سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
دمت متألقة أيتها الخوارزمية الرائعة! رغم أنها لا تعتمر بيريه. ولا تدخن. ولا تشرب فناجين قهوة. ولا تسكر. ولا تضع كفها على خدها. فإنها استطاعت اقتحام عالم الكتابة
اسمها الكامل بيتا رايتر. وقد ولدت وترعرعت في معامل اللسانيات التطبيقية بجامعة غوته الألمانية. وهي أول خوارزمية تؤلف كتابا. موضوعه بطاريات الليثيوم. وصدر عن دار نشر شبرينغر نيتشر. وكتابها هذا هو أول كتاب لم يكتبه بشر. وليس وحيا من الله. بل من إنجاز الذكاء الاصطناعي. ورغم أنها لا تعتمر بيريه. ولا تدخن. ولا تشرب فناجين القهوة. ولا تسكر. ولا تضع كفها على خدها. فقد كانت مائزة. ومتألقة. وكان عملها في المستوى. كما خلف صدى كبيرا في كل أنحاء العالم. وكتبت عنه الصحافة. ولاقى ترحيبا من زملائها الكتاب. وغالبا أن خوارزميات كثيرات ستغريهن مهنة الكتابة. وسيسرن على نهجها. وربما قريبا ستظهر خوارزمية شاعرة. وخوارزمية روائية. وأخريات مترجمات. وستظهر خوارزمية فيلسوفة يشار إليها بالبنان. وخوارزمية فقيهة. وخوارزمية حداثية. وخوارزمية تابعة لقطر. وغريمتها إماراتية. وخوارزميات تفعيلة. وخوارزميات قصيدة نثر. وخوارزميات سورياليات. وقد تنتمي خوارزميات كاتبات إلى مؤسسة مؤمنون بلا حدود. وقد تشتغل خوارزمية مفكرة مع عزمي بشارة في الدوحة. وقد تجلس خوارزمية مغربية في المقهى. متأملة العالم. وقد ترسل نصا إلى مجلة الدوحة وتتلقى تعويضا. وقد تشارك في البوكر. وقد تفوز بها. وقد تصبح عضوا في اتحاد كتاب المغرب. وما لا أتمناه هو أن تأتي خوارزمية تنافسني في موقع كود. وتأخذ مكاني. لكن يبدو هذا قريبا. وأن هذه الخوارزميات اللعينة ستجعلنا جميعا عاطلين. وأتخيل اليوم الذي سيوظفهن أحمد نجيم في موقع كود. ويتخلى عنا. ومادامت الخوارزمية غير متطلبة. ومبرمجة. وليست لها مطالب نقابية. ولا يهمها الراتب. ولا تهمها الزيادة في الأجر. وليست لها أسرة. ولا أولاد. ولا تؤدي أقساط بنك. فإنها مؤهلة لتعوض الصحفيين. والكتاب. وأي مؤسسة ستفضلهن على الصحفيين البشر. الذين من طباعهم أنهم دائمو الجأر بالشكوى. وما يميزها أنها لا ترتكب الأخطاء اللغوية. ولا تحتاج إلى مراجع لغوي. ومندمجة. واثنان في واحد. كما أنها مهنية أكثر منا جميعا. ومع التطور. ومع تقدم العلم. ومع ظاهرة الذكاء الاصطناعي. فإن الخوارزميات سيصرن أفضل منا في كل المجالات. وعجبا للشعراء الذين مازالوا يتنابزون بالألقاب. ويتعاركون في الفيسبوك. ويشتمون بعضهم البعض. بدل أن يتوحدوا لمواجهة هذا الخطر القادم. فعدو الشاعر الآن ليس هو الشاعر. بل تلك الخوارزميات التي تتهيأ للانقضاض على الأدب. وعلى الفن. وعلى التواصل. وعلى كل المهن. وهاهي بيتا رايتر تقدم لهن النموذج. وتؤلف كتابا. وتطبعه. وليس على نفقتها. بينما نحن مازلنا نناقش دعم وزارة الثقافة للكتب. ونحارب المؤسسات. ونختار الهامش. والحال أن الخوارزميات غير معنيات بكل هذا الهراء. وسوف يكن متفرغات. ولهن كل الوقت للإبداع. وللبحث العلمي. وللتأليف. وللتفكير بطريقة صحيحة. لكنهن سيحرمن. مع ذلك. من المعجبين. ومهما علا شأن الخوارزمية. أي خوارزمية. فهي غير قادرة على توقيع أوتوغراف. ولا يمكن لقارىء معجب بها أن يلتقط معها صورة. ولا سيلفي. وليس لها حظ توقيع كتابها. ولا أن تحمل قلما. وتكتب لك “دمت مهتما بالأدب. ودام لك شغف القراءة”. ولا يمكنها أن ترشي ناقدا ألمعيا بقنينة نبيذ. كما لا يمكن استضافتها في المقهى الأدبي. أو دعوتها إلى إقامة أدبية. ولا إلى مهرجان. ومهما ألفت وأبدعت. فإنها ستبقى محرومة من أن يحجز لها المنظمون في فندق. ولا يمكن ربط علاقة معها. ولا التغزل فيها في الفيسبوك. ولا استدراجها إلى الخاص. ولا النقاش معها في الشأن الثقافي. أما الزواج بخوارزمية مبدعة فمستحيل. إلا أنهن قادمات. لا ريب في ذلك. وبعد سنوات قليلة سنتذكر أن بيتا رايتر كانت هي الأولى وأنها هي من هيأت لزميلاتها الخوارزميات الطريق كي يقتحمن مجال الكتابة ويتألقن.