لقد أوشكت سفرتنا إلى روسيا على نهايتها. والساعات المتبقية لنا في موسكو لا تكفي إلا لجمع أغراضنا، وتكديسها في الحقائب كيفما اتفق. كان موعد انطلاق الطائرة التي ستعود بنا من موسكو عبر لشبونة، محددا في الساعة السابعة صباح يوم الجمعة. لذلك لم ننم ليلة الخميس. وفي الثالثة صباحا توجهنا إلى المطار، تجنبا لأي تأخر محتمل، على أمل أن ننام في الطائرة. كل شيء مر على أحسن وجه، حتى أن المسافة الطويلة التي تفصل بين مكان إقامتنا والمطار، والتي قطعها التاكسي في ظرف ساعة تقريبا، لم تكلفنا إلا حوالي 150 درهما. ولكم أن تقارنوا بيننا وبينهم، و تقارنوا بين التاكسيات المغربية في مطار محمد الخامس وأسعارها الخيالية، وبين سيارات الأجرة في روسيا. وقد وصلنا قبل الموعد. وكان لنا الوقت الكافي لنحصل على تذاكرنا، قبل أن نكتشف من خلال اللوحة الإلكترونية الكبيرة أن انطلاق الطائرة سيتأخر لساعتين. ما يعني أننا صرنا مهددين بأن نعلق في مطار لشبونة، وأن تكون الطائرة التي تنتظرنا قد أقلعت قبل نزولنا. لكن لا بأس، فوقوفنا المؤقت في مطار العاصمة البرتغالية مدته ثلاث ساعات، وأمامنا ساعة، قد تكون كافية، للقيام بكل إجراءات السفر اللازمة، كما أن لا حل أمامنا إلا أن ننتظر، ونستغل هذا التأخير، في سرقة إغفاءة فوق المقاعد المنتشرة في باحة المطار. وبالصدفة، وفي طريقي لباب الخروج قصد تدخين سيجارة، تفاجأت، وأنا أبحث عن رقم رحلتنا في اللوحة الإلكترونية، أن تأخر إقلاع الطائرة، لم يعد ساعتين فحسب، وبدل التاسعة، تحول إلى الثالثة بعد الزوال. وهنا بدأت ملحمة العودة. وبدأت المعاناة. وتأكد لنا أننا فقدنا كل أمل في أن نجد الطائرة تنتظرنا في لشبونة. ليتحلق جميع ركاب الرحلة أمام مكتب شركة الطيران البرتغالية، بحثا حل يقترحونه علينا. بينما لا حل في الأفق. قبل أن تقترح الموظفة على المغاربة الحاصلين على فيزا شينغن، السفر في الطائرة التي ستقلع في الساعة الثالثة، مع إمكانية المبيت في فندق في لشبونة، في انتظار موعد إقلاع قد يأتي وقد لا يأتي. أما الذين الذين لا يتوفرون على التأشيرة، فلا حل أمامهم إلا البقاء في موسكو، منتظرين توفر مقاعد شاغرة، لأن القانون لا يسمح بإيسكال يتجاوز الست ساعات، مع احتمال كبير أن لا يعثروا عليها، وأن يعلقوا لأيام في موسكو، بالنظر إلى مناسبة المونديال، وامتلاء كل الرحلات عن آخرها. وأثناء ذلك، بدأ أثر الحرمان من النوم يفعل فعله فينا. وبدأ التعب يدب في أجسامنا. ولا حل في الأفق. كنا حوالي أربعين مغربيا، وقد انقسمنا إلى أصحاب التأشيرة، والذين لايتوفرون عليها، متفقين على أن تكون كلمتنا موحدة، وأن لا نبحث عن حلول فردية. وقد كنت الوحيد بين أصدقائي الذين سافرت معهم من لا يتوفر على فيزا، فقرروا التضامن معي، وأن ينتظروا معي في العاصمة الروسية. ولا حل غير هذا. ثم خرجت مرة ثانية من المطار قصد التدخين، وفي المكان المخصص لذلك، التقيت شابا مغربيا من الحسيمة، يحمل معه حقيبة صغيرة، ليخبرني أنه وصل للتو قادما من المغرب، وأنه دفع مبلغ أربعة آلاف درهم لوسيط، كي يحصل على التأشيرة الروسية، والتي لا تتجاوز مدتها أسبوعين، وتنتهي في الخامس والعشرين من هذا الشهر، ظنا منه أنه بإمكانه أن “يحرك” في هذه البلاد، وأن روسيا تشبه الدول الأوربية، وأن الروبل هو الأورو، وأنهم سيتعاملون معه معاملة إنسانية، قبل أن أخبره أن الأمر صعب هنا، وحتى لو استقبلوه بالأحضان، وشغلوه، فدخل الفرد متدن، وأن المغرب أفضل له، بين أهله وأصدقائه. أما البطل الملحمي في هذه القصة، فهو طبيب شاب من مدينة الرباط، التقيناه أول مرة في الطائرة التي حطت بنا في روسيا، وقد حكى لنا أنه حجز في رحلة من المغرب عبر بولونيا الإيطالية في اتجاه سان بترسبورغ، قبل أن يكتشف أن ما دفعه من مال قد ضاع، لأن لا يتوفر على فيزا شينغن، ليجد نفسه مضطرا إلى أن يحجز ثانية ويدفع ثمن تذكرة أخرى، في رحلة عبر مطار شارل دوغول، أما العودة فعبر لشبونة. وقد كان معنا في مطار موسكو. وآخر أخباره أنه سيركب في طائرة في اتجاه لشبونة، ومن لشبونة إلى الرأس الأخضر، ومن كاب فيردي، إلى مطار محمد الخامس. ولا أحد يعلم بعد يومين هل وصل أم لا. وهناك من مازال عالقا في موسكو ينتظر. وهناك من يقبع في لشبونة. أما نحن، ولحسن حظنا، وبعد أن كنا واقفين أمام مكتب موظفة الشركة البرتغالية، ننتظرا حلا لا يأتي، أخبرت الأخيرة شابين مغربيين وصديقتهما الروسية بوجود مشكل في تذاكرهم، بعد أن كانت على وشك أن تحجز لهم في رحلة إلى المغرب عبر إسطمبول. وكانت فرصتنا التي لا تعوض، وبسرعة قذفناها بجوازات سفرنا، وهرولنا نحو أول تاكسي، ليأخذنا إلى مطار آخر في موسكو. وفي الليل وصلنا إلى تركيا، بدل البرتغال، مهدودين من التعب، ومحرومين من النوم. أما المشجعون الآخرون، والذين كانوا سيركبون معنا في نفس الطائرة. فبعضهم مازال في روسيا. والبعض الآخر في لشبونة، وهناك من ذهب إلى إفريقيا. وأبرزهم، والمشجع الملحمي، هو ذلك الطبيب الشاب، الذي أنفق من ماله أكثر منا جميعا. ليجد نفسه في نهاية المطاف، في كاب فيردي، كأنه ذهب ليشجع المنتخب المغربي في إقصائيات كأس إفريقيا للأمم، حين كان المدرب هو بادو الزاكي. وقد وصلنا. نعم وصلنا إلى الدارالبيضاء في ساعة متأخرة من الليل. ومن مطار الدارالبيضاء إلى المحمدية دفعنا إلى التاكسي مبلغ 400 درهم، وقد كنا سندفع أكثر، لولا تدخل أحد معارفنا، الذي أرسله لنا، مشكورا، حتى أن السائق ظل يذكرنا بهذه اللازمة على طول الطريق. ومنذ يومين وأنا نائم. وحين استيقظت وجدت الدمى الروسية التي أحضرتها إلى صغاري مكسورة، ومحطمة. ولا سباسيبا منهم ولا خراشو. وفي ما يخص الطبيب المشجع. فلا أثر له. وهاتفه لا يرن. وعندما يصل إلى المغرب، فعلى المغاربة أن يستقبلوه بالهتاف وبالورود، وأن يمنحوه جائزة أفضل مشجع.