لست من الذين ينعون حركة 20 فبراير. وقد تكون انتهت كواقع. لكنها مازالت مستمرة. وتتجدد كل يوم كخيال. ويظنها خصومها ماتت. لكنها تنبعث باستمرار من رمادها. وبقوة الموهبة. تفرز لنا كل سنة مبدعين كبارا. هم أبناؤها. وهم من صنعها. فتعيش. وتستمر حية. بفضلهم. وبفضل ما يقدمونه لها من خيال. ومايثيرني أكثر هو ثيمة السيارة في متخيل حركة 20 فبراير. مع ما ترمز إليه هذه الآلة ذات العجلات من نهب للطريق. ومن وصول إلى الهدف. ومن سرعة. ومن توقف في محطة الاستراحة. ومن حاجة إلى التزود بالبنزين. وقد جعلها الشاعر أسامة الخليفي سيارة مصفحة. أي أنه لا يخترقها الرصاص. وكتب في قصيدته أن مستشار الملك هو من أرسلها إليه ليركبها. وليلتقيا في فندق. وقبله بسنوات. كتب قيادي آخر بنفس إبداعي مختلف. عن سيارة زرقاء كانت تلاحقه إلى الحانة. وإلى البيت. وأينما ذهب تتبعه تلك السيارة. وتراقبه. ويركب التاكسي فيراها خلفه. وينام فتدخل إلى غرفة نومه. وعبثا يحاول المخزن قتل الحركة. وترويج موتها. وفي كل مرة تنبعث من الحكايات والقصص التي يصنعها شبابها الذين كبروا اليوم. ومن الإبداع. ومن هذه الروايات التي تؤرخ لها. ومن هذا المنجز الملحمي والأسطوري الذي يرفض الاستسلام لقصة النهاية. ولسطوة الواقع. فتتحداه بالخيال. هذا الوهج الذي لا ينطفىء. والذي ينتصر على الزمن. وعينه على الخلود. وعلى الأبدية. وهذا ما يجعل المتتبع السطحي يقع في اللبس. ويروج لخبر الموت. مستسلما لرواية السلطة. وصحافتها. ولتحليلات أعداء الحركة. بينما قوة الحركة وتأثيرتها يكمننان في بعدها الخيالي. وتجاوزها للواقع. وإنصافا لها أقول إنها حركة خيالية. والخيال كما هو معروف لا يموت. ولا يخضع لحساب الوقت. وللتقلبات السياسية. شرط أن يكون جيدا. ومحبوكا. وناتجا عن موهبة. والشيء الواقعي الوحيد في الحركة هم ضحاياها. والذين. ولقلة تجربتهم. ظلوا لصيقين بالواقع. ولا يبرحونه. وهم الذين تعرضوا للسجن. وهم الذين ماتوا. وقد كانوا مقيمين في الأقاليم. ولا علم لهم بخيال المركز. ويجب أن تكون مفرطا في واقعيتك. ومنغلقا على نفسك. كي تطالب بتلك المطالب وترفع تلك الشعارات التي كانت ترفعها الحركة في الرباط والبيضاء. بينما أنت مقيم في قرية نائية. أو في مدينة صغيرة وبعيدة. ولا بد حينها أن يصدمك الواقع. وأن تصدمك السلطة. وتقمعك. لأن لا خيال في الهوامش. ولا سينما. ولا أفلام. ولا كاميرات. ولا أحد يعير اهتماما للإبداع الفني. وسنة بعد سنة يبرز البعد الخيالي للحركة. وتتعزز بطاقات جديدة. وبكتاب يبعثون فيها الحياة. رافضة الموت. ومتحدية له. فتظهر قصة السفارات. وقصة أمريكا. وتتناسل الحكايات. وتلد التجربة أدبا وفنا غير مسبوقين. يهزمان بؤس الواقع. ومحدوديته. وينتصران على القمع. وعلى الخيبة. فلا تعرف متى ينتهي واقع الحركة. ومتى يبدأ خيالها. ومتى تنطلق السيارات. ومن يقودها. و إلى أين وجهتها. وما هو لونها. وأي نوع هي. أما سيارة السيارات والتي أسست لتيار “الواقعية السحرية” في حركة 20 فبراير. فقد كانت سيارة سمير عبد المولى ومهما حدقت فيها ومهما تأملتها فلا يمكنك أن تجزم ما إذا كانت واقعا أو خيالا. أو شعرا. أو فيلما. أو خيالا علميا. أو رواية. أو أسطورة. فتكون سيارة ثم تنبت لها أجنحة وينغلق بابها وينفتح لوحده وتظنها ستطير بالحركة. ثم تهبط بها. وتعاود الطيران. ورغم أنها تدخل هي الأخرى ضمن الحضور الطاغي لثيمة السيارة في أدب الحركة. إلا أن رمزيتها خاصة. ومعقدة. وعصية على التحليل. وخيالها مستقبلي. وتكشف عن الإرهاصات الأولى للمدرسة العجائبية في 20 فبراير. ومشاركة مني في الاحتفال بالذكرى المجيدة وبما أننا انهزمنا جميعا ومات في الواقع من كان مع الحركة ومن كان ضدها وماتت السياسة واختلط الحابل بالنابل ولم يعد إلا الفراغ فإني أعترف أني كنت أهاجم الحركة من مدرعة من نوع هامفي مزودة بمنصة لإطلاق الصواريخ وفرتها لي جهات لن أفصح عنها في الوقت الحالي وركنتها قرب شقتي ومنها كنت أنفذ كل عملياتي وأتبضع بها في أوقات الفراغ وأسافر بها في الليل إلى الرباط لتفقد الأجواء في الميدان ولمراقبة الوضع وتحركات العدو عن كثب.