تساءلت روسية في الساحة الحمراء باستغراب: كم عددكم أيها المغاربة. كم عدد سكان المغرب. وهل جاء شعبكم كله إلى موسكو لتشجيع منتخب بلاده. ومن كثرتنا. نحن أيضا تفاجأنا لحجمنا الهائل. حتى صار الروسي يعرفنا. و أينما مررنا نثير الانتباه. ولعلها من حسنات المونديال. والتأهل إليه. فيرانا الطفل الروسي. ويقول لوالديه موروكو. موروكو. وربما لن ينسى العلم المغربي. ولن ينسى قميصنا. ولن ينسى المغرب. وترانا جماهير المنتخبات المشاركة. ويصيحون موروكو. موروكو. والكل صار يعرف المغرب. ومن لم يكن يعرفه. صار يعرفه بفضل الجمهور المغربي الكثير. المنتشر في كل الشوارع. والمطاعم. والبارات. والمقاهي. وفي مدرجات الملعب كان يشجعنا مكسيكيون. وبولونيون. مندهشون من أداء المنتخب الرائع أمام البرتغال. أما الشقراوات الروسيات فلن ينسين المغاربة. وسيتذكرن ما حيين حاجتنا إلى القبل. وإلى من يحضننا. وحقا. حقا. ما أكثرنا في موسكو. حتى أننا لم نشعر بالغربة. ولم نعان من عائق اللغة. كما لو أننا استقبلنا البرتغال في مركب محمد الخامس. لكن من أين لنا نحن الجمهور المغربي كل هذا المال. وكيف استطاع عشرات الآلاف تدبير ثمن الطائرة. وتذاكر الملعب التي كان أرخصها يتجاوز الألف درهم. ومن أين لنا المال الذي حجزنا به في الفنادق والشقق. وما أنفقناه في المطاعم والبارات. ومن أين لي أنا كل هذا المال الذي صرفته في رحلتي إلى موسكو. حقا. حقا. نحن جمهور عجيب. ورائع. ونستحق أن نفوز. وأن نفرح. وغالبا كان سفرنا ريعا. وغالبا أنا من مال الريع. وعشرات الآلاف الذين سافروا إلى روسيا. ليشجعوا فريقهم الوطني. وليرقصوا. ويغنوا في الساحات. والشوارع. وكم كنا حجمنا كبيرا. فاندهشنا منا. وتساءلنا كيف فعلنا هذا. وكيف حضرنا إلى موسكو بكل هذه الكثافة. ومثل حبة كرز فوق كعكعة كانت ليلى حديوي. وزادتنا بهاء. وألقا. فعلا. فعلا. من أين لنا كل هذا المال. حتى نملأ موسكو. والحال أننا شعب يجأر دائما بالشكوى. وكان بيننا في روسيا شباب عاطلون عن العمل. وطلبة. وأطفال. وأمهات. وآباء. وجدات. فمن أين لنا هذا إذن. وهل من تفسير لهذه الظاهرة. وهل من محاسبة لهذه الجماهير الكثيفة. وهل من مساءلة. وبمجرد عودتنا إلى المغرب. يجب أن تسائلونا عن الطرق الملتوية التي دبرنا بها سفرنا. ويجب أن تقاطعونا كما تقاطعون الحليب. ويجب أن نروب نحن أيضا. ورغم أني كنت مع الجمهور المغربي في روسيا. فأنا بدوري مندهش. وأتساءل من أين لي هذا. ومن أين لي آلاف الروبلات. وسعيد بهذه التجربة. وبهذا الكم الهائل الذي عاشها . ورأى شعبا مختلفا عنه. وثقافة مختلفة. وحضارة لا تشبه الحضارة الغربية. ورأى شرقا متقدما على طريقته. ورأى نموذجا غير غربي. وبشبه ديمقراطية. لكنها فعالة اقتصاديا. وببنيات تحتية ومواصلات تتفوق على ما هو موجود في فرنسا مثلا. وباقتصاد سوق تتحكم فيه الدولة. وبمواد استهلاكية أرخص بكثير مما هو الحال في أوربا. والجيد في هذه القصة أن معظم المغاربة صار بإمكانهم أن يسافروا إلى الخارج. ومن السفر نتعلم العيش. ونتعلم القانون. ونتعلم الوطنية. والمسؤولية. والنظام. ونقارن. لكن من أين للجمهور المغربي كل هذا المال. وهذه العطل. ومن يشغلنا. وأي جهة نتبع. ومن يمولنا. ومن ينفق على كل هذا الجمهور الكبير الذي حج إلى روسيا من جيوب دافعي الضرائب. وبينما الشعب مقاطع. كان شعب مغربي آخر في موسكو. يشجع. ويرقص. ويسكر. ويشرب الحليب الروسي. ويكرع الفودكا. ولا أحد يعرف من دفع له. وتبحث عن جواب. وعن طريقة تكشف بها مصدر ثروة المشجعين المغاربة. ولن تعثر عليه. وقد نكون دولة غنية. لكننا لا نعلم بالأمر. وربما نحن ميسورون. دون أن ندري. والأكيد أننا تغيرنا. ولم يعد مغربي اليوم هو ذلك المغربي المنغلق على نفسه. وقد كنا نسأل بعضنا البعض. كيف جئنا إلى روسيا. ومن دعمنا. ومن منحنا الروبل. ثم ننظر إلى بعضنا باستغراب. ونتظاهر بالبراءة. ولا أحد منا يرغب في أن يكشف عن السر.