إِذا أردت أن تنجح في حياتك فاجعل المثابرة صديقك الحميم والتجربة مستشارك الحكيم، ربّما هاته الحكمة هي التي تنطبق على أحد أبناء العاصمة الرباط الذي كان ولا زال يحقّق النجاحات من تجربة لأخرى، ربما يعد البعض دوره في الملعب ثانويا، والبعض الآخر يعتبر أنه لم يعد يصلح للعب رياضة كرة قدم بسبب ضخامة جسمه. أرقامه وإنجازاته مع الفرق الوطنية تكذّب كل تلك الانتقادات، بل تجرّنا لتصنيفه ضمن أفضل قلوب الدفاع في العشر سنوات الأخيرة في المغرب، بل حتّى في القارّة السمراء، فلعل أن الحكماء داخل الاتحاد الإفريقي للّعبة يفقهون شيئا في منطق الكرة بعد أن اختاروه في العديد من المناسبات في التشكيلة المثالية لدوري أبطال إفريقيا. يوسف رابح المدافع الكلاسيكي والأنيق في إخراج الكرة من منطقة دفاعه إلى دفاع الخصم عبرة تمريرات مليمترية، رأى النور في 13 أبريل من سنة 1985 في مدينة الرباط، عام فقط، قبل ملحمة "الأسود" في مونديال ميكسيكو. كانت بدايته الكروية رفقة نادي الفتح الرياضي الذي آمن بموهبة علم مكتشفوه بأن شمسها ستبزغ في يوم من الأيام، ذلك ما كان بعد أن تدرّج في جميع فئاته العمرية، استطاع أن يأخذ له مكانا ضمن الفريق الأوّل للنادي الرباطي وعمره لم يتجاوز بعد 18 عاما، فمنذ مباريته الأولى أرسل رابح إشارات قويّة بأنه سيكون أحد نجوم الدفاع في المستقبل، إذ قدم مستويات متميّزة رفقة الفتح خوّلت له الذهاب مع المنتخب الوطني للشباب إلى هولندا سنة 2005. كاريزما اللاعب وروحه القيادية جعلت الإطار الوطني فتحي جمال يضع فيه الثقة ويمنحه شارة القيادة في موندياليتو الشباب، ليقود سفينة الأشبال في تلك البطولة إلى بر الأمن، إذ استطاع ذاك الجيل أن يبصم على مسار طيّب خلال تلك البطولة وتحقيق إنجاز غير مسبوق في تاريخ كرة القدم الوطنية، بعد احتلالهم للمركز الرابع في تلك التظاهرة وإطاحتهم بكبار ورواد الكرة العالمية، أمثال التشيلي وايطاليا واليابان. تألّقه في تلك المنافسة جعله محط أنظار كبار الأندية، ليقرّر المدافع الشاب آنذاك الغوص في تجربة جديدة خارج المغرب، ليلتحق بفريق أهلي جدة السعودي، وكله طموح في التألّق وكسب المزيد من التجربة، لكن اختياره الرحيل مبكرا كان في غير محله، إذ لم يعمّر كثيرا في الديار السعودية، ليقرّر العودة إلى الدوري المغربي مرّة أخرى عبرة بوابة ناديه السابق الفتح الرياضي الذي قضى رفقته موسما واحدا، قبل أن يقرّر قفز سور ملعب باب الرواح والانضمام إلى الغريم فريق الجيش الملكي، الذي كان يضم في صفوفه في تلك الفترة أجود العناصر الوطنية. لم يحتج ابن الفتح لوقت طويل للتأقلم والدخول في خطّة الجنرال محمد فاخر، بل فرض نفسه لاعبا أساسيا منذ اليوم الأوّل الذي وضع فيه قدمه في مركب النادي في المعمورة. هاجس كل اللاعب مغربي هو الاحتراف خارج المغرب ورابح لم يكن الاستثناء في هذه القضية، بحيث لم يطل مقامه كثيرا في المغرب وبعد نيله الوصافة البطولة مع فريق الجيش الملكي موسم 2006/2007، قرّر مغادرة المغرب مرةً أخرى صوب الديار الأوروبية، لتكون وجهته الاحترافية الثانية في مساره الكروي دولة بلغاريا رفقة نادي "ليفسكي صوفيا" كبير الأندية هناك في بلاد العظيم "خريستو ستويتشكوف". جاور رابح فريقه الجديد وكلّه رغبة في أن تكون هذه الخطوة هي الأمل في التحاقه بالمنتخب الوطني للكبار، تأتّى له ما أراد ليستدعى لأوّل مرّة إلى مباراتي زامبيا الودية وموريتانيا برسم تصفيات كأس العالم جنوب إفريقيا 2010، وعرفت مباراته الأولى مع النخبة الوطنية تفوق "الأسود" بثلاثية نظيفة ومشاركته رسميا، بعد أن وضع الناخب الوطني آنذاك الفرنسي روجي لومير ثقته في مدافع كان كل طموحه أن يكون خليفة القائد السابق ل"الأسود" نور الدين النيبت. وضع رابح حدا لمسيرته الاحترافية بعد ثلاثة مواسم قضاها رفقة النادي البلغاري بعد مشاكل مع إدارة الفريق، وشهد مساره مع "ليفسكي صوفيا" تتويجه بخمسة ألقاب محلية، بطولتين للدوري البلغاري موسمي 2007/2008 و2009/2010، وكأسي سوبر، بالإضافة إلى كأس بلغاريا سنة 2008، انتقاله إلى الدوري الروسي بعدها لم يكن ناجحا بالمرّة، إذ لم يدم مقامه هناك سوى شهر واحد بعد فشله في الاختبار الذي أجراه في فريق "انجي محج قلعة" ليقرّر بعدها الرجوع إلى بلده الأم والالتحاق بفريق المغرب التطواني الذي قضى رفقته موسما واحدا، قبل أن ينضم بعدها إلى الفريق الذي كان يحلم بتبليل قميصه منذ صغره. حطّ رابح رحاله في مدينة الدارالبيضاء في ضفتها "الحمراء" سنة 2011، ليقرّر أن أن تكون هذه التجربة هي الأفضل في مساره الكروي محليا، طامحا في الوقت نفسه أن يعمّر لمدّة طويلة داخل "القلعة الحمراء" من أجل حصد المزيد من الألقاب والعودة لحمل قميص "الأسود". سنته الأولى في الوداد اعتبرها البعض مثالية، فمنذ قدومه نجح في سد الفراغ الذي كان حاصلا في الجبهة الدفاعية للنادي "الأحمر"، بل إنه بخبرته استطاع رفقة جيل من المخضرمين في ذلك الوقت أمثال الحارس نادر المياغري وأحمد أجدو والسفاح الكونغولي فابريس أوندما قيادة سفينة الوداد إلى نهائي دوري أبطال إفريقيا، أمام فريق الترجي التونسي إلا أن الحظ وعدم التوفيق حرم رابح وزملاءه من حمل لقب إفريقي طال غيابه عن الساحة الوطنية لمدّة طويلة. بعد ذلك النهائي دخل الفريق "الأحمر" في عاصفة النتائج السلبية ومشاكل بين الجمهور ورئيس الفريق، غالبية من لعب نهائي رادس حمل أمتعته وغادر من الباب الضيق، إلا لاعبين قلائل من بينهم صخرة الدفاع يوسف رابح، الذي أبان عن مدى عشقه للكيان "الأحمر" وأعطى درسا للوفاء لمن تركوا النادي فور ظهور المشاكل، صبره في الطوفان الذي ضرب البيت الودادي لسنوات ثلاث، كان ولا بد أن يعطي ثماره في يوم من الأيام، ذلك ما آمن به ابن مدينة الرباط ، وهو ما تحقّق سنة 2015 حين توّج بأوّل لقب له مع "القلعة الحمراء". بعدها وصافة في الدوري المغربي ونصف نهائي في عصبة الأبطال الإفريقية الذي شهد خروجا مشرّفا للنادي "الأحمر" أمام نادي الزمالك المصري بعد ريمونتادا تاريخية على ملعب مولاي عبد الله، ليتلوها لقب آخر بدرع البطولة الوطنية في السنة الماضية، كل هذه الإنجازات كان يمكن ألا تكون من نصيب "أسد" دفاع الوداد الرياضي، لو قرّر مغادرة النادي في أيام أزمته، لكن طموح ووفاء اللاعب للقميص لم يذهب أدراج الرياح، بل ساعده في حصد الألقاب، وكسب احترام وحب غالبية الجماهير الودادية رغم أنها انتقدته في فترة من الفترات بعد تدنّي مستواه، لكن بالعمل والاجتهاد ينال المرء الثناء. اليوم وبعد سبع سنوات رفقة النادي "الأحمر"، يمني يوسف رابح أن يكون اسمه على مسمى ويربح كأسا استعصت أن تلامس يداه سنة 2011، وهي التي غابت عن خزائن النادي لأزيد من ربع قرن من الزمن. الرابع من نونبر يوم تاريخي سيجعل رابح ورفاقه في تاريخ أجندة "القلعة الحمراء"، إذا حقّقوا لقب دوري أبطال إفريقيا، الذي يتمنّى أي عاشق للنادي "الأحمر" أن يظلّ في مدينة الدارالبيضاء، فالجماهير المغربية عامّة والودادية خاصة ستساندكم وستردد عبارة "جيبوها"، من أجل انتزاع اللقب الأوّل لفريق مغربي في القرن الواحد والعشرين.