[email protected] سرد المُبعد قسرا من مخيمات تندوف، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، جزءا من معاناة الصحراويين من ويلات حرب الستة عشرة سنة، وتداعياتها الأليمة التي قسّمتهم إلى جزأين، وتسبب جبهة البوليساريو في شرخ كبير وجرح يصعب أن يندمل. وحكى المعارض لجبهة البوليساريو عبر صفحته الشخصية ب"فيسبوك" جزءا من معاناته وذويه من آثار سياسة جبهة البوليساريو المبنية على الشتات والتشرذم، مقدما كرونولوجيا مبسطة لأحداث مهمة في حياته منذ ولادته سنة 1969 بمنطقة امهيريز جنوبالسمارة، وكيف تحولت حياته لجحيم بعد دخول جبهة البوليساريو آنذاك للسمارة بفعل قصف تسبب في وفاة أختيه وجرح والده، وإقتياده قسرا رفقة من تبقى من أحياء من عائلته نحو المخيمات وكأنهم غنيمة، مفارقا مسقط رأسه ومدرسته وأصدقائه. ويسرد مصطفى سلمى ولد سيدي مولود في تدوينته، كيف رمت جبهة البوليساريو به وعائلته في بحر من الخيم المعزولة لمواجهة حياة جديدة بوسائل بدائية، وكيف فرقت جبهة البوليساريو بين والديه، عندما أُجبرت العائلة على المغادرة من دونه بسبب تواجده بالمستشفى للعلاج من تداعيات قذيفة أصابته خلال قصف البوليساريو لمنزلهم. ويروي ولد سيدي مولود معاناة العائلة أثناء بدء حياة جديدة في مخيمات تتدوف أب ولا معيل لخمسة أطفال يحتاج من يوفر لهم المأكل والمشرب والملبس، لتضطر الأم المكلومة للعمل وسهر الليالي لنسج الحصير والدعاء بلَمّ شملها وزوجها المبعدة عنه قسرا. التدوينة : "رجاء لا تطلبوا مني أن أصمت. اسمحوا لي أن أتنفس هناك من يستكثر علي هذه المدونة، و يريدني أن أصمت بالكلية، لمجرد أني اخالفه الرأي. صحيح أني لست كاتبا و لا صحفيا و لا مدونا حتى، و لا أتقن قواعد الكتابة. و لكني إنسان قذف به قسرا وسط نزاع لم يختره، و لما شب و أصبح له رأي فيه، قيل له أصمت. و لما لم يصمت حكم عليه بالنفي. فدعونا نعود لبداية الحكاية، ليغضب من غضب عن بينة، و يرضي من رضي عن بينة. و لو أني لا أكتب لأرضي أو أغضب، إنما لأشعر أني موجود. فالحكاية يا سادة: أنه من جملة ما أذكر عن المرحومة والدتي أني ولدت بعد عام "السنيات" بسنتين (1969) تحت ظل خيمة عند "آوليك" في "أودي كنتة" قريبا من جبال "ارغيوة" بمنطقة "مهيريز" جنوب مدينة "السمارة". و أننا انتقلنا الى المدينة لما تحولت كل البوادي و الارياف الى ساحة حرب. لكني أذكر أني كنت أسكن بمدشر "اربيب" الى الغرب من مدينة السمارة، و أني كنت أرتاد "السكويلة"، المدرسة الوحيدة التي تركتها اسبانيا في المدينة، و اني كنت أنا و أخي نستيقظ مع أذان الفجر للوصول سيرا على الاقدام الى الدرسة التي تبعدنا بعدة كيلمترات. و لعل أحلامي حينها كانت كأحلام أي طفل عادي يعيش وسط ظروف عائلية مستقرة: منزل، والدين، اخوة، مدرسة و ظروف معاشية مقبولة. و في لحظة تختفي هذه الصورة الوردية، و كأنها كانت حلم، فلا تبقى أسرة و لا منزل و لا مدرسة و لا أصدقاء و لا شيء. تهاجم الجبهة المدينة. تسقط قذيفة على منزلنا. فيتحول الى ركام و يدفن تحت انقاضه أختاي شهيدتين. يصاب الوالد في الرأس و ينقل الى المستشفى. تدخل قوات الجبهة الحي. تأخذ من تبقى منا أحياء، و كأننا ملك يمين أو غنائم. يأخذوننا الى المخيمات في رحلة دامت ليالي و أيام. فتقرع الطبول و تنشد القصائد و الاغاني إحتفاء بنا نحن المحررين. رغم أنه لم يكن فينا متسع للفرح فوجعنا كان كبيرا. تنتهي الاحتفالات. يعطوننا خيمة و فرن صغير و ما تيسر من الاواني. و يرمى بنا في بحر لا متناه من الخيم، و علينا أن نبدأ حياتنا من جديد. أن ننسى منزلنا و اصدقاءنا و مدرستنا. و نألف الخيمة و نصنع صداقات جديدة و نرتاد مدرسة جديدة و نتعرف على معلمين جدد. و الاصعب أن نألف أن نعيش بلا أب. و أن ننتظر من يتصدق علينا بقطعة حلوى لأننا بلا معيل. و أن تمضي والدتنا الشابة بقية عمرها بلا زوج و لا أنيس، لا لجرم ارتكبته سوى أنها تحب زوجها. كنت و إخوتي محظوظين، ليس لأننا نجونا من المجزرة، بل لأننا كنا صغارا، فكان وجعنا أقل، و تكيفنا أسهل. لكن والدتي لا. لقد كانت في العقد الثالث من العمر، كافحت و تعبت ليكون لها زوج و أولاد و منزل و حياة مستقرة. فإذا بها تعود الى الصفر. تنسج الحصير ليجد أبناؤها فراشا و تخيط الملاءات و تنسج الوسائد، عليها أن تصنع كل شيء بيديها و تعيل خمسة أطفال، يحتاجون الماكل و الملبس، و لا مال و لا معين لها غير الله. كان عليها أن تبيت الليالي تعد النجوم ترجو الله أن يجمعها بوالد أطفالها. و يعلم الله كم ستكون قد أذرفت من الدموع لصعوبة ما مرت به.و للقصة بقية... فقط. رجاء لا تطلبوا مني أن أصمت، إسمحوا لي أن اتنفس". — الرابط الأصلي : https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=3328012120659048&id=100003508773803