القدرة اللامحدودة على الجري هي ما يريد مدمن الرياضة بلوغه. لكن المبالغة في ممارسة الرياضة قد توقف القلب فجأةً. وتجاهل الآلام والإصابات هو إحدى علامات الإصابة بإدمان الرياضة. فكيف تكتشف وتقيس وتعالج إدمانك على الرياضة؟ الحركة مهمة للحفاظ على الصحة. ولكن بعض الرياضيين يبالغون في ذلك. فما علامات المبالغة في الرياضة وما أخطارها؟ قد يصبح الإنسان مدمناً على الرياضة، ولا يزال العلم محتاراً فيما يخص معرفة أسباب إدمان الأشخاص الذين يعانون منه، غير أن تجاهل الإصابات والآلام هي علامة كلاسيكية للإصابة بإدمان الرياضة والمبالغة في ممارستها. كما أن من علامات ذلك أيضاً تجاهل علامات الإرهاق، ومواصلة التمرين إلى أن تخور قوى الجسد. مثلاً الشاب الألماني ميركو بيرنر –الذي يعشق مسابقات الجري– يتدرب على الركض أكثر من عشرين ساعة أسبوعياً، "ويصبح المرء مدمناً على هذه الرياضة، لأنها تمنح شعوراً جيداً"، كما يقول. الحديث عن الإدمان على رياضات التحمُّل قد يبدو إيجابياً للوهلة الأولى، لكن "الناس لا يدركون أن الإدمان من الناحية الطبية هو نوع من الأمراض النفسية التي تتطلب العلاج المناسب لها"، وفق ما يقول الطبيب الألماني هايكو تسيمانتس لمجلة صحتك بين يديك على قناة DW. ويمكن اكتشاف أن الشخص يبالغ في ممارسة الرياضة بعمل فحص لدى طبيب القلب، الذي يقوم بفحص ما يعرف بالجهاز العصبي اللاإرادي. وهو يتكون من جزأين متضادين هما: الجهاز العصبي الودي المسؤول عن تنظيم هرمون الإدرينالين والضغط ويحفز الإنسان على تحمل الإجهاد على سبيل المثال. أما الجزء الثاني فهو الجهاز العصبي اللاودي المسؤول عن استرخاء الأعصاب، كما يشرح الطبيب الألماني ليو فراون بيرغَر لمجلة صحتك بين يديك على تلفزيون DW. وفي حالة الإجهاد الجسدي، يسرّع الجهاز العصبي الودي نبض القلب، ويوسع المجاري التنفسية. وبعد زوال الإجهاد يحصل الاسترخاء عبر الجهاز العصبي اللاودي. يعادل الجهازان العصبيان عمل بعضهما البعض. لكن من خلال جهد التدريب يزداد عمل الجهاز العصبي الودي عن اللاودي. قياس التنفس ونبض القلب يشير إلى سلامة عمل هذه الآلية لدى الشخص الممارس للرياضة. وأجسام مدمني الرياضة والمبالغين في ممارستها تكون غير قادرة على الراحة والاسترخاء بعد الانتهاء من التمارين. المؤشر الأول هو نبضات القلب المرتفعة في حالة الاسترخاء. فنبض قلب الرياضي الاعتيادي يجب ألا يزيد عن 60 نبضة في الدقيقة. أما "معدل نبض القلب الذي يصل إلى ثمانية وثمانين نبضة في الدقيقة تقريباً، قد يدل على أن الرياضي لم يشرب كثيراً، أو لم ينم جيداً. والتدريب الشاق في اليوم السابق مسؤول أيضا عن ذلك"، كما يقول الأطباء. نبض القلب المرتفع أثناء الاسترخاء هو حالة غريبة تشير إلى أن الرياضي يحتاج إلى راحة أكثر، وإلا فستكون العواقب وخيمة على جسده، و "على المدى الطويل قد يتضرر القلب، وهذا يشمل زيادة خطر اضطراب نبض القلب بشكل قد يؤدي إلى توقفه بشكل مفاجئ"، بحسب تحذير الطبيب ليو فراون بيرغَر. يعترف الشاب الألماني –المُفْرِط في الرياضة– ميركو بيرنر بأنه لا يشعر أحيانا بتحذيرات جسده، ويقول: "في إحدى المرات سقطتُ ونزفت ركبتي، ولم أشعر بالنزيف أو حتى بالألم". فأثناء ممارسة الرياضة، يزداد إفراز هرمونات الإندروفين في الدماغ، وهذه تحسّن المزاج وتثبط الألم. هذا الشعور بالسعادة قد يؤدي إلى الإدمان. إنه إدمان له تأثير " يشبه تأثير مخدِّر الأفيون ومسكنات الألم القوية التي نستخدمها في علاج الآلام. وهذا يجعل المرء في حالة من السعادة وانعدام الألم"، وفق توضيح الطبيب ليو فراون بيرغر. إن القدرة اللامحدودة على الجري وحالة انعدام الألم هو ما يريد مدمن الرياضة بلوغه. لكن على المدى الطويل يخاطر الرياضيون بصحتهم، وهذا ما لا يرغب به الشاب ابن العشرين عاماً ميركو بيرنر، إذ يقول: "أشعر الآن برغبة في الركض، لكن يجب أن أظهر بعض الإرادة لمقاومة هذه الرغبة وألا أفعل ذلك. قد يبدو كبح هذه الرغبة أمراً متناقضاً. أريد أن أذهب لأجري، يجب أن أتغلب على هذا الآن، أنا لن أذهب إلى الجري. يجب أن يُفَعِّل المرء عقله وألاّ يستسلم لهذا الإغراء". وها هو بات يعرف الآن كيف يمكن أن يصبح الإنسان بسرعة مدمناً على الرياضة. * ينشر بالاتفاق مع DW عربية