"كود" تنشر مقال المنوني حول فصل يجعل الملك فوق الدستور في مقال له بالمجلة القانونية والاقتصادية والاجتماعية لعام 1985 قدم عبد اللطيف المنوني، رئيس لجنة مراجعة الدستور المعينة أخيرا من قبل الملك، قراءته كأستاذ للقانون الدستوري ومناضل في "الاتحاد الاشتراكي" للفصل 19 من الدستور. "كود" تعيد ترجمة أهم مقاطع هذا النص، وتنقل لقرائها فقراته القوية. وقد حصلت عليه "كود" من مكتبة آل سعود بالدار البيضاء، وهي مكتبة تقوم بعمل مهم في التوثيق في الدول المغاربية. في هذا النص، الذي تقدمه "كود" يذهب المنوني أن اللجوء الى الفصل 19 لا يمكن اعتباره فقط مرتبط بالظرفية السياسية أو بالوثيقة الدستورية، بل مرتبط بمعطيات بنيوية كضعف موازين القوى وتراجع المعارضة السياسية للنظام وعدم القدرة على الإبداع والتجديد في النظام السياسي وتراجع دور البرلمان". ترجمة النص . شهر أكتوبر 1983 سيتحول فجأة القانوني الى جزء من السياسي، فاللجوء الى الفصل 19 من دستور المملكة لسنة 1972 في ظل ظرفية اجماع وطني حول قضية الصحراء، كان الأساس القانوني الذي تم به تبرير تأجيل الإنتخابات البرلمانية رغم انتهاء مدة انتداب النواب به. لم يكن ذلك سعي لملائمة بين النص القانوني والظرف السياسي بل كان حلا للحيلولة دون التشتيت وعدم التعبئة. فالإستعداد لتنظيم اثناء في الصحراء يتطلب من المواطنين والتنظيمات السياسية والحاكمين التعبئة. الكثير من الفقهاء الدستوريين المغاربة يؤكدون أن أهمية الفصل 19 تكمن في في كونها رمزيا هي مصدر السلطة دون أن يكون نتيجة مسار تطور للنظام السياسي، وأصبح ذات بعد إيجابي، وحجرة أساسية للوثيقة الدستورية وأحد مفاتيحها، وشفرة أساسية لقراءته. «على الفقيه الدستوري أن يهتم بالأساس بالواقع الجديد للدستور بعد أكتوبر سنة 1983، والتساؤل حول ما إدا كان اللجوء الى الفصل 19 أملته ضرورة البحث عن الإجماع؟ أم زنه بعد سنوات من تعديل دستور يتطلب قراءة جديدة للوثيقة الدستورية المغربية» ص26. الجواب عن السؤال ليس سهلا ويسيرا ، ليس فقط بنية الفصل 19 هي التي تفرض وتتطلب في نفس الوقت أن توضع موضع تساؤل. قصر التجربة الدستورية الحالية يجعل التحليل صعبا في غياب وقائع دستورية، لذلك لا يتبقى غير وضع فرضيات كثيرة وغير كافية للإحاطة بالتغييرات التي وقعت، ولا يتبقى غير اللجوء الى تحليل الظرفية والبنية والتي لها علاقة بعدم الفصل في الحالة المغربية بين القانوني والسياسي. والتي تحيل كما أثار ذلك ألبير كامو الى أن ضعف القانوني يعود الى كونه اعتبر مصدرا لشرعنة هيمنة سلطة على أخرى دون تنظيم العلاقات بينهما. ولذلك فالهيمنة هي مرادفة تركيز السلط وجمعها بحيث تبقى الوحدة المؤسسية لسلطة الدولة مضمونة رغم التناقض مع روح ومضمون القانون بدل أن يؤدي وظيفته في حماية وضمان حدود كل سلطة. ليس بسبب أن القانون الدستوري يتميز في المغرب كما في عدد من الدول المغاربية بضعف حمولته القانونية، ولكن في الحالة المغربية والتي تهمنا بتطبيق الفصل 19 ، فالقانوني استعمله كأداة وليس كمبتغى في قضية وطنية تتجاوزه وهي قضية الصحراء، وهذا ما يطرح أسئلة عدم احترام القانون الدستوري. القانون الدستوري لم يحترم كوحدة مستقلة ووضع جانبا، لذلك لابد من التمييز بين التقلب القانوني وقوة الحمولة السياسية للفصل 19 وأيضا ثنائية السلطة واشكالية سمو وأولوية السياسي على القانوني. إن تحليل القرارات التي تم اتخادها في 14 أكتوبر 1983 خاصة تمديد الولاية البرلمانية لبرلمان سنة 1977 من أربع سنوات الى ست سنوات، تبين أن الفصل 19 يسير نحو جعله فريدا. ولابد من تحليل مضمون الفصل لمعرفة منطق النظام في اللجوء الى حمولته. فمنذ سنة 1962 لم يطرأ عليه سوى تعديل واحد بعد أن أضيف اليه أن «الملك هو الممثل الأسمى للأمة»، الفصل 19 له حمولة خاصة فهو الامتداد المادي والتجسيد السياسي والمؤسساتي للقسم الأول من الدستور الذي يتضمن المبادئ العامة. إذا كانت الأمة ذات سيادة القانون هو التعبير الأسمى عن إرادته، فإن الملك جعل نفسه الممثل الأسمى ورمز وحدته. فالفصل يحمل تعريفا خاصا للسلطة والدولة ، وأصبح ذا حمولة نظرية قوية بالمقارنة مع طبيعته القانونية. ويتضح أن الفصل وظيفته أن يضفي ويمنح سلطة أكثر من تبرير توزيع السلط الواردة في الدستور. الفصل يعطي للملك اختصاصات واسعة ويجعل من فصل السلط التي ينص عليها الدستور غير ذات جدوى. ليس فقط المؤسسات الأخرى ستصبح تابعة للملكية ولكن أن تختزل هذه الأخيرة الحياة الدستورية. التعديلات الدستورية لم يكن الهدف منها القطيعة مع الوضع القانوني والسياسي بالبلاد بل فقط اعطاء دفعة جديدة لعناصر الاستمرارية وضمان سمو الملكية وتقديمها على أنها الخيط الرابط بين الحداثة والتغيير. الملكية قوت بذلك شرعية مزدوجة تاريخية باعتبارها أسست الدولة المغربية ما جعل منها مدافعة عن الإسلام والوحدة الترابية، وثانيا لأنها الضامنة لاستمرار الدولة واحترام المؤسسات واستقلال الأمة ووحدته وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات. أهمية الفصل 19 تكمن إذا في كونه يقدم الحلول لاشكالية شرعية النظام السياسي. فمضمونه والعلاقات التي ينسجها مع باقي الفصول الدستورية يجعل منه أطروحة ومصدر السلطة، وهذا التراجع القانوني سببه القوة السياسية للفصل وهي التي تفسر حدود تطبيق الفصل. الحمولة السياسية للفصل 19 تمكن في كونها تعطي للملكية سلطة تنفيذية والتحكم في غير المنتظر وضمان وحدة الأمة واستمرار الدولة، فهو يمنحها ليس اختصاصات ولكن مهاما. وهي من الناحية الدينية هو أمير للمؤمنين والساهر على احترام الإسلام وسياسيا هو ضامن استمرار الدولة والوحدة الترابية وهي مهمة قانونية لها تأثير سياسي والتي تجلت أثناء تنظيم المسيرة الخضراء. الملك أيضا هو ضامن احترام الدستور وهو والخادم والحارس لاستحقاقات التي يعبر عنها الشعب، فباسم الشعب يقوم الملك بوظيفته كحكم ومراقب لكل المؤسسات. ثالثا ، الملك هو الممثل الأسمى الممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها. الفصل 19 انطلاقا مما تقدم يعطي الملك مهام هامة وسياسية ضرورية لاستمرار المنظومة الدستوري في مجمله، ويعطي الأولوية للغايات على الوسائل. الوثيقة الدستورية لا تشير سوى الى بعض صلاحيات الملك، في حين سكتت عن الباقي تاركة المجال للملك لاكتشافها وممارستها وفقا لما تفرضه الضرورة السياسية وطبيعة الظرفية. لابد من القول أن التجربة الدستورية المغربية أعطت للملك سلطات ضمنية واللجوء الى الفصل 19 في أكتوبر سنة1983 أعاد الإعتراف للملك بمجال واسع في الفعل السياسي فوق الدستور. اللجوء الى استعمال الفصل 19 يقود الى قراءة جديدة للدستور، والى منظور جديد لتوازن السلط، وهذا يقود الى القول إن الفصل مكن من توسيع صلاحيات لمجال الفعل الملكي حيث يجعل الملك يحكم انطلاقا من ثلاث مجالات سياسية أولها الدستوري مع بقية المؤسسات الدستورية وثانيا المجال السياسي حيث يتم اللجوء الى سلط ضمنية ثالثا مجال سياسي يحدده القرآن والحديث. إن حقل سلطة الملك ووجود مجال سياسي ثان مستمد من الدستور مكن من توسيع سلطة الملك، فسلطة الملك المجسدة في مجالين مستمدين من الدستور يمكن يدفع الى قراءات جديدة للوثيقة الدستورية نفسها والى استعمال جديد لمقتضياتها، التجربة الدستورية التي عاشها المغرب منذ 13أكتوبر 1972 مكنت من الحديث عن مسلسلين سياسي وقانوني غير متناقضين، هنا لابد من إضافة من إضافة الى الملكية المقيدة مفهوم الصلاحيات الملكية التي تمكن الملك من التدخل لصالح الدولة في غياب المقتصيات الدستورية ولتأويل خاص لها. اللجوء الى الفصل 19 لا يمكن اعتباره فقط مرتبط بالظرفية السياسية أو بالوثيقة الدستورية، بل مرتبط بمعطيات بنيوية كضعف موازين القوى وتراجع المعارضة السياسية للنظام وعدم القدرة على الإبداع والتجديد في النظام السياسي وتراجع دور البرلمان إعادة قراءة الدستور أصبحت مطروحة أكثر من أي وقت مضى وهذا ما سيؤكده أو ينفيه التاريخ. * مضمون الفصل 19: «الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات. وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة مجلة العلوم القانونية والاقتصادية العدد 15 سنة 1985