على مدى يومين (9 و10 يونيو الجاري)، تعالت بمدينة مراكش نغمات "تكناويت" في المحطة الثانية من جولة مهرجان كناوة، حتى بلغت عنان السماء. وتفاعل مع إيقاعات موسيقى العالم محبو وعشاق هذا اللون الموسيقي، الذين سحرتهم أوتار آلة "الهجهوج" أو "الكنبري"، وقرع "القراقب"، وضربات "الطبل". وبمركز نجوم جامع الفنا، أسدل، الجمعة، ستار الجولة الثانية من الدورة في نسختها 23، التي نظمت تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، بعد حفلة أقيمت بقاعة سينمائية بمدينة مراكش، وخلالهما استمتع سكان عاصمة النخيل وضيوفها من مغاربة المهجر والأجانب بلوحات فنية جمالية قدمت من طرف "المعلمين" في فن كناوة، كعبد الكبير مرشان، ومصطفى باقبو، ومحمد كيو وعبد الرزاق الحاضر. وتميزت عروض المحطة الثانية، التي نظمت تحت شعار "المزج"، بتقديم لوحات فنية شارك فيها "المعلمين"، وفنانون آخرون لسعتهم "تاكناويت"، لتتفاعل إيقاعات الآلات الأصيلة مع أدوات موسيقية حديثة كالقيثارة الإلكترونية، وآلة الساكسفون، وآلة الدرامز؛ ما جعل الليلتين تتجاوزان الحدود الجغرافية، عبر موسيقى روحية تتكلم بلغة العالم في جو وجداني بهيج. وفي تصريح لجريدة هسبريس الإخبارية قال كريم زياد، المدير الفني لمهرجان كناوة: "للضرورة أحكام، فاعتماد المهرجان هذه السنة أربع محطات يرجع إلى التدابير الاحترازية التي فرضتها الجائحة، التي منعت التجمعات الكبرى، كخاصية تميز تنظيم هذه التظاهرة الفنية التي تجذب حوالي 300 ألف من العاشقين بمدينة الصويرة". وعن تنظيم المحطة الثانية بمدينة مراكش، عبر زياد عن سروره بأن المهرجان حط رحاله بهذه الوجهة السياحية، التي تشكل حاضنة لفن كناوة ومستقر "المعلمين" الكبار، الذين سيشاركون في لوحات فنية مع فنانين آخرين من دول إفريقية، إحياء لطقوس مشتركة، ولغة موسيقية يفهمونها، موردا: "لم نعتمد المجموعات المشهورة لضعف الإمكانيات، لكن اعتمدنا طريقة قديمة للمهرجان، تتمثل في عرض موسيقيين كبار بمفردهم ودون مجموعتهم، لإبداع لوحات فنية جميلة مع 'المعلمين'". طقوس كناوة شبهها هذا الفنان الجزائري بالعيادات الطبية في التحليل النفسي في عصرنا الحالي، التي تؤدي دور العلاج للمرضى من مرض لا أعراض جسدية له، وزاد: "لذا ف'جدبة تاكناويت' كموسيقى للعلاج لها علاقة بالمخفي، كانت الملاذ لهذه الفئة من الناس، لرفع ألمهم والحد من ضررهم". وأجمع "المعلمين" في هذا الفن على إشادتهم باعتراف منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) بفن كناوة، وإدراجه ضمن القائمة التي تمثل التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، وأكدوا أن متعة "تاكناويت" ترتبط بمدينة الصويرة، وأن مشاركة فنانين آخرين، تتقدمهم الفنانة الفرنسية ذات الأصول المغربية هيندي زهرة، وصاحب القيثارة الإلكترونية الفنان السنغالي هيرفي سامب، والفنان الهايتي جوي أوميسيل بآلة الساكسفون، وآلة الدرامز للفنان الجزائري كريم زياد، تأكيد على قدرة الفن الكناوي على التناغم مع أنماط موسيقية أخرى. المعلم محمد كويو، الذي شارك في 20 دورة من مهرجان كناوة، أوضح لهسبريس أن فن "تاكناويت" له عشاقه الذين يشتاقون إلى أجواء السهرات الفنية، التي تشكل طقسا شبه يومي، لكنها توقفت بسبب الجائحة، "وهذا لوحده لا يعلم ثقله سوى المولعين ب'الجدبة'، لذا فالكناوي الذي لسعه هذا الفن عليه أن يعيش طقس 'الجدبة'، قبل غيره، ليقدم لوحات فنية مغربية أصيلة". وفي السياق نفسه، عبر "المعلم" عبد الرزاق الحاضر عن فرحته بتنظيم هذه الدورة من مهرجان كناوة، التي كانت هي الأخرى قاب قوسين أو أدنى من الإلغاء، "ما كان سيحرم المهووسين بهذا الفن من الاستمتاع بباقة منتقاة من الأغاني الكناوية من أداء 'المعلمين'، في جولة نظمت بمعقل هذا الفن الذي شغل جمهوره شغفا وحبا، تجلى في تفاعله مع اللوحات الموسيقية، وترديده كلمات الأغاني الكناوية التي يحفظها عن ظهر قلب، ك'العفو يا مولانا'، و'الكناوي بابا ميمون'"، وفق تصريحه لهسبريس. وتميز الحفل المشترك الأول، الذي نظم يوم الخميس، بتقديم "المعلمين" عبد الكبير مرشان ومصطفى باقبو، وهيندي زهرة، وجوي أوميسيل، والشيخ ديالو، وهيرفي سامب، ويايا واتارا، وكريم زياد، لوحات فنية أمتعت الجمهور، والأمر نفسه، عرفته الباقة التي قدمها، الجمعة، "المعليمن" محمد كويو وعبد الرزاق حاضر، ووليد حليمي، وإسماعيل جابيون وياسين الجاري، وتفاعلت فيها آلات الموسيقى الإفريقية وأخرى مغربية، فأبدعت نغما ورقصا، ورسم لوحات موسيقية جميلة. وكما بدأت الجولة الثانية من مهرجان كناوة بمدينة مراكش، اختتمت في جو احتفالي حضره عشاق هذا الفن من المغاربة والأجانب، الذين رقصوا على نغمات باقة من الأغاني والموسيقى الروحية التي ترمي إلى تهذيب الروح بجمالية الألحان.