[email protected] ///// يواصل عدد من ضحايا التعذيب على يد البوليساريو البوح بالإنتهاكات الجسيمة التي تعرضوا لها، وقصّ أحداث فظيعة ظلت راسخة في أذهانهم منذ سبعينيات القرن الماضي، مشاركين قصصهم المأساوية مع الأوساط المحلية في الصحراء. ومن بين أكثر الشهادات مرارة وألما ما رواه أحدث ضحايا جبهة البوليساريو الملقب ب”بريطانيا” ويتعلق الأمر ببداهي محمد الذي إستهل شهادته في تسجيل صوتي بسرد كرونولوجيا وصوله رفقة أسرته للعيون وحياته بحي “لبوركو”، ومشاركته في إنتفاضات سنوات 1971 و 1972 و1973 ضد الإحتلال الإسباني آنذاك قبل المسيرة الخضراء. ويحكي “بريطانيا” بعد سنة 1975 أنه إلتحق بالعاصمة الإسبانية مدريد بمعية شباب آخرين من مدينة تطوان على متن مركب، حيث وصلها ليجد في إنتظاره أشخاصا آخرين اوهموه بتأمين رحلة جوية من العاصمة مدريد نحو العاصمة الليبية طرابلس عبر مطار العاصمة الجزائر سنة 1985، وذلك بحثا عن رحلة علم قد تمكنه من الحصول على عمل. ويروي “بريطانيا” في التسجيلات الصوتية التي تتوفر عليها “كود”، كيف إنتهى به المطاف من مدينة مدريد إلى الجزائر ثم تندوف، اين بدأت رحلته الماساوية بسجون البوليساريو بتهم واهية ترتبط أساسا بالخيانة وأخرى يسهل تثبيتها في حق الصحراويين الأبرياء للنيل منهم في تلك الحقبة على يد جلادين تخلصوا من عباءة الإنسانية لإرضاء ساديتهم. ويحكي “بريطانيا” في التسجيل الصوتي مغالبا دموعه أن أسوء يوم في حياته هو ذلك الموافق للخامس من مارس سنة 1985، بعد وصوله للرابوني بمخيمات تندوف، حيث أخذه شخصان في رحلة موت بطيء عانى خلالها الأمرين وواجه أصناف تعذيب تفنن جلادوه فيها دون رحمة، جلادون يتغذون على الدم يعيشون ويرقصون على رفات موتاهم دون شفقة. ويتحدث “بريطانيا” أن شخصين ويتعلق الأمر بجلادين يدعيان “عويلي ولد المصطفى” أخ زعيم جبهة البوليساريو الحالي ابراهيم غالي، والمدعو الشريف أحمد، قد أخذاه في ذلك اليوم المشؤوم دون الإفصاح عن مخططاتهم للزج به في حفرة بسجن الرشيد، حينها ولدى الوصول لتراب ولاية السمارة أشهر المدعو الشريف أحمد مسدسه في وجهه مطالبا إياه بالإستلقاء لتكبيله، وهو الأمر الذي حسبه الضحية دعابة قبل أن يُقدم الجلاد على ضربه بشاحن المسدس على الوجه حد سيلان الدماء منه، ليعمل الجلادان على تكبيل يديه وأرجله تحضيرا لحصص تعذيب لايمكن وصفها. ويروي المتحدث أنه وجد في إنتظاره لدى وصوله لسجن الرشيد كلا من الجلادين سالازار وامبيارك ولد خونا ومجموعة أخرى قاموا بتجريده من ملابسه وعرضوع لحصص جلد وتعذيب وضرب بالعصي وجحيم لا يتقبله العقل البشري، ليدخل في غيبوبة قدرها المتحدث بخمسة أشهر. ويسرد المتحدث أن فترة غيبوته تلك خُيل له فيها أنه كان في عالم آخر يسوده السلم والأمن ويتحدث مع أشخاص لونهم أخضر “نعناعي”، مشيرا أن إستفاقته من تلك الغيبوبة كانت على وقع صفعة تعرض لها على يد أحد الجلادين، مبرزا أنه ظل موثوق اليدين والرجلين لمدة خمس سنوات متتالية في وضع إنساني يرثى له بحفرة كالقبر. ويضيف “بريطانيا” أن إستفاقته من تلك الغيبوبة كانت بمثابة فترة فقَدَ فيها عقله قبل أن يعود للحياة على وقع الصفع الذي تعرض له، حيث تم تحميمه والتوجه به لغرفة أخرى أين وجد في إستقباله جلادين جددا كانوا يعرضونه للجلد لساعات طويلة يتبادلون فيها الأدوار كلما أحس أحدهم بالتعب، وهي الفترات التي كان يفقد فيها الضحية الإحساس ويتعرض فيها للإستنطاق حول مواضيع لا شأن له بها، إذ ظل الضحية مرغما على تأليف القصص والروايات سعيا لتفادي التعذيب الذي يتعرض له دون ذنب إقترفه. ويسرد “بريطانيا” في التسجيلات الصوتية، أن جلاديه الخبراء في النيل من الإنسان لطالما إستنجدوا بإبر في سبيل تخفيف آلالام الضحايا لمدد قصيرة، وذلك قبل أن يعودوا لتعريضهم لحصص تعذيب سادية أخرى يتخلون فيها عن إنسانيتهم على غرار الكي بالجمر الذي تعرض له على يد أحدهم وهو معصوب العينين. ويروي المتحدث كيف عرّضهم معذبوهم للتجويع والتعطيش وإنتهاكات لا نظير لها بغية الحصول على إعترافات غير موجودة باعتبارهم مظلومين، مستحضرا قصة شخص فقد عقله آنذاك عاش حصص التعذيب وكأنه في عذاب الآخرة، إذ كان يظن آنذاك أنه توفي ويواجه عذاب الآخرة بسبب ما تعرض له، مشيرا أن الجلادين كانوا يعمدون على خنقه بين الفترة والأخرى لتجسيد حالة من حالات عذاب الجحيم. ويحكي المتحدث أنه لجأ في حفرته بسحن الرشيد لكتابة الشعر والنثر لمواجهة مصير الموت حيا، وهي الأشعار التي كان يكتبها بدمه حفاظا عليها، مسترسلا في حديثه أنه ظل يواري قصائده عن الأنظار مخافة مصادرتها الشيء الذي حصل فعلا، ليزداد التعذيب والفظاعات في حقه بمبرر سعيه لمحاكمة جلاديه في حال نجا من الموت بحفرته في سجن الرشيد سيء الذكر. ويؤكد المتحدث في ذات التسجيلات، أن جلاديه كانوا يستغلون السجناء كنوع من التعذيب في عمليات البناء وحفر الإبار وغيرها من المهام الشاقة، إذ يواجهون بالسياط في حالة أخذهم لقسط من الراحة خلال فترة إشتغالهم، مبرزا أن خروجه من السجن كان إثر حراك داخلي آنذاك ليُغادر مخيمات تندوف عبر سيارة لانروفر في إتجاه موريتانيا هربا من واقع مر عاش فيه الويلات على يد جلاديه ممن تقاسم معهم المواقف السياسية بخصوص نزاع الصحراء.