سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مصطفى سلمى: البوليساريو دخلت لعبة دولية أكبر من حجمها والجزائر تمول العملية المناضل الصحراوي المبعد يكشف لالمغربية حقائق مثيرة في قضية الصحراء وعالم المخيمات المغلق
في عامه الرابع في منفى غريب الأطوار بموريتانيا، وفي ظروف تشكل تحديا قانونيا وسياسيا للمنظمات الدولية، التي تدافع عن حقوق الإنسان، يعيش مصطفى سلمى حالة استثنائية في بلاد المليون شاعر ويمكث هناك مبعدا عن أهله، ممنوعا من التعبير عن رأيه، وغير مسموح له بالتنقل، وفي الوقت نفسه غير مرخص له بالعودة إلى أهله في المخيمات. في حواره مع "المغربية" يرد مصطفى سلمى على جملة من الأسئلة في تصريحات غير مسبوقة، توضح نشأة جبهة البوليساريو ومن يتحكم فيها، وكيف جرت عملية توطين آلاف الصحراويين في مخيمات تندوف، كما يتحدث عن تشكيلة الجبهة وهندسة الطبقية السائدة فيها، موضحا أن النفوذ داخلها بأيدي عناصر من أصول جزائرية وموريتانية، لا تربطهم أي علاقة بصحراويي أرض النزاع المفتعل، مشيرا إلى أن البوليساريو دخلت في لعبة أكبر من حجمها. وقسم مصطفى سلمى معاناة النساء والأطفال والشباب والكهول على حد سواء، خلال 38 سنة، في مخيمات عبارة عن سجن عملاق في فيافي الصحراء الجزائرية، (قسمها) بين ويلات الحرب قبل وقف إطلاق النار، والبطالة والقمع والشتات في قبضة حديدية للبوليساريو تحاكي إلى حد كبير نظام كوريا الشمالية الأكثر تشددا وانغلاقا. كما تطرق إلى أبعاد قراره بالعودة إلى تندوف بعد إعلانه تأييد مبادرة الحكم الذاتي، لكسر حاجز الخوف في نفوس الصحراويين وتحريرهم من عبادة صنم اسمه البوليساريو، وكان تحديا في محله لكشف الستار عن حقائق كثيرة ومعطيات أغفلها المنتظم الدولي في اللعبة التي تمارسها الجزائر، من خلال مجموعة من الأشخاص لا يملكون أي حق في التحدث باسم الصحراويين. من جهة أخرى، كشف مصطفى سلمى انطباعه عن كريستوفر روس، بعد لقاءين أجراهما معه، وعن تصوره لحل قضيته، ملمحا إلى أن الرجل يتمتع بقوة الإنصات ولا يسرب أي انطباع، وينتقل مصطفى من مشكلته إلى مشكلة إخوانه في المخيمات، داعيا بأن يفرج الله كربهم ويفك أسرهم النفسي، ويسهل لهم طريق العودة إلى أرضهم، مضيفا أن الدعاء وحده لا يكفي، لكن لا بد من الثورة ضد جبهة البوليساريو. وفي ما يلي نص الحوار قضية مصطفى سلمى في سنتها الرابعة، وهو عمر ابنتكم التي حرمتم من حضور ميلادها بسبب طردكم من المخيمات بعد الخطف والاعتقال من قبل جبهة البوليساريو، ما هو الجانب الشخصي والإنساني في قضيتكم، وما هو الجانب السياسي؟ - كانت قضيتي منذ ندوة السمارة قضية سياسية (قضية تعبير عن الرأي ومشاركته مع الآخرين) بمحاولتي تسليط الضوء على معاناة أهلنا في المخيمات، التي امتدت لعقود. وبعد الإجراءات التي اتخذتها البوليساريو والجزائر في حقي، منذ 21 شتنبر 2010 (التوقيف والاعتقال ثم الإبعاد)، أصبح الجانب الإنساني في قضيتنا هو الأول، لأن الإبعاد حرمني من أبنائي، فالجزائر تمنع دخولي إلى المخيمات، حيث تعيش أسرتي، وموريتانيا منحتني لجوءا مؤقتا فوق أراضيها إلى غاية أن تجد المفوضية السامية حلا ثالثا للم شملي بأسرتي، وبالتالي، لا تستطيع أسرتي العيش معي في موريتانيا أيضا، والمفوضية السامية اقترحت هي الأخرى حلا شبيها بالحل الموريتاني بلجوئي منفردا (دون أسرتي) إلى فنلندا، تزامن هذا الوضع الجديد مع منعي من حقي في الحصول على جواز سفر وممارسة النشاط السياسي. قبل إعلانكم في السمارة تأييد مقترح الحكم الذاتي في 17 غشت 2010، كنتم تشغلون منصب مفتش عام لما يسمى بشرطة البوليساريو، على ماذا اعتمدت البوليساريو في تكوين المخيمات وإدارتها والتحكم فيها؟ لقد تحول إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب في نهاية 1975 إلى مسرح حرب مفتوحة من شماله إلى جنوبه، فقد وجدت فيه في آن واحد جيوش المغرب وموريتانياوالجزائر والبوليساريو والإسبان، والحروب تنتج نزوحا. وفتحت الجزائر حدودها ودفعت قواتها لإخراج النازحين إلى منطقة تيندوف الجزائرية، حيث كانت توجد إدارة للبوليساريو، منذ 1973. ولم يكن التحكم صعبا حينها، لأن كل الرجال كانوا يذهبون للحرب ولا يبقى في المخيمات غير الأطفال والنساء والعجزة. ولأن الغالبية فرت من الحرب، فلم يسعفها الوقت لحمل أي متاع، لذلك كان سلاح المساعدات، أيضا، عاملا في تطبيق ما تريده جبهة البوليساريو. وبعد اتفاق وقف إطلاق النار مع موريتانيا، قامت البوليساريو بحملات واسعة في شمال موريتانيا وشمال مالي، وأجبرت بالقوة الكثير من سكان تلك المناطق على الدخول إلى المخيمات. مع بداية تحديد الهوية، فرضت السلطات الجزائرية على ذوي الأصول الصحراوية من سكان الجنوب الغربي الجزائري التسجيل في المخيمات والمشاركة في عملية الإحصاء، التي تنجزها بعثة المينورسو. أما بخصوص الإدارة والضبط، فقد استنسخت البوليساريو تجربة ليبيا وبعضا من تجارب الدول الشيوعية، إذ نظم المخيم على شكل 4 مستطيلات من الخيام، كل مستطيل سمي حيا ولديه مسؤولة (امرأة)، وكل مستطيل به ما بين 10 و15 صفا من الخيام، وكل صف لديه مسؤولة تسمى (عريفة خلية)، ونساء الصف يشكلن أفراد الخلية. يتوسط الأحياء الأربعة بناية هي إدارة الدائرة بها مقر ممثل الحزب (يسمى أمين التوجيه الثوري)، وهو صاحب السلطة الأولى، ومعه رئيس الدائرة (دون سلطة) وأصحاب المرافق ومقتصد وطبيب و5 مسؤولات لجان للتربية والتعليم والصحة والقضاء والصناعة، يشكلون المجلس الشعبي المحلي. كانت العقوبات صارمة ضد كل من يرفض أمرا من أوامر التنظيم، وتعقد كل خلية اجتماعات دورية مرتين أو ثلاث في الأسبوع لدراسة منشورات القيادة وإطلاعها على جديد القضية، وتجتمع اللجان مرة في الأسبوع، ويقام مهرجان شعبي عند مقر الإدارة مرات في الأسبوع، وكذا حملات نظافة المحيط. وأصبحت المخيمات في فترة من الفترات أكثر انضباطا من النمل، فقد كانت تطهى في جميع المخيمات الوجبة نفسها ( بأمر من القيادة) اختبارا للانضباط، وتؤمر النساء بارتداء اللباس نفسه، كما في كوريا الشمالية. ما هي الطبقية المعتمدة في تشكيل البوليساريو؟ أي من الذي يملك النفوذ ومن أين يستمد سلطته وقوته داخل الجبهة؟ المجتمع الصحراوي مجتمع قبلي أصلا، وككل المجتمعات القبلية، هناك تراتبية داخل القبيلة وحتى بين القبائل نفسها، حسب عوامل القوة التقليدية، مثل كثرة الرجال والمال (المواشي)، وكان هذا المجتمع ينتجع مجالا واسعا من شنشان، على الحدود الجزائريةالمالية، إلى أدرار شمال موريتانيا، إلى حدود واد نون جنوب المغرب. وبسبب شساعة هذا المجال، توزع مركز ثقل القبائل الصحراوية، فكان ثقل قبائل تكنة في منطقة واد نون، وقبيلة الرقيبات مقسمة بين منطقتي نفوذ، رقيبات الشرق من الساقية الحمراء إلى حدود الجزائر مع مالي، ورقيبات الساحل من الساقية الحمراء إلى حدود أدرار شمال موريتانيا. و في الساحل، كانت تنتجع قبائل أولاد دليم بين واد الذهب وتازيازت شمال موريتانيا، وأولاد تيدرارين في منطقة بوجدور، والعروسيين في وسط الساقية الحمراء ووادي الذهب. ولأن الاستعمار قسم المنطقة بأكملها ورسم الحدود الحالية، تقسمت القبائل الصحراوية وانقسمت تبعيتها للفرنسيين في موريتانياوالجزائر، وفي جنوب المغرب للإسبان في الساقية الحمراء ووادي الذهب، وسلم الجميع بالأمر الواقع بعد إخماد مقاومة القبائل في منتصف ثلاثينايت القرن العشرين. ومنذ ذلك التاريخ بدأت الشقة تكبر بين القبائل بسبب تباين التبعية والمصالح والحدود الجديدة، وأصبح سكان المجال الصحراوي الواسع، بعد استقلال دول المنطقة، جزائريين وموريتانيين ومغاربة و صحراويين تحت الاستعمار الإسباني. من هذه الخلفية التاريخية والجغرافية، جاءت جبهة البوليساريو، التي بدأت كفكرة في منطقة واد نون، ودخلت حيز التنفيذ في شمال موريتانيا، بتحالف واجتماع شباب من ذوي الأصول الصحراوية من سكان جنوب المغرب وجنوب غرب الجزائر وشمال موريتانيا، واستقطبوا بعض أبناء الساقية الحمراء ووادي الذهب (كواجهة) ليساعدوهم في إدخال الحركة إلى الإقليم، مثل غالي ولد سيد المصطفى (سفير البوليساريو حاليا في الجزائر)، الذي عين أول أمين عام للجبهة حتى يعرفها سكان الساقية الحمراء، وقع الانقلاب عليه سنة بعد ذلك، بعد دخول الحركة إلى الإقليم. فكانت جبهة البوليساريو حركة انقلابية على السلطة التقليدية في الساقية الحمراء ووادي الذهب من صحراويي الخارج، الذين رضوا بأن تصبح مناطقهم جزائرية وموريتانية، ولم يحملوا السلاح دفاعا عنها ضد الإسبان، كما فعلوا مع الساقية الحمراء ووادي الذهب. وأثبت التاريخ بأن مؤسسي هذه الحركة لم يكونوا يريدون سوى تحقيق مصالحهم على حساب معاناة أبناء الإقليم، فقد أصبحوا هم الأسياد، لأنهم أقنعوا بعض سكان الإقليم باللجوء معهم إلى مناطقهم وإلى مراكز ثقلهم وحلفائهم، وأحضر نازحو الإقليم اسم الصحراويين إلى أبناء عمومتهم، الذين كانوا جزائريين وموريتانيين، ولم يعد بالإمكان اليوم التفريق بين هذا وذاك. فغير سكان الإقليم هم أصحاب السلطة والنفوذ، وبالتالي، فمركز ثقل البوليساريو، إذا كان هذا مقصد سؤالكم، هو لدى الأشخاص والقبائل غير المنتمين إلى الصحراء. وهي عبارة عن تحالف بين رقيبات الجزائر (بقيادة الرئيس احتو ووزير الدفاع محمد الأمين البوهالي) وصحراويي موريتانيا (امحمد خداد المكلف بملف الاستفتاء) والأقليات، بزعامة عبد القادر الطالب عمار، المتحدرمن أصول موريتانية ( الوزير الأول). هل يدرك الصحراويون البسطاء في المخيمات أن جبهة البوليساريو تسيرهم وتتحكم في مصائرهم بقرار جزائري صرف؟ لا يعرف ذلك إلا القلة، لأن داخل المخيمات لا يلاحظ وجود للجزائريين، وكل ما يظهر، هم ممثلو سلطة البوليساريو، وهناك مؤسسات وولايات ودوائر، وكل شيء هناك يوحي للبسيط بالاستقلال حتى عن الجزائر نفسها، التي تمول المنظمة وتحتضن المخيمات. يعرف الجميع أن أول من زرع فكرة الجمهورية الصحراوية في عقول صحراويين هو معمر القذافي، في سياق عدائه ضد المغرب، ثم التحق به الهواري بومدين وسخرا معا قدرات بلديهما لمحاصرة المغرب، الآن، كيف ينظر الصحراويون للقذافي وبومدين؟ في وجدان الصحراويين، يظل لبومدين بالدرجة الأولى وللقذافي بدرجة ثانية مكانة خاصة، لأنهما دعماهم في وقت الشدة، كما أن صورة المغرب عند غالبية البسطاء من سكان المخيمات سيئة للغاية. وهذا من أسباب عوامل الحرب ضد المغرب، فلا توجد خيمة ليس لديها ضحية في حرب دامت 16 سنة، ثم دعاية البوليساريو ثانيا، وعدم توفق المغرب في نشر صورة إيجابية عنه لدى سكان المخيمات بسبب الحصار المفروض عليهم. لكن في السنوات الأخيرة، ومع تبادل الزيارات أصبحت الصورة تتغير. ويكفي أن نعرف أنه حتى منتصف التسعينيات، كانت نسبة النزوح من المغرب إلى المخيمات كبيرة، ومنذ ذلك التاريخ، بدأ الوضع يتغير تدريجيا، حتى تغيرت من نزوح بالكامل إلى عودة بالكامل. قضيتم 32 سنة في المخيمات، هل لكم أن تنقلوا صورة عامة عن تلك الحياة؟ المخيمات لم تبق على حال واحدة منذ السبعينيات، قبل وقف إطلاق النار عام 1991، عبارة عن معتقل كبير بما في الكلمة من معنى، وكان الإنسان فيها لا حرية له في شيء، من مأكله الذي يحدد له، وأقصد أنه كان يؤمر أن تطبخ الوجبة كذا في الغداء وكذا في العشاء. وكان التنقل ممنوعا بين المخيمات إلا برخصة من القيادة، ولم يكن هناك اختيار في مكان الإقامة ولا العمل ولا الدراسة، كان كل شيء يسير بأمر القيادة، ومن يخالف يعاقب، والعقوبات قد تصل إلى التصفية والحبس لفترات طويلة في أمكنة مجهولة، وتزامن هذا مع سوء الظروف المناخية والطبيعية والندرة في كل شي، لكنها لم تعش مجاعة، رغم وجود حالات من سوء التغذية. بعد وقف إطلاق النار، خوفا من القيادة على مراكزها، ولأنه لم يعد هناك حاجة لمقاتلين، انتهجت البوليساريو سياسة الانفتاح، إذ قرروا أن السماح للناس كي ينشغلوا في تدبير شؤونهم المعيشية، حتى لا ينشغلوا بالسياسة، وحصل السماح بالتجارة والسفر خارج المخيمات. عندما اندلعت انتفاضة 1988 كان عمركم 20 سنة، ما هو إحساسكم في ذلك الوقت؟ وهل توقعتم أن تكونوا بدوركم بعد 20 سنة مصدر ثورة أخرى في المخيمات؟ كنت حينها في الجامعة بمدينة عنابةالجزائرية وهناك وصلتنا أشرطة "الرئيس"، التي ينتقد فيها الأحداث (كما سميت حينها)، ومعها منشورات تنقل صورة ما وقع أنه عمل إجرامي صنف كخيانة، ولأنه لم تكن لدينا إمكانية (بسبب بعدنا وعدم وجود وسائل اتصال بالمخيمات) صدقنا الرواية الرسمية. و لم أكن حينها أتصور أني سأصبح معارضا لقيادة البوليساريو، وبالمناسبة، فأنا لست معارضا لهم، فهم مغتصبون ليس لهم من الأمر شيء، وما أحاوله، هو التواصل مع أهلي وبذل جهدي لتحريرهم من الأسر السياسي والنفسي، الذي تأسرهم به قيادة البوليساريو. فالصحراويون انخرطوا في البوليساريو منتصف السبعينيات، لأنها أفضل الموجود حينها، فقد تكونت من أشخاص يعرفونهم وكانت شعاراتهم هي وحدة واستقلال الصحراء، وبهذا الانخراط والنضال في البوليساريو، أوقفوا مشروع تقسيم الصحراء وتقسيم أهلها (نتائج اتفاقية مدريد). وحققوا مكاسب كبيرة، منها مكسب الاعتراف لهم بالخصوصية داخل المغرب (المغرب يقترح الحكم الذاتي، خلافا لبقية مناطق المغرب، ودسترة ثقافتهم الحسانية)، وهذا بحد ذاته يعتبر من قبل المغرب رسالة تطمين إلى كافة الصحراويين في مخيمات تندوف، لدحض افتراءات المشككين في إمكانية التعايش. نعود إلى قضيتكم، فور إعلانكم تأييد مقترح الحكم الذاتي، صدر بلاغ عن قيادة البوليساريو يتهمكم بالخيانة، وهناك من دعا إلى هدر دمكم، كيف كان وقع هذا التهديد في نفسكم؟ كما قلت لك سابقا، فاقد الشيء لا يعطيه، فقادة البوليساريو الذين خونوني لا ينتمون إلى الصحراء "المتنازع" عليها، ولا أعتبرهم سلطة شرعية للصحراويين، وإنما إدارة أمر واقع، مهمتها تصريف الأعمال، وهذا جوهر خلافنا معهم، لذلك لم أعر الأمر أدنى اهتمام، وتابعت طريقي رغم كل التهديدات، كنت أعرف أنهم قد يرتكبون أي حماقة وقد يقتلونني، لكن لم يكن هناك بد من مواصلة الرحلة. لماذا أصررتم على العودة إلى مخيمات تندوف؟ كان إصراري على العودة أمرا عاديا وطبيعيا بالنسبة لي، فهناك عشت أزيد من ثلاثين سنة ولم أعرف مكانا غير ذلك، وهناك كل معارفي وأهلي وعملي، مهما كنت مختلفا معهم، وورثت من قيمنا البدوية أنه من العيب أن يرحل شخص منفردا، وإذا كان لابد من الرحيل فلترح كل القبيلة. والأهم بعد كل الضجة، التي أثارتها البوليساريو بعد تصريحي الصحفي، كان يجب أن يعرف كل الصحراويين أن قيادة البوليساريو لا قوة لها ولا سلطة، تستطيع أن تبطش كما تشاء، وعلي أن أضحي لأثبت ذلك، فلو لم أعد، لما استطاع أي صحراوي بعد ذلك رفع صوته ضد قيادة البوليساريو، وفعلا، كنت فاتحا لباب المطالبة بالحريات والاحتجاجات والاعتصامات في المخيمات. وعلى المستوى الدولي، كان يجب أن يعرف العالم أن البوليساريو نظام شمولي لا يقبل الرأي الآخر، وأن عليه أن يساعد سكان المخيمات في التحرر، لكن، رغم وضوح سلوكات البوليساريو، خاصة بعد ما تعرضت له، مازال هناك تلكؤ في اتخاذ مواقف داعمة لنضال أهلنا في المخيمات من أجل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. مباشرة بعد اختطافكم من قبل البوليساريو، جاب عشرات الآلاف من المواطنين الشوارع في المغرب وعبر دول عدة للمطالبة بالإفراج عنكم، كيف كان وقع تلك المسيرات والمظاهرات في نفسية من كانوا يحتجزونكم؟ - كنت مغيبا ومعزولا عن العالم الخارجي طيلة فترة اعتقالي.، كنت مع قوة عسكرية متنقلة بين الوديان والجبال، وممنوعا من الاستماع للإذاعة (المصدر الوحيد للأخبار في الخلاء)، ولم يسمح لأحد بزيارتي، لذلك لم أطلع على نضالات أحرار العالم في المغرب وخارجه من أجل الإفراج عني، لكن تلك الوقفات وذلك الضغط، الذي شمل الكثير من دول العالم، كان سلوان والدتي الوحيد، فقد كان ما تشاهده على شاشات التلفاز من تضامن معي يشعرها بالفخر، وبأنه لن يصيبني مكروه مادامت الملايين خرجت تضامنا معي . كيف كانت ظروف الاعتقال؟ وهل كنتم منعزلين عن العالم الخارجي؟ الأمر لم يكن اعتقالا، بل كان شبيها بعمليات الاختطاف، التي تقوم بها المنظمات الإرهابية، فقد حصل توقيفي في الخلاء من قبل قوات عسكرية، وبقيت تلك القوات تجوب بي الصحراء مختبئة في أمكنة وعرة تتنقل في الظلام دون أضواء، ولم أر بناية واحدة طيلة فترة إخفائي، أمضينا فترة 71 يوما تحت الأشجار وفي الجبال ليلا ونهارا. وحتى عندما وقع الإفراج عنا، كان مثل الإفراج عن الرهائن، إذ أتت بي قوة من البوليساريو قوامها ثلاث عشرة سيارة تويوتا ذات دفع رباعي إلى جبال بين موريتانيا والصحراء، جاءت سيارات للجيش الموريتاني مرفوقة بسيارات مفوضية غوث اللاجئين، وقع تسليمي لهم في الخلاء. ما هي الشروط التي جرى فيها الإفراج عنكم؟ وما هو دور المفوضية السامية لشؤون اللاجئين؟ كانت البوليساريو تسوق في الخارج بأنها ستقدمني إلى محاكمة عسكرية، وصرح العديد من قيادييها بذلك، ووصلت حتى حد دعوة الصحافيين لحضور المحاكمة المزعومة، وقالوا لي الشيء نفسه، ولما أرادوا بدء إجراءات التحقيق القضائي مع الوكيل وقاضي التحقيق العسكري، رفضت الأمر، وربطته بحضور محام وبتوصلي برد من الأممالمتحدة حول أهلية البوليساريو في محاكمتي فوق أراض متنازع عليها، وهي مازالت منظمة، وإذا كان يجوز لها ذلك، فكيف ستطبق علي قانونا لم يستفت عليه الصحراويون؟ لاحظت أنهم يماطلون لربح الوقت في انتظار إيجاد مخرج. وبدأوا يساومونني حول العمل كجاسوس لصالحهم أو التراجع عن تصريحاتي، ولما يئسوا، قرروا إبعادي. أخبرني أحد ضباط الاستخبارات أن البوليساريو قررت الإفراج عني وتسليمي لمنظمة دولية، وأن مفوضية غوث اللاجئين سيتصلون بي عبر الهاتف الذي يحمله الضابط. ولما استفسرته عن الأمر، قال إنه عبد مأمور، وأن كل ما يعرفه هو أنهم قالوا إنهم يخشون أن يغتالني المغرب، وتتهم البوليساريو بذلك، لذلك عليهم تسليمي لجهة ثالثة، قلت له إنني كنت معتقلا لأني عميل للمغرب واليوم تخشون علي من المغرب؟ وإني مستعد للتوقيع لهم بأن أي مكروه يصيبني بسبب المغرب فأنا أتحمل مسؤوليته عنهم، وأن البوليساريو إذا كانت عاجزة عن حماية شخص واحد، فكيف ستكون وتحمي الدولة التي تطالب بها، لكنه أصر بأنه حامل رسالة، وأنه أوصلها، وأن مفوضية غوث اللاجئين سيتصلون بي في الصباح. فعلا، اتصل مكتب مفوضية غوث اللاجئين وقالوا إن الجزائر أخبرتهم بأنها لم تعد ترغب بي فوق أراضيها، وأنهم يسألوني أين أريد أن أذهب. أجبتهم بأني موجود على مسافة 30 كلم من مسقط رأسي في الصحراء، وموجود في أرض آبائي وأجدادي، التي تديرها البوليساريو، ولست في حاجة للبحث لي عن ملجأ، وأصروا أن أعطيهم خياراتي ( تحديد ثلاثة بلدان)، وانقطع الاتصال معهم، على أن يتصلون بي قريبا. بعد يومين، لاحظت أنه لم يتغير شيء من معاملتي، فمازلت معتقلا، فطلبت رؤية عائلتي ما دمت أصبحت بحكم المفرج عنه، و جاء الرد بأن البوليساريو لم أعد أعنيها في شيء، وأن علي أن أقدم طلباتي إلى مفوضية غوث اللاجئين، وبعد أن عرضت رؤية عائلتي على المفوضية، طلبوا مني مهلة حتى يستشيروا البوليساريو، وجاء ردهم بأنهم لا يستطيعون تنظيم زيارة لعائلتي، حيث كنت موجودا، وعندها رفضت الحل المعروض، وقلت للبوليساريو إني أريد الاتصال بمحام، فبعثت البوليساريو إلي أحد قادتها للمفاوضة وعرض علي حلين، القبول بالنفي عن طريق مفوضية غوث اللاجئين، أو التصفية الجسدية بطريقة أو بأخرى. فالوضع بالنسبة لهم لم يعد يحتمل التمديد، وأنهم لن يسمحوا بأي شكل من الأشكال أن أعود إلى المخيمات لأهدم ما بنوه طيلة عقود (بهذه العبارة)، وأنهم مستعدون لتحمل العواقب، فهم مجرد منظمة، وليست لديهم التزامات دولية، وأن الأمر إن حصل، فسيبدو حادثا من قبيل لسعة أفعى أو عقرب سام أو أي شيء. وقالوا إن مفوضية غوث اللاجئين سيتصلون بي وبأن لديهم عرضا بشأن العائلة، وفعلا، اتصل مكتب المفوضية وأخبرني بأن البوليساريو تريدهم أن يأتوا إلي حيث أنا موجود، كي يثبتوا، بزيارة المناطق التي تسيطر عليها بأنهم أصحاب سيادة، وهذا ليس من اختصاص المفوضية كمنظمة، بل منظمة الصليب الأحمر، فلا تستطيع المفوضية دخول أراض ليست تحت سلطة دولة من دول الأممالمتحدة. وعرضوا علي أن أقبل المجيء معهم إلى موريتانيا، كي نتناقش وجها لوجه، وأنهم في موريتانيا سيحضرون لي عائلتي، وكنت أخبرتهم بخياراتي في اللجوء، وعلى رأسها إسبانيا. وقع رفض طلب اللجوء لإسبانيا الذي تقدمتم به، علما أن السلطات الإسبانية تمنح جنسيتها للعديد من الصحراويين، هل أنتم خارج إحصاء 1974؟ أنا من قبيلة الرقيبات- لبيهات، عرش أهل سيدي عبد الله موسى رقم A-44، والدي أحد شيوخ القبائل الصحراوية المنتخبين من قبائلهم سنة 1974، كان يحمل بطاقة تعريف إسبانية رقمA-4427060، وجواز سفر إسباني رقم C747776، وشارك في عملية تحديد الهوية. ورقمي في سجل الإحصاء الإسباني سنة 1974 هو A440310، ورقمي في سجل إحصائيات تحديد الهوية هو 109893. من برأيكم يعرقل تسوية ملف مصطفى سلمى؟ - قال لي أحد قادة البوليساريو حين كنت مختطفا عندهم، بأني دخلت في لعبة دولية أكبر مني، وتصرفت ضد رغبة حتى الدول الكبرى، التي لا تريد أي نوع من التصعيد، ولم أفهم ما قال لي إلا بعدما عشت العراقيل التي أعانيها الآن، فلم أعد أعرف ما هو الباب الذي يجب علي أن أطرقه لتسوية قضيتي، لذلك، ربما من الأفضل أن تغير سؤالك إلى من يريد لقضيتي أن تسوى؟ لأنهم أقلية. أنتم في عامكم الرابع في المنفى في موريتانيا، ما هي معاناتكم في بلد المنفى المؤقت؟ - تخيل نفسك مجبرا على العيش في بلد لا تعرفه، و حتى لو كان المجتمع الموريتاني قريبا من مجتمعي من حيث الثقافة، فأنا أبقى غريبا، وما يزيد الأمر مرارة، هو أن عائلتي ممنوع عليها الإقامة معي في هذا البلد، وممنوع علي السفر خارجه. هناك من يقول إن ملف مصطفى سلمى جامد مثل جمود ملف الصحراء، لمن تحملون مسؤولية هذا الجمود؟ لمفوضية غوث اللاجئين دون غيرها، فأنا أحمل بطاقة لاجئ مسجل لديهم، وفي عرفهم، فالصحراء منطقة نزاع، وسكانها لا جنسية أصلية لهم، وبالتالي، لا يوجد بلد مسؤول عنهم، ونحن تحت ولايتها القانونية. عندما التقيتم روس وعرضتم عليه حالتكم ماذا كان رده؟ - التزم لي السيد روس، بعد نقاش عميق، بأن يجد مع الجهات المعنية حلا لقضيتي في أحد الاحتمالات الثلاثة التالية، تقبل فنلندا بي وبعائلتي، مع تمكيننا من حقنا في التنقل بكل حرية، أو تقبل الجزائر بعودتنا إلى المخيمات، لأنضم لأسرتنا وأهلنا هناك كما كنا، ودون شروط تحد من حريتنا في التعبير عن الرأي، أو يقبل المغرب أن نعيش فوق أراضيه، مثل كل الصحراويين المؤيدين والمعارضين له، دون شروط تحد من حريتنا في التعبير عن رأينا. والتزم السيد روس بأنه سينظر في الأمر في جولته الحالية، ولم ألتق به حتى أعرف أين وصلت مساعيه. في حديثكم مع روس، هل تحسون بأنه ملم بتفاصيل قضية الصحراء؟ السيد روس مستمع جيد، ولم يفصح عن رأيه في اللقاءين السابقين معه. في أي خانة يضع روس الموقف الجزائري؟ روس لم يصرح بشيء، لكنه قام بحركات هي أقرب لخدمة الجزائر منها للمغرب. استمرار مشكل الصحراء يخدم مصالح فئة معينة في مقدمتها حكام الجزائر، هل هناك أطراف دولية متورطة برأيكم في إبقاء الوضع على ما هو عليه؟ كل الدول التي لديها مصالح في المنطقة، فقضية الصحراء ورقة ابتزاز جيدة للمغرب والجزائر، فمقابل موقف داعم لطرف عليه أن يدفع ثمنا، وقد لا نتصور حجم التدخلات في هذا الملف بحكم بعدنا عن كواليسه، لكن، حسب مبادئ العلاقات الدولية اليوم المبنية على المصلحة، فدول مجلس الأمن زائد إسبانيا ستكون كلها ترى في قضية الصحراء خدمة لها بطريقة أو بأخرى. كلمة من مصطفى سلمى للصحراويين المستوطنين في مخيمات تندوف؟ فرج الله كربهم، وفك أسرهم النفسي، وسهل طريق عودتهم إلى أرضهم، وحقق رخاءهم فيها، تعويضا عن سنين الحرمان، التي عاشوها، ولن ينفعهم الدعاء وحده، وأثق في قدرتهم على تحرير أنفسهم، ولا أرى ذلك ببعيد.