عادي. عادي جدا أيها المزلوط. هذا الفيديو الذي تفرجت فيه. وحقدت على الذين يظهرون فيه. عادي جدا. فماذا كنت تتوقع أن يشربوا في ذلك اليخت. وستكون غبيا لو طلبت منهم أن يشربوا اللبن. أو صيكوك. وتخيل معي أيها المفلس تخيل أن يكون لك يخت. وتكون لك ثروة. وتكون معك الراقصة مايا. وتحتفل بكرع كؤوس الحليب. أو الشاي الساخن. هذا لا يجوز. ولا يستقيم. ومرفوض. إذ لا تحلو مثل هذه المتع. إلا بتلك الأشربة التي شاهدتها. حمراء. وشقراء. وممزوجة. وبكل الألوان. ومدوخة. وإذا كان هذا هو المشكل بالنسبة إليك وتحتج على كؤوس النبيذ. فهذه حياة خاصة. وما عليك إلا أن تشرب ما يحلو لك. وتترك الآخرين يشربون ما يحلو لهم. هذه هي الحياة. وتختلف فيها الأذواق. والقناعات. والإمكانات. وكل واحد حر في ممارستها بالطريقة التي يريد. عادي. عادي جدا أيها المزلوط. وأتفق معك أن الفيدو مثير. ومستفز. ويجعلك تحقد على أصحابه. لأنك لست بينهم. ولأنه الصهد. ولأننا محاصرون. ونحتاج إلى ورقة من الباشا. ولنكن صرحاء. لنصارح بعضنا البعض يا مزاليط المغرب الأحرار. فلا يمكن أن يكون لك يخت في شاطىء القادوس بعين السبع. ولا في مريزيكة. ولا في النحلة. ولا في سيدي موسى مطلا على "سناك بوشعيب". وعلى السمك الرخيص المقلي. اليخوت وجدت لتكون في البحر الأبيض المتوسط. هذا هو مكانها. وقد صنعت ليحتفل فيها الناس. وليتمتعوا. وليرقصوا. لمن استطاع إلى ذلك سبيلا. كما أنه لا يمكن للراقصة مايا أن ترقص في بار مليكة. هذا غير مقبول. فالفضاء لا يسمح من جهة. والزبناء غير مستعدين لأن يدفعوا لها من جهة ثانية. وهمهم هو توفير قنينة كروان. وهمهم هو زجاجات ستورك. عادي. عادي جدا يا مزاليط المغرب. ولنتفق أولا أنهم موجودون. لنتفق أن الأغنياء يعيشون في المغرب. ولهم ثروة كبيرة. وكما يوجدون في كل العالم. فلنا نحن أيضا نصيبنا منهم. وكلما كان عددهم كبيرا كلما تقدم المغرب. وقل المزاليط فيه. ومن الأثرياء من له يخت. ومن له طائرة خاصة. أما إذا كنتم ترفضون وجودهم في المغرب. إما إذا كنتم تطالبونهم بأن يكفوا عن إغاظتنا. وأن يكونوا فقراء. وأن يحزنوا. ويبتئسوا. وبدل دعوة مايا. يأتون بنائحات. وبنادبات. وبشاقات جيوب. أما إذا كنتتم مع بلاد كلها مزاليط وبؤس فهذا نقاش آخر. وبما أنكم تفرجتم في الفيديو. وبعضكم سال لعابه. وبعضكم صرخ. وبعضكم تألم. وقال ما هذا. ما هذه الحياة الجميلة يا رب. وبعضكم تزعزعت عقيدته. فإني على أي حال أتفهم هذه الصدمة. وأثرها عليكم في هذا الحر. وفي عز كورونا. وقد يكون هذا هو ما يسمونه الحقد الطبقي. لكني لم أستوعب صراحة سبب كل هذا الغضب. وهذا الإصرار على أن يكون من في اليخت هو التراب. وهل بسبب البحر. وهل بسبب الراقصة مايا. وإن لم يكن الشخص الذي في الفيديو هو مصطفى التراب. فهل ستتنفسون حينها الصعداء. وهل ضروري أن يكون هو. هل وجوده في اليخت ضروري كي نشجب. ونحتج. ونبكي. ونتوجع. وكي نردد شعار جوج بحورا والفوسفاط. وإذا كان من لوم وإذا كان من عتاب في هذه القصة فهو للراقصة مايا التي صدعتنا بنصائحها وبانتقاداتها وبمشاركتنا لكل همومها أما حين تكون في يخت مبللة بالماء غير محترمة للتباعد الاجتماعي ومستمتعة فهي لا تفكر فينا. وتميز بيننا. ولا ترقص لكل المغاربة على قدم المساواة. ولا تتحدث معنا. وتنسانا. وترقص. وترقص. كأنها ليست في هذا العالم. وهذا المغرب. وكأننا لا نحب الرقص. ولا نستمتع به. وكأن لأصحاب اليخوت فقط. وكل هذا الغضب الذي عشناه. وكل هذه الاحتجاج. وكل هذه الرغبة الجامحة في أن يكون مصطفى التراب في اليخت. وليس أحدا غيره هي بسبب الغمة المغربية غالبا وبسبب عدم اهتمام الدولة بنفسيتنا وبسبب إصرار الحكومة على إفزاعنا كل مساء بعدد الحالات الإيجابية. وبعدد الموتى وبصور رجال السلطة وهم يطوقون الأحياء بالحواجز الحديدية كأن فيروس كورونا لص خطير. يسعون إلى القبض عليه. ومحاصرته. ولو كان المسؤولون ينقلون لنا مثل هذه السهرات في التلفزيون الرسمي وكل مرة من يخت ولو كانوا عودونا على الحياة في اليخوت ولو كانوا ينقلون لنا مايا ويقربوننا منها وهي ترقص لما برز فينا كل هذا الحقد. ولما أصبحنا متوترين نكره الجمال والبحر والرقص. ونرفض وجود الأثرياء. ولما وقع سوء الفهم هذا ولما ظهر كل هذا الإصرار منا على أن يكون صاحب اليخت هم مصطفى التراب كي ينسجم الإيقاع وكي نتحدث عن الفوسفاط وعن البحرين. ونتألم. ونحزن. ونندب حظنا. ونتمتع بحياتنا البئيسة في الصيف. في انتظار الخريف. والدخول المدرسي. وتسطيح المنحنى الذي تجاوزناه. والذروة التي قفزنا عليها. والموجة الثانية التي تداخلت مع الأولى عادي عادي كل ما يحدث في المغرب عادي وطبيعي.