بعد عدة سنوات فرض فيها أسلوب "تيكي تاكا" الأسباني هيمنته على كرة القدم الأوروبية، جاءت بطولة كأس الأمم الأوروبية (يورو 2016) لتضع حدا لهذه الهيمنة حيث فشلت التيكي تاكا في مواصلة تفوقها وسقطت أمام أسلوب الأداء الذي يعتمد في المقام الأول على اللياقة والقوة البدنية وكذلك الحذر الدفاعي. وأكدت يورو 2016 حاجة التيكي تاكا إلى إعادة الصياغة والتحديث حتى لا تصبح مجرد ذكرى في تاريخ اللعبة. وكانت السيطرة في يورو 2016 ، التي اختتمت يوم الأحد الماضي في فرنسا، للأسلوب الذي يعتمد على توليفة من التنظيم الدفاعي الهائل وعدم المجازفة والكرات الطويلة والأداء البدني الهائل وبعض اللمحات من الحظ في اللحظات الحاسمة. وأسفر هذا الأسلوب عن تتويج بطل جديد للقارة الأوروبية وهو المنتخب البرتغالي الذي أحرز اللقب للمرة الأولى بعد تغلبه على نظيره الفرنسي 1 / صفر أمس الأول في المباراة النهائية التي امتدت لوقت إضافي بعد انتهاء الوقت الأصلي بالتعادل السلبي. وقال نجم كرة القدم الألماني السابق لوثر ماتيوس، في مقاله إلى وكالة الأنباء الألمانية: "إذا تكلمنا بدقة، لم يظهر أي من المنتخبات ال24 المشاركة في البطولة بشكل مقنع. لم تكن بطولة لمتذوقي وعشاق كرة القدم". وشهد ملعب "استاد دو فرانس" في سان دوني قبل دقائق من المباراة النهائية لحظة تعكس هذا التغير في الأسلوب المسيطر على البطولة. هذه اللحظة كانت عندما حمل تشافي هيرنانديز نجم برشلونة والمنتخب الإسباني سابقا كأس البطولة "كأس هنري ديلوني"، وطاف به أرضية الملعب ثم وضع الكأس إلى جوار خط الملعب وكأنه ينقل عصا القيادة من مايسترو التيكي تاكا إلى نجوم الأسلوب الجديد. وكان تشافي، البالغ طوله 1.7 متر ووزنه 70 كيلوغراما، هو النجم الأبرز في صفوف المنتخب الإسباني الذي توج عبر أسلوب التيكي تاكا بلقبي يورو 2008 و2012 وكأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا. وفي المباراة النهائية، اعتمد المنتخبان الفرنسي والبرتغالي على لاعبين مثل موسى سيسوكو وبول بوغبا وبليز ماتويدي (في فرنسا) وكريستيانو رونالدو وريناتو سانشيز ووليام كارفالو وإيدر لوبيز (في البرتغال). وأكد معظم هؤلاء النجوم أنهم مثل "سوبر مان" كرة القدم من خلال قوة التحمل بعدما امتدت فترة اللعب الحقيقية في المباراة إلى 128 دقيقة قطع خلالها لاعبو فرنسا مسافة إجمالية بلغت 138 كيلومترا مقابل 143.7 كيلومترا للاعبي المنتخب البرتغالي. وقال جيرارد بيكيه مدافع برشلونة والمنتخب الإسباني، بعد هزيمة فريقه أمام المنتخب الإيطالي في الدور الثاني للبطولة: "لم نكن بنفس هذا القدر من الفعالية من خلال أسلوبنا في اللعب". ولجأ المنتخب الإيطالي (الآزوري) لنفس الأسلوب الذي تغلب به المنتخبان الهولندي التشيلي على الإسبان في الدور الأول لبطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل، عندما خسر المنتخب الإسباني المباراتين وودع البطولة من الدور الأول. واعتمد الآزوري في مواجهة المنتخب الإسباني على خمسة لاعبين في الدفاع والضغط القوي على لاعبي إسبانيا والسرعة الهائلة في الهجمات المرتدة. ومع الإجهاد الهائل الذي عاناه المنتخب الألماني (المانشافت) من مواجهته أمام الآزوري في دور الثمانية ، سقط المانشافت أمام المنتخب الفرنسي في المربع الذهبي. وكان المانشافت ومديره الفني يواخيم لوف من أكثر المعجبين بأسلوب التيكي تاكا الإسبانية، حيث استخدم المانشافت نفس الأسلوب ولكن بصيغة ألمانية مع بعض التطوير ليحرز الفريق لقب كأس العالم 2014 بالبرازيل. ومن وجهة النظر الفنية، كانت مباراة المانشافت أمام فرنسا هي الأفضل في يورو 2016 حيث بلغت نسبة استحواذ المانشافت على الكرة 65 بالمئة، وفعل الفريق كل شيء في المباراة باستثناء هز الشباك ليخسر صفر / 2 أمام نظيره الفرنسي. ورغم زيادة عدد المنتخبات المشاركة في يورو 2016 من 16 غلى 24 منتخبا ، لم تتراجع حدة المنافسة في البطولة واتسمت معظم المباريات بالتكافؤ الشديد لكن مستوى المباريات كان أقل بالتأكيد من المستوى الذي شهدته النسخ الماضية. وبدت جميع المنتخبات متواضعة التاريخ أو حديثة العهد بالبطولة الأوروبية بشكل جيد خلال يورو 2016 حيث بلغ المنتخب الويلزي المربع الذهبي في أول مشاركة له بالبطولة كما وصل المنتخب الأيسلندي لدور الثمانية في البطولة التي شهدت مشاركته الأولى ايضا. كما قدمت منتخبات المجر وأيرلندا وألبانيا وبولندا ندية واضحة في مواجهة منتخبات كانت مرشحة بقوة للقب في هذه النسخة. وقال لوف، في تحليله للدور الأول بالبطولة: "إنها بطولة العمر بالنسبة للعديد من المنتخبات.. هذا هو ما كان متوقعا قبل البطولة، منتخبات تدافع بعشرة لاعبين وتنتظر الفرصة". ولم يكن سقوط التيكي تاكا أو ما شابهها من أساليب اللعب مفاجأة في يورو 2016، حيث شهدت السنوات القليلة الماضية المؤشرات على هذا فلم يعد فريق مثل برشلونة الأسباني يحقق الفوز على منافسيه من خلال الاستحواذ على الكرة والأداء الخططي المحكم لنجوم التيكي تاكا وإنما أصبحت انتصارات برشلونة عن طريق آخر خاصة وأن وجود الثلاثي ليونيل ميسي ولويس سواريز ونيمار منح برشلونة مزيجا من القوة والأداء الفني الجمالي. وكان المدرب جوسيب غوارديولا هو من وضع برشلونة على طريق التيكي تاكا قبل سنوات وحاول نقل هذا الأسلوب إلى بايرن ميونيخ مع توليه تدريب الفريق البافاري قبل ثلاث سنوات ونجح إلى حد ما حيث قاد بايرن للقب الدوري الألماني (بوندسليغا) في ثلاثة مواسم متتالية ولكن هذه المواسم الثلاثة لم تشهد تتويج بايرن بلقب دوري الأبطال حيث سقط في المربع الذهبي للبطولة ثلاث مرات متتالية أمام ريال مدريدوبرشلونة وأتلتيكو مدريد على الترتيب. وكانت الهزيمة أمام أتلتيكو هذا العام مؤشرا على ما حدث في يورو 2016 حيث كان للدفاع الجيد الذي يطبقه أتلتيكو مدريد بقيادة مديره الفني الأرجنتيني دييغو سيميوني اليد العليا في يورو 2016 من خلال المنتخبات التي طبقت نفس الأسلوب.