بينما كنت أشاهد حلقة برنامج "ملف للنقاش" على قناة ميدي 1 سات ككل يوم أحد والتي استضافت القناة خلالها السيد مصطفى الخلفي عن حزب العدالة والتنمية ومجموعة من الضيوف من أحزاب أخرى. فاجأني جواب السيد وزير الاتصال الجديد و الناطق الرسمي باسم الحكومة على سؤال مقدمة البرنامج يتمحور حول الأسباب التي جعلت حزب العدالة والتنمية يتخلى على الحقائب الوزارية المهمة وفي مقدمتها حقيبة المالية. فالسيد الوزير الذي يمثل الحزب الذي فاز بالانتخابات وبثقة المغاربة ضرب بعرض الحائط هذه الثقة عندما اعتبر في جوابه أن حزبه كان مضطراً للتخلي عن حقيبة المالية لأسباب مرتبطة بالمفاوضات وضرورة إعطاء حزب الاستقلال "حقيبة محترمة ومعتبرة" حسب تعبير السيد الوزير، وكأن الحقائب الأخرى ليست بمحترمة وتنقص من قيمة الأحزاب التي ستتحملها.
رد فعل أولي على جواب الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة : منذ متى كانت هناك حقائب محترمة وأخرى غير محترمة ؟ وماهو المقياس الذي استعمله السيد الوزير لقياس مدى احترام كل وزارة ؟ متى سيدرك السيد الوزير أن هم المغاربة و تطلعاتهم مرتبطة بالأساس بالوزارات التي يعتبرها غير محترمة كالشغل والشباب والرياضة وتحديث القطاعات والصناعة التقليدية؟ متى سيفهم سعادة الوزير المحترم أن الهيكلة الحكومية المبنية على المصالح وإرضاء الخواطر هي التي تكرس لذا المغاربة شعورهم باللامبالاة وفقدان الثقة؟
وإذا كان حزبكم المنتشي بهزمه لأشرس منافسه قد أعطى المالية لحزب الاستقلال لحفظ ماء وجه الحزب الحليف، فليشرح لنا حزبكم أسباب تخليه عن حقائب الشغل والصحة والتعليم والسكنى.
هل هو إخلاء مسبق للمسؤولية أم هي الوصفة السحرية التي مكنتكم من جمع تلك الأغلبية العجيبة بين الإسلامي والتقدمي والفاسد والمستقل؟! و كيف ستشرحون للمغاربة تخليكم عن وعدكم أمام المواطنين في أول امتحان ؟ أم اكتشفتم أخيراً أن الشعبوية التي تجلب الأصوات لا تكفي لتسيير البلاد وضرب الفساد !!
المشكل اليوم ليس في حزب العدالة والتنمية الذي فاز بالانتخابات، فنحن كمغاربة نحترم مبادئ الديمقراطية وخيار المغاربة عبر صناديق الاقتراع. لكن مالا نفهمه هو تراجع الحزب عن وعوده. فالحزب تحدث عن تقليص عدد الحقائب والانتهاء من وزارات السيادة و أخذ الحقائب الاجتماعية، وفي نهاية المطاف قدم الحزب تنازلات ونقض وعوده. وحتى عندما تحدث السيد بنكيران للقناة الأولى بعد تعيينه قال بالحرف "واش كينا شي حكومة بلا امرأة ؟!!!"، وإذا بنا نتفاجأ يوم تعيين الحكومة بقاعة العرش بامرأة واحدة في الحكومة مبررين ذلك بالكفاءة وكأن المغرب لا يتوفر على كفاءات نسوية ساهمت في إشعاع البلاد وتقدمه في عدة مجالات.
على الإخوة في العدالة والتنمية أن يفهموا أن التهميش الذي طال المرأة خلال تشكيل الحكومة هو نكسة وتراجع كبير عن مكتسبات الحركة النسائية وضرب بعرض الحائط بالفصل 19 من الدستور الجديد الذي ينص على المناصفة. يجب على الإخوان الذين يقودون الحكومة اليوم أن يفهموا أن تسليم السلط قبل التنصيب هو ضرب في روح الدستور الجديد وليس أمراً شكلياً. فالثورات قامت في جميع دول العالم وفي دولنا العربية من أجل التخلص من الدكتاتوريات وسن دساتير و قوانين تضمن الكرامة والمساواة، هذه الدساتير هي ما تعتبرونه اليوم مجرد شكليات يجب تجاوزها وعدم التركيز عليها.
أتمنى أن يكون التصريح الحكومي في مستوى تطلعات المغاربة وأن نتجاوز مرحلة التمني لنجعل الوعود حقيقة ونصل بالبلاد إلى بر الأمان ليجد السيد الناطق الرسمي باسم الحكومة هذه المرة أجوبة مقنعة على أسئلة المغاربة.