الزلزال الدستوري الذي حصل في الجزائر، و الذي تم بموجبه تغيير المادة 74 من الدستور الجزائري التي تسمح للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة بالترشح لعهدة ثالثة، خلف ردود فعل عنيفة و متباينة وتداعيات وانقسامات داخل الجزائر وخارجها، أمر مس الأوساط العسكرية والسياسية والاقتصادية الجزائرية ووصلت حدة آثاره السلبية إلى مخيمات لحمادة بتندوف، حيث تعالت فيها أصوات في الآونة الأخيرة أظهرت ارتباكا حقيقيا في مواقف وتصريحات جبهة البوليساريو بين مؤيد لاستئناف الحرب على المغرب ومتشبث بالاستمرار في مفاوضات السلام، التي ترعاها الأممالمتحدة. "" ولفهم العلاقات الجدلية والعضوية بين الداعين للانفصال في إقليم الصحراء والمؤسسة العسكرية الجزائرية، ينبغي أن أشير أن مصالح الاستخبارات العسكرية (BRS) صانعة النظام والدولة في الجزائر منذ الاستقلال سنة 1962، قد تسرعت في تزكية بوتفليقة عن طريق تمديد حكمه لولاية ثالثة بدون حصولها على إجماع كل أركان المؤسسة العسكرية و الأحزاب الداعمة لها، فالطبخة التي أعدت هذه المرة مخالفة لسابقاتها، طبخة ناقصة لم تلقى تجاوبا و استحسانا من الجميع، حتى من داخل الأحزاب الموالية للرئيس، التي تشهد هي الأخرى بدورها تصدعا و شرخا واضحين ( جبهة التحرير الوطني و حمس و التجمع الوطني). إن التغيير الدستوري الأخير في الجزائر طرح إشكالا سياسيا حقيقيا على الحكام الفعليين للجزائر. فالجيش الجزائري يعرف حاليا خلافا متصاعدا حول مسألة التمديد للرئيس، قد يوصل الجزائر إلى حافة الهاوية وإلى الصوملة لا قدر الله. فهناك تيار مؤيد الرئيس بوتفليقة تمثله قيادة الأمن العسكري.(BRS) التيار الثاني يقوده الجنرالات الشباب و الذين يطلق عليهم اسم الجنرالات العقلاء، والذين تكونوا في المدارس الغربية، وهم متواجدون بكثرة في أركان الجيش و في المناطق العسكرية المهمة. و في الأخير التيار الذي يحركه الضباط المتقاعدون. فالتناحر الخفي بين الأجنحة العسكرية الثلاث، بدأت تظهر معالمه منذ إزاحة الرئيس الشاذلي بن جديد في انقلاب ابيض، ولم يبرز هذا الانشقاق في المؤسسة العسكرية إلى العلن إلا بعد إعلان تمديد حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وللعلم فان كل مجموعة من الضباط لها مصالحها و طموحاتها و نظرتها الخاصة لمستقبل الجزائر. فالاستخبارات الجزائرية تبرر تزكيتها لعهدة ثالثة للرئيس الحالي، معتمدة على أسباب تبدو موضوعية و منطقية، و منها عدم وجود بديل وازن لخلافة الرئيس بوتفليقة، و أن مرشحها السيد أو يحيى، الوزير الأول، لازال في طور التحضير و التأهيل و التلميع، مبرر آخر يتجسد في كون التمديد هو مؤقت و مرحلي، له علاقة مباشرة بصحة الرئيس، فترة قصيرة تسمح للوزير الأول ترميم صورته شعبيا. فالرجل كما يقول على نفسه، معروف عند الجزائريين برجل المهام القذرة و الصعبة. مبررات أخرى تتداولها بعض الأوساط العسكرية الغربية القريبة من مصدر القرار في الجزائر، تفيد أن الرئيس بوتفليقة يمثل غطاء دبلوماسيا و حقوقيا لكل المتورطين في الحرب الأهلية، التي وقعت في العشرية السوداء، حرب عرفت انتهاكات متعددة ومختلفة لحقوق الإنسان (قتل، اغتصاب، خطف، ترحيل قسري، سجن و محاكمات خارج القانون). فالإبقاء على الرئيس الحالي هو ضمانة قانونية تبعد كل المؤسسات الحقوقية الدولية عن هذا الملف الشائك، و على رأسها المحكمة الجنائية الدولية. فلويس اوكامبو بدأ ينتبه إلى كل النزاعات الإفريقية و منها ضحايا سنوات الجمر في الجزائر. التبرير الأخير الذي تسوقه مصالح الجنرال مدين يتجسد في كون الرئيس الحالي ملتزم بالدفاع عن ثوابت الثورة القائمة على نظرية المؤامرة الخارجية و الأيادي الأجنبية التي لا تريد الخير للجزائر.-تماسك ووحدة الجزائر يمران حتما عن طريق تصدير الخلاف الداخلي إلى الخارج- أما جناح الجنرالات الشباب، فهو يؤمن بان الخروج من الأزمة الحالية و الانسداد السياسي و الاجتماعي والاقتصادي، يمر أساسا بتحقيق الديمقراطية على الطريقة التركية، فهم ينادون بعودة الجنرال اليمين زروال، الذي لازال يتوفر على رصيد شعبي كبير في الثكنات و الأوساط الفقيرة و عند الشباب. أما التيار الذي يمثله الضباط المتقاعدون، فهو يسعى إلى تغيير حقيقي في النظام، و ذلك بإشراك الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الحكم و تطبيع الحياة السياسية، تيار يمثله الرئيس الشاذلي بنجديد والطبقة الوسطى و البورجوازية الجديدة التي استفادت من ريع البترول والغاز. في هذا التناحر المتزايد داخل مؤسسة الجيش الجزائري حول تغيير المادة 74 من الدستور الجزائري، يكمن الخطر و يفسر تلويح بعض قادة بوليساريو بإشعال الحرب في المنطقة، فالمؤسسة الاستخباراتية الجزائرية كعادتها سوف تحاول إرجاع كل المتمردين على قراراتها إلى الصف و إخضاع كل الرافضين لتغيير المادة 74 من الدستور إلى الأمر الواقع، تحت شعار الوحدة الوطنية ضد عدوان خارجي محتمل حاملة لافتة "الجزائر في خطر". فما يجري حاليا في الجزائر له آثاره المباشرة على نزاع الصحراء. فجبهة البوليساريو الانفصالية تعيش تخبطا داخليا و تهديدا مباشرا من طرف السلفيين الجهاديين و القاعدة، و تنتظر ماذا سيفسر عنه الصراع في الجزائر بين التيارات العسكرية المتناحرة. فالحرب بالنسبة للاستخبارات الجزائرية حسابات و ليست عواطف، و التصعيد الكلامي في المنطقة، يؤكد أن الجميع متخوف من هذا الصراع الداخلي و أن كل جيوش المنطقة ستبقى مستنفرة و معبئة لكل طارئ. فهل نحن مقبلون على شكل آخر من أشكال الصوملة في شمال إفريقيا؟. د.احميدان ولد الناجي انفصالي سابق – مدريد – [email protected]