منذ خمسين عاما وفي شهر يونيو تحديدا، وُلدت كرة القدم الحديثة في كأس العالم 1970 في المكسيك مع منتخب البرازيل، حيث تابعت الجماهير حول العالم المباريات بالألوان بدلا من الأبيض والأسود للمرة الأولى في تاريخ المونديال. تصادف عطلة نهاية هذا الأسبوع ذكرى الدور ربع نهائي لتلك البطولة، حيث خاضت فرق مدججة بالنجوم مباريات مثيرة في الأدوار الإقصائية ممهدة الطريق نحو نهائي مبهر، في أول كأس العالم بالألوان. لم تكن كأس العام في المكسيك الأولى التي تبث مباشرة على الهواء. فقبل أربعة اعوام، تابع 400 مليون مشاهد إنجلترا ترفع الكأس للمرة الأولى والوحيدة في تاريخها بتغلبها على ألمانيا الغربية في النهائي. إلا أن تلك النسخة كانت بالأسود والابيض وشهدت على خروج البرازيل حاملة اللقب من الدور الأول بعد أداء باهت. في المكسيك، لمعت الألوان الصفراء والخضراء والزرقاء مع منتخب السامبا، لا زال يصفه الكثير من المحللين وخبراء اللعبة أنه أفضل من لعب كرة القدم. تابعت غالبية الناس المنافسات بالأبيض والأسود، لكن المباريات تم تصويرها بتقنية الألوان ما سمح للمشاهدين برؤيتها على هذا النحو في لقطات الإعادة. وحتى اليوم لا يزال الكثيرون يستذكرون ذاك المونديال بهذه الطريقة، حتى أعظم نجومه. إذ صرح الأسطورة البرازيلية بيليه لموقع الاتحاد لدولي للعبة (فيفا) "أتابعه لأن هناك العديد من الفيديوهات المتاحة والبرامج التلفزيونية. إن لم أتمالك نفسي، أبكي دائما". حقق بيليه في العام 1970 لقبه الثالث في كأس العالم، ولا زال حتى الآن اللاعب الوحيد الذي حصل على هذا الشرف، إلا أن المونديال عزز أيضا سمعته كأفضل لاعب في العالم، ويعود ذلك تحديدا لثلاث لقطات كادت أن تتحول إلى هدف: التسديدة البعيدة المدى من منطقته أمام تشيكوسلوفاكيا، الرأسية التي تصدى لها حارس إنجلترا غوردون بانكس والكرة التي مرت على بعد سنتمترات من مرمى الاوروغواي بعد المراوغة الرائعة أمام الحارس إثر تمريرة من توستاو. وتابع بيليه (79 عاما) "كنت في أعلى مستوياتي. كان لدينا فريق رائع والجميع توقع أن نفوز، الامر الذي أخافني". وكتب توستاو في العمود الخاص به في صحيفة "فوليا" البرازيلية هذا الاسبوع أن بيليه "أراد أن ينهي مسيرته الدولية بانتصار كبير، على الصعيدين الجماعي والفردي، لكي لا يترك شكا لأحد أنه كان الافضل على مر العصور". أقيمت مباريات الدور ربع النهائي في 14 يونيو حيث أقصت إيطاليا المضيفة المكسيك (4-1)، فيما سجل كل من ريفيلينو، توستاو وجايرزينيو لصالح البرازيل التي أقصت البيرو بنتيجة 4-2. فيما غاب بيليه عن قائمة الهدافين. وقال تيوفيلو كوبياس، الذي سجل للبيرو، لموقع الاتحاد البرازيلي للعبة "لقد كان هناك أربعة لاعبين يحملون القميص رقم 10 في هذا الفريق (في إشارة إلى رقم بيليه)، إذا سجلت أربعة أهداف، سيسجلون ثمانية". حاملة اللقب إنكلترا والتي كانت لا تزال تضم العديد من نجوم العام 1966، خرجت أمام ألمانيا الغربية بهدف لغيرد مولر بعد التمديد بعد انتهاء الوقت الاصلي 2-2، علما أنها تقدمت بهدفين نظيفين. في الدور نصف النهائي، تقدمت الأوروغواي بهدف على البرازيل في المباراة التي أقيمت في غودالاخارا قبل أن يفوز سيليساو بنتيجة 3-1 بأهداف حملت توقيع كلودوالدو، جايرزينيو وريفيلينو، حيث غاب بيليه مجددا عن التهديف. في العاصمة مكسيكو، كانت تتجه المباراة الأخرى لفوز إيطالي بهدف دون رد أمام ألمانيا الغربية قبل أن يعادل كارل-هاينتس شنيلينغر في الدقيقة 90. شهد التمديد 30 دقيقة جنونية، إذ منح مولر المانشافت التقدم قبل أن يعادل تارتشيزيو بورغنيك لإيطاليا التي تقدمت مجددا عن طريق ريفا. عادل مولر مجددا قبل أن تكون كلمة الحسم لريفيرا والادزوري. ولا تنسى الجماهير صورة بكنباور الذي لعب فترة طويلة من المباراة مضمدا بعد أن تعرض لخلع في كتفه بعد أن قامت المانيا بالتبديلين. -"الجميع لا زال يتحدث عنه" -الأفضل لم يأت بعد. كانت تملك إيطاليا في حنيها فريقا قويا ومميزا، بقيادة المهاجم الموهوب ساندرو ماتزولا في خط المقدمة، فيما تكوّن خط الدفاع من لاعبي إنتر ميلان على رأسهم جاتشينتو فاكيتي. رغم ذلك، فإن البرازيل قضت عليهم. فعلى ارتفاع 2200 متر عن سطح البحر، وتحت أشعة شمس أزتيكا، قدمت البرازيل أحد أجمل عروض كرة القدم الهجومية على مر التاريخ. قال مدرب البرازيل ماريو زاغالو في وقت لاحق إنه كان يعتقد أن الفوز 1-صفر على إنجلترا "كان أفضل مباراة في البطولة ... مواجهة في الشطرنج ذات مستوى رفيع". ومع ذلك، فإن العرض الذي قدمته البرازيل في أول نهائي لكأس العالم تم بثه بالألوان رفع السقف عاليا وبات المقياس للكرة الهجومية منذ حينها. افتتح بيله النتيجة مسجلا هدفه الرابع في البطولة. وصرح بورغنيك في وقت لاحق "قلت لنفسي قبل المباراة أنه مصنوع من الجلد والعظام مثل أي شخص آخر، ولكنني كنت مخطئا". عادل روبرتو بونينسينيا النتيجة، لكن هدف لكل من جيرسون وجايرزينيو في الشوط الثاني قضيا على آمال الايطاليين. بدا المشهد وكأن البرازيل تبتكر كرة القدم من جديد، أنهوا اللقاء بأحد أجمل الاهداف الجماعية في تاريخ المونديال لا زالت الجماهير تتحدث عنه حتى ايامنا هذه، عندما وضع الظهير كارلوس ألبرتو الكرة في الشباك بعد تمريرة بينية حاسمة من بيليه سبقتها تمريرات رائعة بين اللاعبين. وقال ألبرتو في حديث مع هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" العام الماضي "أدرك كم كان هذا الهدف جميلا ومهما، لأن الجميع لا زال يتحدث عنه". وتابع "لا أحد يتحدث عن هدف بيليه، أول هدف أو الثاني، بل دائما عن الهدف الرابع. أعتقد أنه كان أفضل هدف في (تاريخ) كأس العالم". نسخة العام 1970 كانت ربما أيضا أفضل نسخة في تاريخ أعظم حدث كروي في العالم.