يخاطر العديد من المغاربة بأنفسهم من أجل الوصل إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، بحثا عن حياة أفضل، وتسعى الدول الأوروبية وفي مقدمتها إسبانيا إلى الحد من الهجرة غير النظامية عبر تعزيز مراقبة حدودها الساحلية، ودفع الاتحاد الأوروبي إلى تقديم مساعدات مالية للمغرب من أجل مراقة أكثر لحدوده. لكن الوضع كان مختلفا في الماضي فقد كان الإسبان يفضلون الهجرة إلى المغرب بحثا عن حياة أفضل، ولم يكونوا يواجهون الكثير من العقبات، كما هو حال الراغبين الآن في التوجه إلى إسبانيا. من الشمال نحو الجنوب تحتفل اسبانيا كل 18 يوليوز بذكرى أكبر الحرب الأهلية، التي تعد أكبر حرب أهليه شهدتها القارة الأوروبية خلال القرن 20. وانطلقت هذه الحرب من المناطق الخاضعة للحماية الإسبانية في المغرب، تحت قيادة الجنرال فرانشيسكو فرانكو، الذي كان يتزعم جيش إفريقيا الإسباني. وقاد فرانكو انقلابا عسكريا في 18 يوليوز من سنة 1936، معلنا بذلك رفضه لحكم الجبهة الشعبية اليسارية، وكان يقود جيشا يعتمد فيه بشكل كبير على الجنود المغاربة، الذين تذكر بعض المصادر أن عددهم كان يتجاوز 34 ألف مقاتل، وكانوا يأتمرون بأوامر المارشال محمد أمزيان. وبعد مرور ثلاث سنوات انتهت الحرب، وتم الإعلان في أبريل من سنة 1939 عن تولي فرانسيسكو فرانكو رئيسا للبلاد، وحصل أمزيان على منصب حاكم لمنطقتي جزر الكناري في عرض المحيط الأطلسي. ودفعت الحرب الأهلية الكثير من الاسبان إلى مغادرة وطنهم في اتجاه الأرجنتين، وكوبا، وفرنسا، والمغرب أيضا، ولم تكن موجة الهجرة هاته الأولى من نوعها، فقد سبق لعدد كبير من العرب من أصول أندلسية واليهود الأندلسيين أن هاجروا إلى المملكة، بعد أن طردوا من اسبانيا والبرتغال سنة 1492. كما أنه بعد انتهاء حرب تطوان أيضا، المعروفة أيضا باسم "الحرب الإسبانية المغربية"، التي وقعت بين إسبانيا والمغرب ما بين سنتي 1859 – 1860 في تطوان، قال المؤرخ الإسباني خوان باوتيستا فيلار، "بعد التوقيع على معاهدة الصلح بين اسبانيا والمغرب (معاهدة واد راس)، لجأ العديد من الفلاحين والحرفيين الاسبان إلى العمل في المدن الساحلية المغربية". وخلال أواخر القرن التاسع عشر، زاد تدفق المهاجرين الاسبان إلى المغرب بشكل كبير، حيث بلغ عدد الاسبان في المملكة حوالي 6000 شخص في الفترة ما بين 1891-1892، تفرقوا في مدن مختلفة، من بينها الدارالبيضاء، والعرائش، وطنجة، وموغادور، والرباط. وخلال الفترة ما بين بين 1900 و1904، استمر المغرب في جذب العديد من الاسبان، حيث سجلت الأرقام الرسمية دخول 1000 إلى 1500 مهاجر اسباني إلى المغرب سنويا، بحثا عن ظروف معيشية أفضل، من بينهم تجار ورجال أعمال وفنانين وغيرهم. وكان أغلب الاسبان الذي اختاروا الاستقرار بالمغرب، يعيشون حياة بسيطة، أنشأوا أعمالهم الخاصة بالمملكة، وكان يتم وصفهم على أنهم أشخاص بسطاء، يفضلون الشوارع الضيقة في المدن القديمة، عكس الفرنسيين الذين كانوا يسكنون في أحياء الرباطوالدارالبيضاء الراقية. الاستعمار فتح الأبواب أمام المهاجرين الإسبان ومع إعلان الحماية الإسبانية على أجزاء من المغرب سنة 1912، أصبحت الهجرة إلى بلاد المغرب تعتبر "موضة" في إسبانيا، ففي الوقت الذي كان يبلغ فيه عدد الاسبان في المغرب 8000 سنة 1916، وصل في سنة 1923 إلى 16000، وفقًا للإحصاءات التي أدلت بها الحكومة الفرنسية حينها. لكن بعد هذه الفترة، أجبرت الحرب الأهلية في إسبانيا العديد من الاسبان على مغادرة البلاد، بسبب الظروف المعيشية الصعبة في تلك المرحلة، واختار بعضهم التوجه إلى المغرب الذي كان الوضع الاقتصادي فيه جيدا. ووصل عدد الاسبان في المغرب وقتها إلى أزيد من 150 ألف، 80 ألف منهم في المناطق الخاضعة للحماية الإسبانية، و50 ألف آخرين في المناطق الخاضعة للحماية الفرنسية، بينما استقبلت مدينة طنجة التي كانت تحت الوصاية الدولية وحدها فقط 20 ألف إسباني. وبعد نيل المغرب لاستقلاله، وصل عدد سكان البلاد إلى ما لا يقل عن 11.6 مليون نسمة، 1.3 في المائة منهم من أصل إسباني، وهي النسبة التي تعادل عدد المغاربة في اسبانيا سنة 2000. وبعد وفاة فرانسيسكو فرانكو، في 20 أكتوبر 1975، وإعلان الحسن الثاني في 6 من نونبر 1975 عن انطلاق المسيرة الخضراء، شعر الاسبان بنوع من التهديد، وقرروا العودة إلى وطنهم الأصلي، خصوصا وأن الوضع الاقتصادي في إسبانيا تحسن كثيرا في تلك المرحلة. وفي سنة 1980، وصل عدد الاسبان في المغرب إلى 10 آلاف شخص فقط، وبعد مرور ست سنوات استمر عدد هم في التراجع إلى أن وصل إلى 8500. لكن ومع بداية الأزمة الاقتصادية التي أرخت بضلالها على الاقتصاد العالمي بداية من سنة 2007، وجد العديد من الاسبان أنفسهم مجبرين على الهجرة مرة أخرى نحو المغرب، على الرغم أن المملكة أيضا عانت بدورها خلال تلك الفترة من صعوبات اقتصادية، وارتفعت نسبة الهجرة من إسبانيا إلى المغرب بحوالي 32 في المائة خلال الفترة ما بين سنتي 2008 و 2012. https://www.yabiladi.ma/articles/details/81420/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D9%87%D8%A7%D8%AC%D8%B1%D9%88%D9%86.html