هالني في قضية الطفلة سناء بنت تيفلت، أن تمر هذه الزوبعة الكبيرة بدون أن نناقش بيت القصيد ونلمس الإشكالات الحقيقية في الفكر والتشريعات المتقادمة التي أكل عليها الدهر وشرب. عندنا جوج مشاكل آنية ومرعبة وذات أهمية ملحة خاصنا نتعاملو معاها كمجتمع وكدولة بسرعة وفعالية وننتهي منها لكي نمر لأشياء أخرى. ما وقع للطفلة سناء هو مسؤولية الجميع، لأن الطفلة هي فتاة فقيرة (بنت الساراح) وسنين وهي كتعاني من رجال الدوار الذين استغلوا فقرها وضعفها وتكالبوا عليها لإشباع رغباتهم الدنيئة، ولذلك رأت المحكمة أنه لا داعي لوصف الوقائع بجريمة اغتصاب واكتفت بمصطلحات مثل "فعل فض غشاء البكارة نتج عنه حمل" و"التغرير"(أتساءل لو كانت سناء فتاة من بنات أعيان القوم كيف كانت ستتعامل المحكمة مع الملف ولكن هذا موضوع آخر سأناقشه في مقال مفصل)، ولأن (وهذا موضوعنا اليوم) هناك قصور في التشريعات والأحكام والقوانين، والتي هي مجحفة في حق النساء والفتيات، والتي تجعل مجرمي الاغتصاب وسفاحي الأطفال يلتفون حول القانون ويفلتون من العقوبات المستحقة والمتكافئة مع بشاعة فعلهم. أولا، هناك نص الفصل 484 من القانون الجنائي الذي يقول ''إنه يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس من هتك بدون عنف أو حاول هتك عرض قاصر يقل عمره عن خمس عشرة سنة، سواء كان ذكرا أو انثى''. وهنا الطامة الكبرى والمعضلة المهينة لنا كشعب، فممارسة الجنس على قاصر سواء تبت العنف الجسدي أم لم يثبت فهو "اغتصاب" فيه فقط التشديد والعقوبات القصوى (مافيهش تخفيف)، وإذا ثبت الجرم، تبطل قرينة الرضائية (راه عيب في القرن الواحد والعشرين يتم التعامل بقرينة الرضائية في ملفات العنف ضد القاصرين، كتضحكو علينا المجتمع الدولي)، كما هو معمول به في جميع الدول التي تحترم مواطنيها وتحمي الطفولة. الإشكالية الثانية في التشريعات والقوانين تتعلق باللغة والمفاهيم ذات الدلالات البدائية التي لا زالت تحرر بها الأحكام. فلمن اطلع على نص الحكم في قضية سناء سيلاحظ مجموعة من المصطلحات الموجودة كمثلا "التغرير بقاصر". مصطلح التغرير، صار من الكلمات المتجاوزة، خصوصا في ما يتعلق بالتعامل مع الضحية القاصر لأن دلالاتها تعني سلب الإرادة وكأن الضحية لها إرادة عقلانية وفي الظروف العادية ستكون مدركة لما هو فعل الجنس وما هي تبعاته وتم سلبها إرادتها في واقع الجرم. مقومات الإدراك العقلاني لا تتوفر في الأطفال والقاصرين (الدراري الصغار ما كيفهموش حقيقة ما هو فعل ممارسة الجنس وليس لديهم إرادة فيه). المصطلح الذي يصف بشكل دقيق هذا الحدث هو "استدراج" قاصر من تم اغتصابها' بكل أريحية وتجرد (يستدرجها لمكان وقوع الجريمة بأجي أبنيتي نعطيك مسيكة وكيكة). لأن التغرير جاءت من مصطلح إغراء وتستعمل غالبا لوصف الإغراء الجنسي، واستعماله يعني أننا نقول أن الطفل القاصر يستجيب للإغراءات الجنسية وهو واع بمعناها ويحببها. الأنكى والأدهى هو المصطلح المؤطر لكل قوانين التحرش والاعتداء الجنسي، مصطلح "هتك العرض"، فهو مصطلح فضفاض والدليل أن قانون الجنايات لا يضع له إطارا تعريفيا واضحا وهو مصطلح خطير جدا ومهين للمرأة، لأنه مشبع بالمعاني التي لاتناسب واقع العصر ويجب استبداله بما يحفظ كرامة المرأة. فالعرض (بكسر العين) له دلالات لغوية مشحونة بالرواسب التاريخية والسوسيوثقافية تجرد الإناث من حق استقلالية الذات عن الذكور وتفرض عليهن وصاية الرجل. فالعرض في معجم اللغة ج أعراض: ما يُمْدحُ ويُذَمُّ من الإنسان في نفسه وحسبه أو فيمن يلزمُه أمرُه، ما يفتخر به الإنسانُ من نسب أو شرف، أو ما يصونه الإنسانُ من نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره كالزَّوجة والبنت "طعن في عِرْضِ فلان". و المعنى في المعجم واضح وصريح (العرض هو شرف الرجل فمراتو و بناتو)، فهتك عرض الأنثى لا يعتبر فعلا قائما في حق الأنثى وفي حق ذاتها ونفسها وإنما يفهم على أنه فعل في حق ذويها من الذكور كأبيها وإخوانها واعتداءا عليهم هم وليس عليها. وهذا ما يجعل بعض الرجال حتى في العصر الحديث يستبيحون الاعتداء على المرأة لأنهم لازالوا يعتبرون أن المرأة متاعا للآخرين. في عصر الظلمات كان إذا أراد شخص أن ينكل بشخص ما(ينتقم منه)، يتجه إلى الاعتداء على زوجته أو بنته ولا يحتاج أن يواجهه في شخصه (لأنه يعتبر النساء ملكية خاصة للشخص الآخر). الأكثر من هذا وذاك، أن هناك فارق وهوة كبيرة بين مصطلحات الوصف والتعبير التي نستعملها في الشارع والصحافة والنصوص الأكاديمية الحديثة – ناهيك عن المجتمع الدولي- وبين لغة القوانين ولغة مؤسسة القضاء. لم يعد أحد يستعمل هتك العرض أو التغرير بقاصر في المجتمع ولا حتى في الشارع. لقد تطور المواطن المغربي وواكب لغة العصر التي تستعملها المواثيق الدولية في وصف جرائم الاعتداء والتحرش بعكس نصوص الأحكام القضائية والتشريعات والقوانين التي لا تزال تعيش في القرون الوسطى. الكل الآن صار يتحدث بلغة التحرش الجنسي واستدراج قاصر واغتصاب قاصر(كان بعنف أم لم يكن)، وهي مصطلحات متطورة ذات دلالات وصفية دقيقة، وهذا هو المطلوب في الأحكام (لغة تلتقط المعاني التي يستوعبها المواطن). واقع مجتمعنا وفهمه الجماعي لفعل المعاشرة الجنسية لقاصر يترجم في مصطلح "اغتصاب" والقضاة والقوانين يتحدثون عن الهتك وعن العرض وعن فض غشاء البكارة. أخيرا، هذا دور التشريعات والنصوص القانونية للي خصها التحديث. المجتمع يعي بشكل كامل أن لمس قاصر هو جرم اعتداء وقرينة الرضائية تبطل فيه بالدليل أن المجتمع طالب بأقصى العقوبات قبل أن يفعل ممثل النيابة العامة في الاستئناف، إذن خاص القانون يتبدل باش يواكب وعي الشعب. الشعب عارف باللي المرأة هي كيان مستقل بذاته ولا يحتاج وصاية الذكر وينبذ تاريخ عصر الظلمات الذي رسخ فينا هذه المفاهيم، إذن النصوص والتشريعات خاصها تواكب. الأمة تسير وراء ملكها بسرعة الضوء في التطور والتقاط الحداثة ولغتها.. وقوانيننا لا زالت كامنة في قرون العرض والشرف والوصاية على النساء وزواج القاصرات واستحلال معاشرة الأطفال بدعوى أنها علاقات رضائية.