— عادة ما تنص النظم القانونية على اختصاص المؤسسات فيما يتعلق بتعديل قوانينها، كما تنص وجوبا على مسطرة التعديل وحق الإحالة أو المبادرة باقتراح التعديلات. وهذه الشكليات القانونية تتشابه في عمومها بين مختلف المؤسسات سواء كانت سياسية أو نقابية أو حتى دستورية، بل إن المبادرة لمراجعة أو تعديل الدستور نفسه تخضع لنفس المنطق. فتعديل الدستور نفسه يخضع إما لمسطرة الاستفتاء الشعبي أو التصويت البرلماني، وفِي جميع الحالات يبقى حق الإحالة حصريا بيد سلطة دستورية واحدة وهي الملك، فهو يحيل حصريا التعديلات على البرلمان للتصويت عليها بأغلبية الثلثين، وهو من له الحق الحصري لعرض المراجعة الدستورية على الاستفتاء (حتى ولو كانت المبادرة الاقتراحية صادرة عن البرلمان)، وفِي جميع الحالات لا يخول أيٌّ كان اقتراح تعديلات أخرى سواء تعلق الأمر بالمواطنين أو بالبرلمانيين. وهذا المنطق ينطبق بقوة القانون على مختلف المؤسسات، ومن بينها حزبنا الذي يستعد هذه الأيام لعقد مؤتمره الوطني. وقد تابعت عددا من الأفكار التي تناقش إما إمكانية التقدم بمقترحات التعديلات المتعلقة بالنظام الأساسي للحزب أمام المؤتمر الوطني مباشرة من قبل المؤتمرين، أو ضرورة رفع التعديلات التي لم يعتمدها المجلس الوطني لتعرض أيضا على المؤتمر، وقد استغربت لهذه الدعوات التي تتناقض مع أبسط القواعد القانونية المتعلقة بالحق في الإحالة، ولا يمكن أن تصدر عن مبتديء في دراسته للقانون فأحرى أن تصدر عمن يدعي ممارسته. فاختصاص المؤتمر الوطني واضح وجلي ولا يحتاج لاجتهاد يوضحه، ويتعلق إما بالمصادقة على التعديلات المقترحة على النظام الأساسي فتصبح سارية المفعول بعد استكمال شكلياتها، أو رفض المصادقة عليها وتصبح لاغية وعندها يستمر العمل بالمقتضيات الحالية. أما تحديد جدول أعمال المؤتمر، وتحديد نوعية المشاريع المعروضة عليه ومضامينها، فيندرج ضمن الاختصاص الحصري للمجلس الوطني، والذي تحدد قوانين الحزب أيضا حق الإحالة عليه بدقة حسب نوع المشروع المعروض أمامه. وحتى اللجنة التحضيرية نفسها لا تملك حق الإحالة المباشرة للمشاريع على المؤتمر الوطني مباشرة رغم اختصاصها التحضيري لهذا المؤتمر، وكذلك الشأن بالنسبة للامانة العامة للحزب التي لا تملك بدورها هذا الحق. فجميع المشاريع التي ستعرض على المصادقة داخل المؤتمر الوطني يجب أن يعتمدها المجلس الوطني أولا، وهو صاحب الاختصاص الحصري في البت فيما سيحال على المؤتمر من عدمه، وفِي مضامين ما سيحال أيضا على المؤتمر، ويبت في ذلك إما بالموافقة أو بالرفض. اما اختصاص المؤتمر الوطني محدد حصريا في النظام الأساسي للحزب، وأي تعديل لهذا النظام يخضع للقواعد والمساطر المحددة فيه على وجه التدقيق، ولا تقبل هذه المساطر بدورها أي تأويل بالنظر لوضوحها ودقتها. فالمادة 27 من النظام الأساسي تنص صراحة على اختصاص المجلس الوطني المتعلق بوضع جدول أعمال المؤتمر الوطني، ويمكنه بناء على ذلك عدم اقتراح أي تعديل على النظام الأساسي أصلا، فهل كان سيقال عندها بعدم أحقيته في حرمان المؤتمر من تعديل هذا النظام؟ أما كيفية اقتراح التعديلات فتعتبر من الأمور الإجرائية التي يتضمنها النظام الداخلي وليس النظام الأساسي الذي يسطر القواعد الرئيسية للاختصاص ولا يتطرق عادة للإجراءات والمساطر. وعلى هذا الأساس تنص المادة 100 من النظام الداخلي بشكل صريح ودقيق على تخويل حق الإحالة على المؤتمر بشكل حصري للمجلس الوطني، ولم نسمع في السابق أي نقاش مخالف لذلك، وهذا النظام الداخلي تم التصويت عليه بالإجماع واستكمل شكلياته القانونية، وسار العمل بهذه المسطرة لعدة مؤتمرات عادية واستثنائية، ولم تكن يوما هذه المسألة محط جدل أو اختلاف. وبالمقابل تتطرق المادة 100 نفسها من النظام الداخلي على تخويل الحق الحصري للمبادرة الأولية لاقتراح التعديلات على المجلس الوطني، وهو أيضا يندرج في إطار حق الإحالة droit de saisine على المجلس الوطني (وليس على المؤتمر). فحق المبادرة هنا مخول للأمانة العامة (وقد أحالت مقترحاتها التي تمت مناقشتها وتعديلها واعتمادها من قبل المجلس الوطني)، ولمكتب المجلس الوطني الذي لم يقترح أي شيء في هذا الشأن، ثم لعضو من المجلس الوطني وهي المقترحات التي عرفت نقاشا واسعا وتم رفض اعتمادها من قبل المجلس الوطني. ولم يتم بناء على ذلك فسح المجال لأي فرد أو هيأة خارج ما نص عليه النظام الداخلي، فلماذا لم تثر هذه المسألة قبل تصويت المجلس الوطني على عدم اعتماد التعديلات موضوع الجدل؟ ولماذا تم القبول بذلك ولم يدعُ أي كان عندها لعرض التعديلات مباشرة على المؤتمر الوطني؟ فحق الاقتراح على المجلس الوطني متعدد حسب مقتضيات المادة 100 من النظام الداخلي، لكن حق الإحالة على المؤتمر الوطني فهو اختصاص حصري للمجلس الوطني، وفق مقتضيات نفس المادة، بالنسبة لجميع الوثائق التي ستحال على المؤتمر وليس النظام الأساسي فقط. فلا يعقل قانونيا ومنطقيا أن يُفتح الباب، أثناء المؤتمر أو قبله، لجميع المؤتمرين لاقتراح التعديلات على النظام الأساسي أو باقي الوثائق (الأطروحة أو الورقة السياسية أو البرنامج العام…حسب الإحالة). أما المشاريع أو المقترحات التي لم يعتمدها المجلس الوطني فلا يمكن قانونا إحالتها على المؤتمر، وهذا محدد في النظامين الأساسي والداخلي، وليس فيه أي تناقض مع اختصاصات المؤتمر. فأي اعتماد لنظام أساسي جديد أو لتعديل للنظام ساري المفعول لابد وأن يحظى بمصادقة المؤتمر الوطني، وهذا اختصاص حصري لا ينازعه فيه أحد. فما صادق عليه المؤتمر من تعديلات يصبح نافذا ويحتاج فقط لاستكمال الشكليات القانونية، وما رفضه المؤتمر فيسقط وتبقى المقتضيات السابقة سارية المفعول. فمنطوق النظامين الأساسي والداخلي هنا واضح، واللائحة الداخلية للمجلس الوطني تؤكد هذا الأمر في مادتها 91 بشكل واضح لا لُبْس فيه. والمؤتمر الوطني يصادق أو يرفض المصادقة على التعديلات المرفوعة إليه من قبل المجلس الوطني الذي يمتلك حق الإحالة الحصرية عليه. ولا يتم بالتالي فتح أي نقاش أو تعديلات على المقترحات المقدمة نفسها. كما لا يحق بناء على ذلك فسح المجال لاقتراح تعديلات أخرى من أي جهة كانت، وإلا لنص عليها النظامين الأساسي والداخلي، ولتم بموجبها تنظيم المؤتمر الوطني في مجال زمني قد يمتد لأسابيع أو أشهر وليس لأيام. ولا يمكن بأي حال من الأحوال إجراء قراءة أو تأويل متعسف على صريح المقتضيات القانونية المطبقة، فالنظامان الأساسي والداخلي يتضمنان معا أحكاما تنظم عمل كل من المؤتمر والمجلس الوطنيين للحزب ولا يمكن الاستشهاد فقط بأحدهما وتعطيل الآخر، وهو ما أكدت عليه المادة 24 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية. وبالتالي فإنه لا يجوز قانونا خرق قواعد الإحالة على المؤتمر الوطني أو تطبيق نظام دون الآخر. وقد ذهبت الأمانة العامة للحزب في نفس المنحى وأكدت على وضوح النصوص القانونية ورفضت أية إحالة لم تُعتمد بالتصويت بالموافقة من قبل المجلس الوطني، وهو ما أكده الأخ الأمين العام بنفسه رسميا طبقا لمقتضيات المادة 104 من النظام الأساسي للحزب. ومن ينازع في هذا الأمر يتعين عليه اللجوء لهيأة التحكيم الوطنية طبقا لاحكام نفس المادة وليس إثارة تأويلات متعسفة تؤدي للتشويش على المؤتمر وخلق جدل فارغ بين المؤتمرين. فمحطة المؤتمر الوطني يجب أن تكون مجال تآلف قلوب الإخوة ونبذ الخلافات، ومعالجة الجروح التي ألمّت بجسم الحزب خلال الشهور الأخيرة، كما يتعين أن ترسخ وحدة الصف داخل الحزب وتقويته واختيار قيادة الحزب للمرحلة المقبلة والالتفاف حولها. أما محاولة إدخال المؤتمر في متاهات فارغة ونقاش غير مؤسس قانونيا وسياسيا ومنطقيا ففيها إجهاز على ما تبقى من قوة الحزب ووحدة صفه والتحام أعضائه. وقد عشنا لحظات راقية خلال انعقاد المجلس الوطني الأخير، وأحسسنا باسترجاع الحزب لقوته السياسية والتنظيمية، وخضع الجميع للديمقراطية الداخلية رغم المحاولات المحدودة والهامشية لإفسادها من خارج اجتماع المجلس، وبالتالي نريد جميعا الخروج من المؤتمر الوطني للحزب موحدين وعير منقسمين، رحماء لا أشداء، ملتفين على القيادة المقبلة لا متنازعين معها أو حولها. ومحاولات التشويش على المؤتمر الوطني تشبه من يطلق النار على قدميه، أو من يخرق السفينة ليغرق الإخرين وفِي النهاية سيغرق الجميع لا قدّر الله. فرجاء مرة أخرى: لا تخربوا حزبكم بأيديكم والله الموفق وهو يهدي سواء السبيل.