طلب مني الزميل والصديق العزيز أحمد نجيم (وهو من لا يرد له طلب) أن أكتب شيئا عن الرحيل.. رحيل الزميل الصحافي الأنيق حكيم عنكر.. فاعتذرت لأحمد وقلت له إنني لا أستطيع.. لا أستطيع أن أكتب ما يشبه الرثاء لهذا الكاتب النبيل.. وهل كان الراحل سيحب مني هذا الرثاء؟ وهل كان أصلا يحب الرثاء؟ وكيف أجرؤ على الكتابة عن حكيم؟ من أنا حتى أفعل؟ أين أنا منه بين زملاء هذه المهنة؟ هل يصح أن أتقدم للتصدي لذلك وأتجاوز من هم أقرب مني إلى هذا الدكالي الأصيل؟ لا أعرف الكثير عن حكيم.. فليست لي عنه سعة معرفة أحمد نجيم نفسه وعبد الواحد ماهر والمصطفى أزوكاح وحميد زيد.. لكن ما أعرفه عن عنكر شيء واحد.. لكنه لا يخصني وحدي.. فهو واضح يدركه كل من يمتلك فراسة وقادته الصدفة يوما إلى قراءة نقد أو تحليل أو محاورة لكاتب أو مفكر.. من قبل هذا المثقف الذي يكتب بعمق دون ادعاء.. (ما أعرفه عنه) هو أنه واحد من الصحافيين الذين يكتبون بصدق.. فقط لا غير.. ذلك هو رأسماله وتلك هي بضاعته.. فهو لا يبيع الكلام للقراء.. مثلما لا يخون في واقعه ليلا ما ترقنه أنامله نهارا.. باختصار.. لقد كان حكيم عنكر من نبلاء هذه الصحافة.. لا تستطيع أن تجد مسافة بين مقالاته وحياته.. يلقاك ببشاشة في مكتب العمل أو حين يدعوك إلى جلسة شاي بالبيت أو بإحدى مقاهي مركز الدارالبيضاء.. ويتحدث معك بأناقة.. تماما مثلما يكتب بأناقة.. الصراحة والعفوية والبساطة هي التركيبة التي يخلطها حكيم فيعيد بناءها بما توفر لديه من معلومات ويحيكها ببراعة فينسج منها مقالات من حروف وكلمات تنبض بالحياة والمشاعر الصادقة.. كلمات ليست ككل الكلمات.. وما أكثر الكلام وأعذبه.. لكن ما أقل أصدقه في هذا الزمان.. نعم فحكيم يكتب بمشاعره قبل أن يكتب.. تحليلا أو رأيا أو خبرا أو بورتريها.. حيث تجد الحدث وقد اختلط بالتعليق والوقائع وقد امتزجت بالمواقف.. السخط والفرح.. الوصف والنقد.. الاستياء والابتهاج.. لا فرق بين الذاتي والموضوعي ولا مجال للحياد في كتابة عنكر.. الذي دخل هذه المهنة من باب الأدب فتألق فيها وتأنق.. نعم لقد رحل الصحافي الذي حاور على طريقته السياسيين والكتاب والأدباء.. حتى الأموات منهم.. ألا تصدقون ذلك؟ ألا تصدقون أنه مات؟ لقد مات.. فاجأ الجميع وفعلها.. أم أنكم لا تصدقون أنه حاور حتى الأموات من كبار الكتاب والأدباء؟.. قد تستغربون لذلك لكن حكيم كان يفعل.. إن كنت لا تعرف هذا الصحافي الأنيق.. ولا أحدا من أصدقائه وزملائه المقربين.. لا تعرف أي أحد ممن يحكي من القلب عن صاحب القلب الكبير.. بصراحة وعفوية مثل عفوية حكيم التي لم ينل منها بريق أضواء البيضاء ليلا ولا الورق الصقيل للمجلات الخليجية.. وحتى إن كان من رأى ليس كمن سمع وقرأ.. عن عنكر.. فلا بأس إذن من التوسل بمحرك البحث غوغل.. يكفي فقط أن تضع اسم حكيم عنكر لتعرف أي نوع من الناس غادر دنيانا هاته ليلة أمس بسبب هذا الفيروس القاتل.