كتبت جريدة لوموند الفرنسية مقالا موقعا من طرف شخص يدعى مجيد زروقي، وهو صحافي فرنسي من أصل جزائري، ادعت فيه بكثير من السطحية، التي أصبحت سمة ملازمة للإعلام الفرنسي كلما تناول قضايا المغرب، أن "كندا منحت صفة لاجئ لمواطن فرنسي بسبب التحرشات الموجهة له من طرف السلطات الأمنية المغربية فوق التراب الفرنسي!". وجريدة لوموند كانت تقصد بكلامها عند الحديث عن "المواطن الفرنسي" الحاصل على صفة لاجئ بكندا المدان السابق في قضايا النصب المسمى زكرياء مومني. ومن يعرف جيدا ملف هذا الأخير يدرك جيدا أنه غادر المغرب منذ سنوات طويلة! وهنا نتساءل مع هذا الصحافي الفرنسي من أصل جزائري كيف يمكن للسلطات المغربية أن تتحرش بشخص كان يقيم بفرنسا منذ مدة طويلة ويحمل جنسيتها؟ فهل أصبحت فرنسا دولة بدون سيادة حتى تخترقها أجهزة دول أخرى؟ وهل بلغ الوهن بفرنسا الحد الذي لا تستطيع معه حماية من يحملون جنسيتها؟. أكثر من ذلك، فمن يطالع مقال جريدة لوموند حول قرار السلطات الكندية بشأن زكرياء مومني يخرج بقناعة راسخة مفادها أن الصحافي الفرنسي/الجزائري مجيد زروقي أمعن في إهانة فرنسا من حيث كان يعتقد أنه يهين المغرب! فقد أهان فرنسا عندما قدمها كبلد مستباح من طرف الأجهزة الأجنبية، وأهانها عندما قدمها في صورة البلد العاجز عن حماية مواطنيه ومتجنسيه، وأهانها أيضا عندما قدم صورة متخلفة عن صحافيي لوموند الجاهلين بالقوانين المنظمة لطلبات اللجوء عبر العالم. لوموند.. والجهل بقضايا اللجوء كتبت جريدة لوموند أن لجنة الهجرة ونظام اللجوء بكندا المعروفة اختصارا ب"CISR" قد منحت صفة لاجئ لزكرياء مومني يوم 26 ماي المنصرم، بسبب اقتناعها بأن "السلطات الفرنسية لم تبذل الحد الأدنى من الجهود لحمايته من التهديدات الموجهة له من طرف السلطات المغربية". ورغم أن هذا التبرير الذي ساقته الجريدة الفرنسية لقرار السلطات الكندية يسيء لفرنسا أكثر ما يسيء للمغرب، إلا أنه تبرير سمج ينطوي على جهل فاضح بقانون الهجرة واللجوء بكندا؛ فالهيئة الكندية المعروفة ب"CISR" تعتبر محكمة إدارية مستقلة بكندا، تتحدد مهمتها الأساسية في إصدار مقررات، بطريقة عادلة ومنسجمة مع القانون، حول القضايا المرتبطة بالهجرة واللجوء؛ فهي تحدد بشكل أساسي من هو الشخص أو الأشخاص الذين يحتاجون للحماية من بين المئات من طالبي اللجوء فوق التراب الكندي. ومن هذا المنطلق فإن لجنة الهجرة ونظام اللجوء بكندا قبلت فقط الطلب الذي تقدم به المواطن "الفرنسي" زكرياء مومني، وعللت قرارها بأنه "شخص يحتاج للحماية بسبب التحرش المفترض الذي تعرض له بفرنسا"؛ وهذا القرار لا يعني بأي شكل من الأشكال أنه حصل نهائيا على الإقامة المرتبطة باللجوء بكندا! لأن هذه الصلاحية هي من اختصاص وزارة الهجرة الكندية التي من المنتظر أن تبت لاحقا في هذا الملف. ولعل الكثير من الناس قد يتساءلون باستغراب شديد: كيف لهذه الهيئة المستقلة أن تقتنع بأن زكرياء مومني بحاجة للحماية رغم أنه متورط في قضايا النصب والاعتداء على شرطيين فرنسيين والعنف الزوجي والابتزاز وغيرها من الجرائم؟ لكن هذا الاستغراب سرعان ما يتبدد وينقشع عندما نتفحص سجلات هذه الهيئة التي سبق لها أن أفردت الحماية لأشخاص آخرين متورطين في جرائم خطيرة مثل جرائم الحرب وتهريب الأموال وغيرها..الخ. فالعبرة بالنسبة لهذه الهيئة هي بمدى اقتناعها بحق الطالب في الحماية من عدمها، دون باقي الاعتبارات الأخرى. فقد سبق لهذه الهيئة الكندية أن منحت الحق في الحماية سنة 2013 لمسؤول عن جرائم حرب في يوغوسلافيا السابقة، وذلك بسبب نكوص وتقاعس في ترجمة وثيقة إلى اللغة الفرنسية، كانت تحتوي على سرد مفصل بالجرائم المنسوبة لمجرم الحرب المستفيد من الحماية الكندية. وفي 2016، أعدت وزارة العدل الكندية، بشراكة مع مكتب للدراسات والأبحاث، دراسة مستفيضة حول مجرمي الحرب الذين استفادوا من الحماية فوق التراب الكندي! وخلصت هذه الدراسة إلى أن تراجع الميزانية وعدم وجود الموارد البشرية اللازمة يحول دون التحقق والبحث في مصداقية الادعاءات التي يقدمها طالبو اللجوء، وهو ما يسمح أحيانًا بتسلل مجرمي حرب ومحتالين إلى التراب الكندي من بوابة اللجوء. ورغم توصيات هذه الدراسة فقد استطاع جورج يوسف الشيخ، وهو مواطن سوري من الميلشيات المحسوبة على نظام الأسد، أن يستفيد من نظام الحماية فوق التراب الكندي سنة 2019 رغم الجرائم الخطيرة المنسوبة له، والمتمثلة في انتهاكات حقوق الإنسان بسوريا. الأمر نفسه بالنسبة لعسكري سابق في غواتيمالا يدعى جورج فينيسيو سوسا أورانتيس، استطاع أن يهرب من بلاده بعد اتهامات بجرائم حرب، حيث استقر أولا في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي اعتقلته وأدانته بسبب مخالفة قانون الهجرة وارتكاب جرائم تصفية عرقية، قبل أن يفر نحو كندا ويحصل فيها على الحماية واللجوء. ومن هذا المنظور فإن منح "الحماية" لزكرياء مومني لا يعني أنه بريء من سجله الإجرامي في فرنسا والمغرب، لأن مجرمي حرب استفادوا من الحماية نفسها بطريقة تدليسية؛ كما أن هذه الحماية لا تعتبر حقا في الإقامة ما لم تقرر ذلك وزارة الهجرة الكندية، التي تبقى لها هذه الصلاحية. الحماية واللجوء في كندا أوضح مسؤول سابق في وزارة الهجرة الكندية، رفض الكشف عن هويته لاعتبارات مرتبطة بواجب التحفظ المستمر حتى بعد انقطاعه عن وظيفته، أن "الكلمة الفصل تعود لوزارة الهجرة التي لم تبت بعد في ملف زكرياء مومني، وهي التي ستقرر ما إذا كان هذا الشخص سيحصل على الإقامة أم لا فوق التراب الكندي". وأضاف المصدر ذاته في تصريحه أنه "خلال الفترة الحالية يكون بإمكان زكرياء مومني الاستفادة من خدمات عديدة، منها التطبيب والدواء والشغل... ويجب عليه الالتزام بالهدوء، وعدم ارتكاب أي خطأ له علاقة بالأمن أو القضاء". ولعل هذا ما يفسر غياب المعني بالأمر عن وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام عديدة، بحيث لم يعد ينشر تسجيلاته ومناكفاته الإعلامية بالوتيرة نفسها التي دأب عليها عندما كان يحاول تقديم نفسه "كمضطهد يرغب في الحماية". ويستشف من تصريح المسؤول الكندي السابق أن الفترة الفاصلة ما بين قرار اللجنة المستقلة المعنية بالهجرة ونظام اللجوء CISR، القاضي بمنح الحماية للشخص المعني، وبين قرار وزارة الهجرة بشأن منحه الحق في الإقامة، هي فترة حرجة ودقيقة جدا يكون فيها طالب اللجوء في وضعية صعبة؛ فمن شأن ارتكابه جرائم ماسة بالأمن أو الاعتداء على الأشخاص مثلا أن يحرمه من الحق في الإقامة فوق التراب الكندي! ولعلّ هذا ما جعل زكرياء مومني يدخل حاليا في فترة هدنة هي أقرب "لعدة الاستطهار" عند المرأة الحائض، وذلك مخافة أن يفقد الحق في الإقامة ويتم إرجاعه لفرنسا، حيث تنتظره شكايات عديدة بالعنف الزوجي والاعتداء على موظفي إنفاذ القوانين.