قيادي بالبوليساريو يرفع التحدي في وجه الجبهة أعلن مصطفى ولد سلمى سيدي مولود، أحد مسؤولي جبهة البوليساريو، والقيادي بجهاز الشرطة بالمخيمات (مفتش عام) أن أفضل خيار لإنهاء النزاع في الصحراء، لا يوجد إلا في مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب، وصرح أنه سيكون أحد المدافعين عن التفاوض حول هذا المقترح الذي يضمن، بحسبه، مصلحة كل الصحراويين. وشدد المسؤول عن جهاز شرطة البوليساريو، في ندوة صحفية اختار عقدها في مسقط رأسه بمدينة السمارة، التي غاب عنها لما يزيد عن ثلاثة عقود، بالقول «إنني لا أرى أي خيار سوى خيار الحكم الذاتي، وسأكون مستعدا للتفاوض على هذا الموضوع، وسأذهب إلى مخيمات تندوف للترويج لهذا المقترح، الذي يضمن لكافة الصحراويين كرامتهم». وانتقد مصطفى ولد سلمى سيدي مولود، سليل عائلة تنحدر من قبيلة الركيبات لبيهات، ونجل أحد أعضاء المقاومة وجيش التحرير بالجنوب، انتقد ما أسماه ضعف أعضاء قيادة البوليساريو، الذين وصف أغلبهم ب «الموظفين» لأن القيادة لا يمارسها إلا ثلة من الأشخاص اختاروا بحبوحة العيش ورغدها على حساب مآسي المحتجزين في المخيمات، في ظروف مأساوية يعلمها الجميع. ولا تتوفر لديها المقومات الكافية لقيام دولة منفصلة، ما دامت لا تستطيع حتى حماية نفسها. وأكد مصطفى ولد سلمى سيدي مولود الذي يعتبر «مكون ومهندس جهاز شرطة البوليساريو» على أن ما يسمى قيادة البوليساريو مجرد أشخاص «غير مسؤولين» لأنهم اختاروا الاغتناء والعيش في الرفاهية والنعيم، فيما بقية سكان المخيمات، الذين يعيشون في أسوإ منطقة سكنية في العالم، يعانون شظف العيش ويتكبدون المشاق والصعاب في أرض قاحلة لا ترحمهم. مضيفا بأن الذين يتحكمون في زمام الأمور بالبوليساريو ليس من مصلحتهم إنهاء النزاع لأن ذلك يحقق لهم أطماعهم الشخصية. وبدا في حديثه بعض من المرارة، وكثير من الشجاعة وصحوة الضمير، عندما اعترف قائلا: «لما كنت في المخيمات، كنت أرى فقط بعين واحدة و أسمع بأذن واحدة، والآن أصبحت أرى بعينين اثنتين وأسمع بأذنين اثنين»، في إشارة إلى أنه كان أسير الأفكار والأطروحات الانفصالية، التي لا يوجد سواها في تندوف. ثلاثة عقود من الزمن أمضاها مصطفى ولد سلمى سيدي مولود بمخيمات تندوف، اختطف في نهاية السبعينات من مسقط رأسه بمدينة السمارة، وانتزع من فصول التحصيل بالمدرسة الوحيدة آنذاك بالمنطقة، وهو لم يتجاوز ربيعه التاسع، واقتيد قسرا إلى تندوف، بعد أن دمر بيتهم بواسطة قذيفة يؤكد أنه لا زال إلى الآن يجهل مصدرها، أصيب على إثرها والده بجروح، ولقي أربعة أشخاص مصرعهم جراءها، واختطف هو ووالدته وإخوته ليقتادوا قسرا إلى الخلاء يواجهون مصيرا مجهولا ظل يتمدد يوما بعد يوم وسنة بعد سنة ولازال هذا المصير مجهولا إلى الآن ولم تتضح معالمه بعد. وبشجاعة كبيرة ونكران ذات قل نظيره، أعلن أنه لا يخشى عواقب قراره، ومستعد لأي مصير سيلقاه أثناء عودته إلى المخيمات، حيث ترك زوجته وأولاده وأصدقاءه الذين ينتظرون عودته. وبشجاعة نادرة أيضا، قال هذا القيادي بجبهة البوليزاريو بكلمات مرتجلة خلال الندوة الصحفية التي عقدها على مرمى حجر من تندوف، وهو يتصبب عرقا من حرارة الجو القائظ، وهو حتما يتذكر آلاف السكان المحتجزين هناك وسط الصحراء، في مثل هذا الوقت من السنة، حيث يستحيل العيش؛ (قال) «أريد أن ألعب دور الوسيط بين هذه الضفة والضفة الأخرى، أحمل على عاتقي أمانة سأوصلها إلى العديدين من أمثالي الذين لا يعرفون أي شيء عن المبادرة المغربية بحكم الطوق الأمني والاحتكار الكبير للمعلومات من طرف القيادة الحالية، التي لا تؤمن إلا بما يخدم مصالحها». وهي القيادة التي وصفها ب «المعزولة» أكثر منها قيادة شعبية، مضيفا أن أغلب أعضائها لا ينتمي للعائلات العريقة في الصحراء، معتبرا أن المصلحة الوطنية التي لا ينفك البوليساريو يتشدق بها «مجرد كذبة كبرى». ولا سبيل، بحسب قوله، إلا بتحلي الصحراويين، سواء كانوا مقيمين في المغرب أو في المخيمات ولا حتى في موريتانيا، باليقظة وبنبذ الحسابات الضيقة، والاقتناع بأن الحكم الذاتي هو الخيار الذي يضمن لهم حقوقهم وكرامتهم، «فلا أرض لنا للقاء سوى هذه الأرض وهي أرضنا ولن نفرط فيها. ولا يوجد أحد يمكنه الادعاء أنه لوحده يمثل الصحراويين كافة»، حسب تعبيره. وما جعل مصطفى ولد سلمى سيدي مولود يقتنع بجدية المقترح المغربي لمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا هو أنه «يمنح ذلك التميز الذي يبحث عنه الصحراويون» ولا يفرض لا الانفصال ولا الاندماج، ولا ينتصر لهذا الطرح ولا لذاك. وحينما تغيب الحسابات الضيقة، وحين ترفع دول أخرى يدها عن الموضوع سيتفق الصحراويون حول ما يخدم مصلحتهم. وللوصول إلى هذه القناعة الكبيرة، كان لزاما على «الفيزيائي» و»الشرطي» أن يكسر ما أسماه الحاجز النفسي والإحراج الكبير مع الذات لنبذ الصورة المترسمة في ذهنه منذ الصغر التي يتجاذبها الانفصالي والخائن والمستعمر. وشدد مصطفى ولد سلمى سيدي مولود على أنه يمد يده، ومثله كثيرون بالمخيمات، للتفاوض على أساس المقترح المغربي للحكم الذاتي، و»لن ننتظر حتى تتحقق مصالح أي طرف، سواء كانت الجزائر أو إسبانيا أو فرنسا، ولا وصياية لأحد علينا»، حسب قوله. وحول عزمه على العودة إلى تندوف، أصر بأنه «يريد أن يختبر ديمقراطية البوليساريو التي تتشدق بها، والتي تمطر سكان المخيمات بأن المغرب ليس بلدا ديمقراطيا». وبتهكم شديد، تساءل المتحدث: كيف يحق لأي كان أن يقصي صحراويا مشاركا في المفاوضات إلى جانب الوفد المغربي، ويحفظ لنفسه فقط بتمثيلهم، وأكد أن خطوته وإن كانت تنطوي على مخاطر إلا أنه مصمم العزم على تنفيذها. واستغرب في ذات الوقت كيف أنه استطاع التجول في المغرب من أقصاه إلى أقصاه دون أن يسأله أحد عن هويته، وهو الأمني المحنك، فيما يعني أن مقولة المغرب بلد بوليسي التي يروجها البوليساريو ليست سوى مزايدات لتشويه صورته لدى سكان المخيمات.