لم يترك لنا الزميل حميد المهداوي أي فرصة لمنافسته. لم يترك لنا أي فرصة للحاق به. ولا لمجاراته. إذ وهو يسعل. وهو يئن. وهو يتألم. وهو يعطس. وهو محموم. وهو على فراش المرض. وهو مغطى. وهو مستلق في سريره. وهو نائم. وهو يتفصد عرقا. وهو دائخ. وهو خائر القوى. وهو بين الحياة والموت. لا يكف الزميل حميد المهداوي عن ممارسة عمله. ولا يتهاون لحظة. ولا يقول أنا مريض. ولا يتوقف. ولا يوظف مرضه كي يتغيب. ولا يستغله كي يأخذ قسطا من الراحة. ولو استمر على نفس هذا النهج. فلن تبقى هناك عطلة للصحفي. ولن يبقى كونجي. ولن تبقى حقوق. ولن تبقى مدونة شغل. ولن تبقى هذه المهنة هي نفسها. ولن يبقى لنا مبرر كي نتغيب عن العمل. ولن يبقى صحفي مريض. ولن يعود لنا خيار. وإما أن نشتغل بنفس وتيرة المهداوي. ونلتحق بالثورة. وإما أن ننسحب. وسوف يقضي علينا حميد المهداوي جميعا. سوف يتركنا جميعا خلفه. سوف يجعلنا جميعا نتفرج فيه مبهورين. سوف نصبح جميعنا جمهورا له. سوف يضطرنا جميعا إلى الاكتفاء بمتابعته. وانتظار جديده. سوف يسيطر لوحده على المهنة. سوف يأخذها. وسوف يصير دور الصحافة هو متابعة حميد المهداوي مذهولة. وهو ما يقع في الوقت الحالي. حيث تشعر الصحافة المغربية أنها مأزومة. وتحتضر. وتحس أنها مريضة. ومهددة. ولا أفق لها. وما يخفف عنها وطأة المرض هو ما يقدمها لها الزميل حميد المهداوي. ولذلك نتفرج عليه جميعا. ولا مستقبل لنا إذا لم نلحق به. وإذا لم نقلده. بينما ليس لنا جميعا موهبته. بينما لسنا قادرين مثله على الإنتاج وعلى العمل ونحن نعاني من الحمى. ولا مكان لنا في المشهد الصحفي الذي يتشكل الآن إن لم نسر على نهجه. وهذا هو النهج الذي خطه المهداوي. وهذا هو ما يحصل الآن. وهذه هي الصحافة. بينما الصحافة الأخرى. تلك التي كانت. تلك المكتوبة. هي الآن من الماضي. ولا صحافة الآن في المغرب إلا صحافة المهداوي. وهو رائدها. وهو المؤسس. وهو الذي بدأ. وهذا هو ما يتكرس. ويتجسد على أرض الواقع يوما بعد يوما. وقد قضى المهداوي على الصحفي الكلاسيكي ليخلق صحفيا غير مسبوق. صحافيا ما بعد إلكتروني. صحفيا آليا لا يوقفه المرض. صحافيا ميتا- سمعي بصري مكتوب. صحافيا 4.0. صحافيا عائليا. صحافيا مؤسسته الإعلامية هي أسرته. ومقره شقته. وبينما كثير منا في عطلة. وبينما أنا أتمارض. وأمطط عطلتي. يشتغل حميد المهداوي. ويحرجني. ويرد على منتقديه. والويل لمن اقترب منه. والويل لمن أدهشه النموذج المهداوي. ولا يتكاسل لحظة. ولا يبالي بكورونا. ويتحداها. ويكح في وجه متابعيه. ويسعل في وجه الكاميرا. ولا يتوقف لحظة عن العمل. ولذلك فقد رفع الزميل حميد المهداوي السقف عاليا. وصارت الراحة معه مستحيلة. وصار الغياب عن العمل في ظل وجوده ممنوعا. وصار نموذجا. صارت الصحافة تحديا كبيرا معه. صارت الصحافة مهنة المريض فيها يعمل. صار الصحفي لا عذر له. وعليه أن لا يغيب. عليه أن يطل على جمهوره. ولو كان محموما. ولو كان غير قادر على الظهور. عليه أن يتحامل على نفسه. وأي واحد منا. وأي شخص. وأي صحفي لم يعد مقبولا منه. من الآن فصاعدا. أن يتغيب بمبرر المرض. أو النوم. أو الحمى. أو إصابته بفيروس كورونا. لأن المهداوي له القدرة على ممارسة مهنته في كل هذه الحالات. وسوف يقول المشغل للصحفي : انظر إلى زميلك. انظرْ إلى حميد المهداوي وهو يشتغل على سداري المرض. انظرْ إليه وهو نائم. انظر إليه وهو يضع رأسه على المخدة. انظر إليه وهو يضع فاصلا. متحدثا إلى الزميلة بوشرى. انظر إلى الرأي. يتوسطه حديث مع الزوجة. انظر إلى كوب الماء الطيني الكبير. انظر إليه وهو يطبخ وينتج مادة إعلامية. انظر إليه في صالونه. انظرْ إليه وهو يتألق. بينما أنت تريد عطلة. وتريد تعويضا عن الساعات الإضافية. انظر. انظرْ إلى حميد المهداوي. انظرْ إليه كيف يفحم منتقديه رغم التعب البادي عليه. ورغم السعال. ورغم الحمى الشديدة. ورغم غياب فيتامين سي من الصيدليات. ولذلك فالقادر على العمل وهو على سرير المرض. لن يعجز عن تصوير حلقات جديدة وهو في عطلة. أو هو يسبح. أو هو يلعب. أو هو نائم. أو هو حي. أو هو ميت. أو هو في عالم آخر. ولن يعجز عن اجتراح المعجزات. وعن إدهاش جمهوره. وهذا الذي نراه اليوم مع حميد المهداوي هو عالم صحفي مواز. خلقه المهداوي لوحده. خلقه بقدراته الخاصة. خلقه بعصامية. عالم جديد. عالم يجب الاعتراف بأنه في ملكية المهداوي. عالم لا تعرف هل هو واقعي أم افتراضي. وهل موجود أم متخيل. وهل ما يحدث فيه يحدث فعلا أم أن لا شيء يحدث. وهل صانعه جاد في ما يقوم به أم أنه يمزح. وقد ظن كثيرون أن المهداوي سيعود إلى الواقع بعد تجربة السجن المريرة. لكنه لم يعد. ولم يجد من حل إلا الذهاب أبعد في عوالمه الموازية. وفي اختراع صحافة أخرى. صحافة مغربية غير مسبوقة أصبح لزاما على الجميع اللحاق بها. صحافة جديدة ألغت ما قبلها. ومهما تغاضينا عن معجزاته. ومهما كفرنا بها. ومهما ضحكنا. ومهما لم نصدق ما يقوم به. فهناك ما قبل المهداوي في الصحافة المغربية. ولا أحد يعرف ما بعده. وهل هي بداية جديدة للمهنة. أم نهاية لها. وهل سيظهر تلاميذ له. وهل سينجب نماذج كثيرة منه. وهل سيأتي يوم نتابع فيه صحفيا من العالم الآخر. دون أن تتمكن أي سلطة دنيوية من القبض عليه. ودون أن يقدر أي أحد على الوصول إليه. أو اتهامه بتهمة الصياح. والأكيد والذي لا شك فيه ولا يمكن لأي أحد تكذيبه أن حميد المهداوي خاطبنا من سريره وهو مريض. وهو يتألم. في تحد منه لكل الزملاء. وفي إنجاز مهني جديد يضاف إلى إنجازاته الكثيرة. حيث أصبح من الصعب اللحاق به. وحتى مجاراته صارت مستحيلة.