركز الحدودي، ولأسباب عملية، تقرر نقلهم إلى الأراضي الإسبانية ثم إعادتهم عبر الباب الذي يتيح الوصول إلى المغرب". وتواجه عملية "العودة الفورية" للمهاجرين على الحدود مع سبتة ومليلية برفض واسع من قبل أحزاب سياسية إسبانية ومنظمات حقوقية سبق لها أن دعت الحكومة الإسبانية إلى احترام التزاماتها الدولية تجاه هذه الفئة، وهي الالتزامات التي تمنع الإعادة الجماعية وطرد القاصرين، وتلزم الدول بتحديد الأشخاص المحتاجين للحماية الدولية، كما هو الحال بالنسبة للسودانيين.