كرة القدم، لعبة الفقراء ورياضة الحارات والأزقة، حوّلها رجال الأعمال بملياراتهم إلى استثمار. محطات مفصلية مرت بها الكرة العالمية في السنوات الأخيرة ساهمت بإعادة رسم الخارطة الكروية، ولعب المال دوراً رئيسياً فيها. مع ذلك، فرق قليلة لا تزال تعاند في عصر المال، وتعيد الاعتبار إلى الكرة الجميلة. بدايات العصر الجديد لكرة القدم في الثاني من يونيو 2003، دفع الملياردير الروسي رومان أبراموفيش Abramovich أكثر من 200 مليون دولار فأصبح المالك الرسمي لنادي تشلسي Chelsea الإنكليزي. في السنة التالية كانت ال140 مليون دولار التي أنفقها أبراموفيتش في سوق الانتقالات كفيلة بإعادة بطولة الدوري الإنكليزي إلى خزائن النادي بعد نصف قرن تماماً من التتويج الأخير. فعلها دروغبا Drogba وروبن Robben والنجوم الباقون تحت إشراف المدرّب مورينيو Mourinho. المعادلة كانت واضحة "إدفع أكثر، تفز بالألقاب". تجربة تشلسي الناجحة تكررت لاحقاً مع مانشستر Manchester City وباريس سان جيرمان Paris Saint-Germain، وبات للمال دورٌ رئيسي في تحديد هوية الأبطال. عندما تواجه تشلسي مع باريس سان جرمان في ربع نهائي دوري الأبطال، هذه السنة، وُصفت المباراة بأنها مواجهة بين الغاز الروسي والغاز القطري. بالفعل، صارت الكرة تشغل بال رجال الأعمال وكبريات الشركات. الكرة الإيطالية تدفع الثمن في 12 يونيو 2012، ومقابل أكثر من 70 مليون دولار، انتقل نجما ميلان السويدي زلاتان ابراهيموفيتش Ibrahimovic والبرازيلي تياغو سيلفا Silva للعب مع باريس سان جرمان، فريق العاصمة الفرنسي المستفيد من التمويل القطري. كان قد سبقهما إلى هناك لافيزي Lavezzi وباستوري Pastore ولحق بهما هدّاف نابولي اديسون كافاني Cavani في صفقة تخطت 85 مليون دولار. بتنا إزاء موسم هجرة معاكس. فالدوري الفرنسي الذي اعتاد أن يكون محطة للنجوم قبل انتقالهم إلى عمالقة أوروبا (رونالدينيو Ronaldinho ودروغبا مثلاً) أصبح، وبفضل المال، يستقدم نجوم اللعبة بأسعار عالية ليلعبوا في باريس سان جيرمان وموناكو Monaco. فرق "الكالتشيو" (الدوري الإيطالي) فرّطت بنجومها لمواجهة التحديات المالية التي تواجهها. لم يتأخر العقاب، في أواخر 2011 أعلن الاتحاد الأوروبي سحب المقعد الرابع من الطليان في دوري الأبطال لصالح الألمان بسبب النتائج السيئة التي يحققونها، كما أن المقعد الرابع في الدوري الأوروبي بات مهدّداً اليوم بالانتقال إلى البرتغاليين. المقاعد الفارغة في المدرجات سمة مباريات الدوري الإيطالي (حتى في مباريات الديربي). لدى الحديث عن دوري أبطال أوروبا، يشار دائماً إلى ميلان Milan حامل الألقاب السبعة (آخرها في 2007). هذا الفريق عاجز اليوم عن مقارعة كبار أوروبا. الأمر طبيعي، فالفريق الذي كان ارتداء قميصه حلماً لكبار نجوم اللعبة بات اليوم يختار لاعبيه من سوق "التخفيضات" ويبحث عن اللاعبين الذين لا يجدون فرصة اللعب مع فرقهم لاصطيادهم بسعر زهيد، حال الإنتر Inter Milan وروما Roma ولاتسيو Lazio ليس أفضل. حتى يوفنتوس Juventus سيد الكرة الإيطالية والمهيمن على الدوري في السنوات الأخيرة، يعاني الأمرّين في البطولات الأوروبية. يمكننا القول إن جنة كرة القدم لم تعد كذلك اليوم. ليفوبول وأتليتكو مدريد يكسران القاعدة 13 أبريل 2014، أجواء الحزن خيّمت فوق ملعب "الأنفيلد رود" Anfield Road في الذكرى الخامسة والعشرين لكارثة هيلزبرة Hillsborough Disaster التي أودت بحياة 96 شخصاً معظمهم من مشجعي ليفربول Liverpool في مباراتهم ضد نوتينغهام فوريست Nottingham Forest نتيجة للتدافع وسوء التنظيم في الملعب. مباراة ذلك اليوم بين ليفربول ومانشستر سيتي تحدد بطل الدوري. الكل كان مترقباً، وفي نهاية المباراة يافطة "you will never walk alone" (شعار النادي) كانت أصدق إنباءً من ملايين الإماراتيين. كان لدموع القائد جيرارد Gerrard بعد المباراة مدلولات كثيرة، فالحلم اقترب أكثر من أي وقت مضى رغم ضعف الإمكانات المادية. جيرارد لم يفز بالدوري من قبل، كما أن عمّه كان من ضحايا الكارثة، في المشهد إذاً شيء من أصالة ليفربول، الأصالة قالت كلمتها. فرناندو توريس Torres، كون أغويرو Aguero، فورلان Forlan، فالكاو Falcao، مهاجمون من الطراز الرفيع يجمع بينهم نادٍ واحد: أتلتيكو مدريد Atlético de Madrid. إنها ليست صدفة، الفريق المدريدي يصطاد المهاجمين البارعين ويبيعهم لاحقاً بأسعار مضاعفة، ثم يجدون البديل بسرعة. دييغو كوستا Costa أنسى الجماهير بسرعة إسم رادوميل فالكاو، إنها سياسة ناجحة لمواجهة التحديات المالية. عند بداية الموسم الحالي، كان أشد المتفائلين في "فيسنتي كالديرون" Vicente-Calderón يمني النفس بالحصول على المركز الثالث خلف الريال وبرشلونة Barcelona. رجال دييغو سيميوني Simeone كان لهم كلام آخر، المنافسة على الليغا حق مشروع لهم، فلتذهب مقولة إن الدوري الإسباني هو "two horses race" إلى الجحيم. عندما تصدر الأتلتيكو مجموعته في دوري الأبطال راهن النقاد والمحللون على أن الفريق سيفاضل بين بطولتي الدوري ودوري الأبطال بسبب ضعف إمكاناته البشرية. مرة أخرى دييغو كوستا ورفاقه كذّبوا التوقعات، الفريق يتعادل مع برشلونة في الكامب نو، ويفوز عليه بعد أسبوع في ال "فيسنتي" ويكسب بينهما مباراة في الدوري، هذا لا يصدّق. بالمحصلة، أثبت ليفربول وأتلتيكو مدريد ومن قبلهما بروسيا دورتموند Borussia Dortmund، أنه ليس بالمال وحده تبنى الفرق. أعادوا الاعتبار لدور الجمهور واللعب الرجولي وتفاني الفرد في خدمة المجموعة في سبيل صناعة ال"المعجزات الكروية" بإمكانيات مالية محدودة، فإلى أي مدى يمكنهم الصمود أمام آلة المال؟ السنوات القادمة ستحمل لنا الإجابة. عن raseef22 بتصرف