قرر أخيرا محمد بودريقة، الرئيس الذي تقلد مسؤولية رئاسة النادي الأخضر في المواسم الأربعة الأخيرة، الرحيل عن تسيير وقيادة سفينة الرجاء الرياضي خلال الجمع العام الذي عقدته فعاليات الفريق، الأحد، تاركا مكانه لسعيد حسبان، بعد فترة تسييرية عرفت العديد من المحطات التي مر منها ''النسر الرجاوي''، امتدت من كتاب بودريقة "الأخضر'' لتنتهي بتقريره المالي "الأسود"، إذ منها ما أدخل الرجاء من جديد لتاريخ المستديرة الوطنية والعالمية، غير أن في المقابل منها ما أساء لسمعتها بعد الفتور الذي أصاب الفريق من كل النواحي خلال الموسمين الأخيرين بالخصوص، بعد أن أغرقت سفينتها في أزمات خانقة من جانب النتائج التقنية والتسييرية والمالية. واستند بودريقة في طريقه لرئاسة الرجاء على رزمة من الوعود والأهداف التي تضمنتها صفحات ما سماه ب''الكتاب الأخضر''، غير أن خاتمة هذا الكتاب كانت موجوعة وصادمة لجل مكونات الفريق البيضاوي بل لجل متتبعي الكرة الوطنية، إذ رغم تفنن بودريقة ومن كان معه في صياغة مقدمته بتعبير متفائل وبحماسة ترجمها بالملموس على الواقع، إثر قيادته ''النسر الرجاوي'' للتحليق عاليا في سماء المنافسات المحلية وتتويجه بالبطولة والكأس في أولى مواسمه على رأس الرجاء و صعود ''بوديوم'' الوصافة العالمية وراء البايرن في الموسم الثاني، إلا أن شمعة التألق في مسار بودريقة سرعان ما أطفأتها رياح العشوائية والارتجال في التعامل مع كل ما يحيط بالفريق. وفشل بودريقة في استثمار ما حققه في منتصف موسمه الثاني على رأس إدارة الرجاء، ليكون بذلك إنجاز النهائي العالمي في مراكش في دجنبر 2013، بمثابة القشة التي قصمت ظهر الرجاء، إذ أدخلها في متاهات وصراعات مع عدة أطراف من العائلة الرجاوية، كما أن منحة وصافة ''الموندياليتو'' الدسمة لم تق الرجاء شر بوادر ما بلغته اليوم من أزمة مالية خانقة كانت تظهر في الأفق من ذلك الوقت ونبهت إليها بعض مكونات الفريق، بفعل إستراتيجية ارتجالية تغيب عنها دراسة المستقبل ووضع تصور له، قبل أن تأتي مباراة الضياع أمام أولمبيك أسفي في الدورة الأخيرة من موسمه الكروي الثاني، لتقلب عليه الطاولة وتؤسس لمرحلة جديدة كانت مهد صراع يدخله بودريقة مع أنصار الرجاء بسبب تشكيكهم في نزاهة نتيجتها وربطها بمنصب نيابة الرئيس في جامعة فوزي القجع. وتواصلت في ظل ذلك إدارة بودريقة لشؤون الرجاء باقتسام الوقت والجهد مع تدبير شؤون الكرة الوطنية من منطلق منصبه في جامعة الكرة، وسط زوبعة من انتقادات أسرة الرجاء التي أضحت تخيره بين أمر فريقها ومنصب الجامعة، خصوصا من طرف الأنصار الذين أعابوا عليه السكوت على ما سموه ظلم التحكيم والبرمجة، قبل أن يزداد وقع الجرح بين الأطراف بعد توالي الإخفاقات المحلية والقارية، إثر صيام رفاق أولحاج عن التتويج منذ كأس وبطولة الموسم الأول لبودريقة، رغم سياسة التقرب من الجمهور التي دشنها بالجلوس في ''الماغانا'' وإحداث صفحة ''فايسبوكية'' لسماع نبض مطالب ''النسور''، دون إغفال استيراده للسان الجمهور في مخاطبة الخصوم، غير أن كل ذلك لم يمنع جمهور ''الماغانا'' من إشهار لوحة الرحيل في وجهه بصيغ مختلفة. وأسهم كل هذا بشكل واضح في محاولة بودريقة في عدة مرات لجس نبض الشارع الرجاوي بإعلانه الرحيل وتقديمه لاستقالات سرعان ما تراجع عنها لأسباب متنوعة، قبل أن يأتي موسم الوداع بعد أن أضاع كل ما كسب، ليرحل ويترك الرجاء في وضع لا تحسد عليه، بعد الرقم المهول الذي بلغته مديونية الفريق والعجز المالي الضخم الذي تواصل للموسم الثاني على التوالي دون أن ينجح في تقليصه، رغم كل المنجزات التي قال عنها إنها مكنت وستمكن الرجاء من موارد مالية إضافية. إن كان بودريقة قاد سفينة الرجاء خلال المواسم الأربع الأخيرة فقط، فإنه قد سجل أرقاما مخيفة تطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل الفريق الذي يبدو مظلما، وذلك بفعل العجز المالي الذي يقارب المليارين والذي سيكبل مطامح سعيد حسبان، الرئيس الجديد، كما أن هنالك أرقاما أخرى تفسر دواعي وصول الرجاء إلى هذا الوضع وخلو خزينتها من أي لقب يذكر خلال المواسم الثلاث الأخيرة، يبقى من أهمها على سبيل المثال لا الحصر، إقدام بودريقة على إسناد مهمة الإدارة التقنية للفريق الأخضر لسبعة مدربين في أربعة مواسم وفسخ عقود ما يزيد عن 25 لاعبا تعاقد معهم الفريق في وقت سابق، إضافة إلى الحد من فعالية برلمان الرجاء بعد تراجع عدد المنخرطين بأكثر من النصف، إذ صاروا في الموسم المنقضي 111 منخرطا فقط وأقل من ذلك بكثير في الموسم الماضي.