كيف نقرأ حصول المناضلة و الناشطة المدنية،توكل كرمان ، على جائزة نوبل للسلام لسنة 2011؟ هل هي اعتراف و تشجيع للربيع العربي؟ سؤال لن تكون الإجابة عنه سوى ملتبسة،لأن الشخصيات التي ترشحت لذات الجائزة، و المنحدرة من هذا الربيع كثيرة، بل و مساهمتها فاقت بكثير مساهمة السيدة توكل كرمان،نذكر بالخصوص الشاب وائل غنيم، و الناشطة المصرية إسراء عبد الفتاح و الناشطة التونسية لينا بنمهني،و هي شخصيات في جعبتها إنجاز هذا الربيع، بما يعني سقوط الأنظمة الاستبدادية التي حاربوا ضدها...
هل لأنها امرأة؟ ليس فقط بسبب ذلك، و في لائحة المرشحات العديد من الكفاءات النسائية، بدءا من الشخصيتين المذكورتين أعلاه، من مصر و تونس، مرورا بالشخصيتين اللواتي اقتسمن الجائزة مع السيدة توكل كرمان، و انتهاءا بلائحة طويلة ، تضم الناشطة الأفغانية سيما سمر،و غيرها من النساء التي تعج بهم لائحة المترشحين البالغ عددها ما يزيد عن 240 اسم....
يعتقد المتتبعون أن الربيع العربي لم يرق لمستوى الثورة، بمعناها الهادم لأنظمة الاستبداد و التسلط من جهة، ومؤسسة و بانية لمجموعة من القيم الجديدة و المتقدمة،التي يجب أن تسود المجتمعات،و منها أساسا قيمتين لا مناص منهما، و هي الدمقراطية من جهة، و المساواة اتجاه وضعية النساء من جهة أخرى...
التجربتين الشبه منتهيتين في ما سمي الربيع العربي، و هما التجربة التونسية و التجربة المصرية، لم ترقيا لمستوى الثورة هذه،إذ رغم الانطلاقة الصعبة بالنسبة لتونس في محاولة لوضع المسار الدستوري على سكته الصحيحة، في اختيار المجلس التأسيسي، و التقدم في النقاش حول الآليات الانتخابية و غيرها، يبقى الوضع في مصر يلفه الكثير من الغموض، وخاصة في تأرجح المجلس العسكري، بين وصفة سريعة تعيد الحياة المدنية للبلاد، و الجيوش للثكنات، وبين السجال القائم بين الأحزاب حول آليات الاستشارات ، من أجل انتخاب المؤسسات التشريعية دون الحديث لا عن الدستور و لا عن القيم المجتمعية الجديدة التي يجب أن تسود في هذا المجتمع...
يبقى وضع النساء في هذين البلدين هو الصادم بشكل جلي،إذ أن المرأة رغم مشاركتها المكثفة،و لربما الحاسمة في هذا الربيع،إلا أن الترتيبات التي تلته تم فيه تغييبها بشكل لافت و باعث على الكثير من الأسئلة..
لا يمكن وضع متابعة إسراء عبدالفتاح من طرف المدعي العام ،بمعزل عن هذه الحجب القسري،ولا يمكن اعتبار إقصاء النساء من ثمثيلية المجلس التأسيسي في تونس ناتج عن صدفة فقط، بقدر ما هو استمرار في سيادة القيم الذكورية الموروثة من الأنظمة البائدة المرتكزة على الاستبداد و التخلف...
قد نستطيع تطويع الواقع المغربي لذات السياق،و نتبنى الرواية الرسمية التي تدعي أن الربيع المغربي ابتدأ منذ اعتلاء الملك للعرش، و شهد في إحدى محطاته اعتماد دستور جديد،اعتمد في ترسيمه على عملية إرشاء كبيرة للحركة النسائية، عبر تبني مطالبها كاملة، و التنصيص على سعي الدولة لتحقيق المناصفة في فصله المقدس سابقا، الفصل التاسع عشر، و هو ما أدى للتصويت عليه بكثافة من طرف ذات الحركة النسائية،لكن في عملية تنزيله، وجدت نفسها مطالبة بأشواط نضال أخرى، ضد الدولة من جهة لتقديم مشاريع قوانين تجسد هذا السعي المنصوص عليه في الدستور، و ضد الفاعل السياسي من أجل التخلي عن ممارسته الذكورية، المتمثلة في ثنائية الاستعمال في الحقل السياسي، و الإقصاء من المشاركة في ذات الحقل حيال المرأة...
منح جائزة نوبل للسلام للمناضلة توكل كرمان،ارتكز على ثلاثة أعمدة أساسية،كون المرشحة امرأة،و منتمية للربيع العربي، و في بلد لم تكتمل فيه كل ملامح التغيير،ليوجه رسالة على أن التغيير المنشود في هذه الدول يجب أن يستهدف القيم الكونية، الداعية للديمقراطية أساسا، و لترسيخ الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية،و التي لن تستتب دون مشاركة المرأة، ليس في تأثيث ساحات الاعتصام و الهتاف، و لكن في الانخراط في مسلسل القرار و البناء لما بعد هدم الأنظمة المستبدة...
لكل هذه الأسباب، وحدها توكل كرمان،دون الفائزتين الأخرىات، من خصصها الموقع الرسمي لجائزة نوبل للسلام ، بفقرة جد موجزة و معبرة عن الحوافز الذي جعلها تفوز بذات الجائزة:للنضال الغير العنيف من أجل سلامة المرأة و حقوق المرأة في المشاركة الكاملة و العمل من أجل السلام...