ما كانت السلطة الفلسطينية تحتاج لنتائج التحقيق الأمريكي حول مقتل شيرين أبو عاقلة حتى تتأكد من مسؤولية إسرائيل عن الجريمة، كما أن الأمر لا يحتاج للتقرير الأمريكي لتأكيد انحياز أمريكا لإسرائيل إلا إذا كان البعض ما زال يراهن على الحياد الأمريكي. فالسلطة وعلى لسان كبار قادتها من الرئيس إلى رئيس الوزراء حملوا إسرائيل المسؤولية عن قتل شيرين، قبل صدور التقرير الأمريكي وهناك تقارير أممية وأوروبية ومن منظمات حقوقية دولية تؤكد أن جيش الاحتلال هو قاتل شيرين، كما قتل مئات الفلسطينيين وهم في بيوتهم وعلى الحواجز لمجرد الشبهة دون ردود فعل عملية من السلطة. حالة الإرباك والغموض في التعامل مع التقرير الأمريكي وتسليم الرصاصة القاتلة لإسرائيل يشي بوجود مساومة في تعاطي السلطة مع التقرير الأمريكي لتحقيق بعض المكاسب ولو على حساب الحقيقة والحق. فكرة المساومة على الحقيقية بسبب الضعف وعدم القدرة على المواجهة حدثت أكثر من مرة في تاريخ السلطة الفلسطينية ونذكر منها: 1- ما جرى بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية يوم 9/7/2004، حول جدار الفصل العنصري والذي أدان بناء الجدار واعتبره غير شرعي وطالب بهدمه، وكان يفترض أن تبني السلطة على هذا القرار وتواصل هجومها السياسي والدبلوماسي ونقل الملف لمجلس الأمن، إلا أن السلطة التي كانت تعيش حالة صعبة بعد اجتياح الضفة ومحاصرة أبو عمار والتهيئة لخلافته ترددت ودخلت في مساومات مع الأمريكيين والإسرائيليين وتم تمييع أهم موقف دولي لصالح الفلسطينيين وتم وضع رأي المحكمة في الأدراج. 2- قيام إسرائيل باغتيال الزعيم أبو عمار، فالكل يعلم أن إسرائيل اغتالت أبو عمار وعدم تأكيد لجان التحقيق الدولية والفلسطينية إلى اليوم على مسؤولية إسرائيل عن الاغتيال لا يعني أن إسرائيل ليست القاتل. عدم الإعلان رسميا من طرف السلطة أو لجنة التحقيق الفلسطينية التي ترأسها عضو اللجنة التنفيذية لحركة فتح توفيق الطيراوي، عن مسؤولية إسرائيل عن اغتيال زعيم الأمة سببه ضغوط ومساومات لها علاقة بترتيب أوضاع السلطة لمرحلة ما بعد أبو عمار. 3- تقرير غولدستون حول الحرب على غزة 2008/2009، وجاء في التقرير إدانة كبيرة لإسرائيل وتحميلها مسؤولية عن جرائم حرب ارتكبتها في غزة، وهو ما أثار غضب تل أبيب وواشنطن وطالبوا بسحب التقرير، إلا أن التقرير وجد استحسانا واسع النطاق عند الفلسطينيين ومناصري القضية الفلسطينية مما دفع منظمة العفو الدولية "أمنستي" في بيان صدر يوم 2 أكتوبر، بنقل تقرير القاضي ريتشارد غولدستون إلى مجلس الأمن دون أي تأخير، إلا أن السلطة الفلسطينية طالبت بتأجيل التصويت على القرار، وكانت منظمة المؤتمر الإسلامي قد أكدت أن الولاياتالمتحدة والسلطة الفلسطينية اتفقتا سويا على قرار الأممالمتحدة بتأجيل التصويت على التقرير. وقد قوبل قرار التأجيل بإدانات واسعة النطاق واتهام السلطة بالمساومة مقابل تحقيق بعض المكاسب، ومن المعلوم أن وضع السلطة الفلسطينية وقت صدور التقرير كان حرجا حيث كانت السلطة تسعى لعودة المفاوضات مع إسرائيل مع حديث عن قرب إجراء انتخابات عامة. وهناك عشرات الحالات الشبيهة التي فضلت فيها السلطة الفلسطينية، بسبب ضعفها وعدم ضمانها تحقيق أي مكاسب في حالة المواجهة المباشرة مع تل أبيب وواشنطن، الدخول في مساومات مع الاحتلال وأطراف خارجية لتحقيق بعض المكاسب المادية أو السياسية ولو على حساب الحق والحقيقة.