عبد اللطيف اكنوش استاذ باحث في جامعة الحسن الاول سطات ////// ما هي شخصية "المواطن" الذي ترتضيه الدولة في أفق منتصف القرن الواحد والعشرين؟ هذا بكثير من الإيجاز عنوان ما اشتغل ويشتغل عليه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي أسسه الملك من سنتين خلت رسميا لإيجاد "رؤية استراتيجيه" تهم المنظومة التعليمية…وذلك لعدة اعتبارات أهمها: إفلاس المنظومة التعليمية الوطنية بجميع مكوناتها وبنياتها من الطور الأول للتعليم حتى التعليم العالي، ومنه إلى البحث العلمي. الأمية المستشرية بما فيها الأمية "البسيطة" الناتجة عن المغادرة المبكرة للتعليم، والأمية "المعقدة" الناتجة عن عدم مطابقة التعليم للمحيط الاقتصادي والاجتماعي، أو لنقل ببساطة "أمية ذوي الشهادات العليا"… غياب "النسبية" لدى المتعلم، وطغيان ‘الوثوقية"، ومنها طغيان كراهية "الآخر"، والتقوقع على الذات، وشيوع الجهل "المقدس" والجهل "المركب" على حد سواء، ومنه إلى ظاهرة التطرف بشقيه "التديني" و"المادي"، وما شابه ذلك من مظاهر كره "الذات" والوطن والمؤسسات… شيوع الفوارق الاجتماعية والفوارق الجهوية وشيوع آفة التمييز بين "الأنواع" والأعراق والأجناس. ظاهرة تعليم بسرعتين مختلفتين، تعليم وطني مفلس، وتعليم حر "أجنبي" يلجأ إليه "المحظوظون" مما يكرس ويضاعف من الفوارق بين الطبقات وبين النخب التي من المفروض أن تقود المغرب في المستقبل. انطلاقا من هذه الاعتبارات الأولية وغيرها، انكب مجلس الأستاذ عزيمان ومن معه في دراسة معمقة لما "هو موجود" عبر دراسات معمقة لواقع المنظومة التربوية والتعليمية على مدار 15 سنة الماضية…ليخلص إلى وصفة مستقبلية سماها "الرؤية الإستراتيجية لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي"، وقدمها للملك في شهر مايو الماضي، لتصل إلى الحكومة قصد أجرأتها في إطار "قانون/إطار" من المنتظر الشروع في تفعيله السنة المقبلة.. وبإطلالة على مجموع هذه المبادرات والوثائق، يتبين أن سؤال المرحلة، كما أسلفت، يتعلق بأي مواطن تريده الدولة لمغرب منتصف القرن الحالي؟ ويتضح الجواب على "تساؤل القرن" هذا بالأساس من المرجعيات التي اعتمدها "المجلس الأعلى" في مباشرة أعماله، وكذا في صياغة "رؤيته" الإستراتيجية وفي "القانون/إطار" الذي أعدته المصالح الحكومية لأجرأته. وتأتي هذه المرجعيات التي اعتمدها كل من "المجلس الأعلى" والحكومة مثبتة في جميع الوثائق الصادرة، وفي جميع المستندات "الإستراتيجية" المنجزة، بشكل لا يدعو إلى الشك، أن ما تبتغيه هذه المؤسسات قد صُمم بشكل محكم على مقاس ما تبتغيه المؤسسة الملكية وما تبتغيه الدولة، وذلك على الشكل التالي وبالتراتبية التالية: مرجعية اشتغال "المجلس" الأولى هي دستور فاتح يوليوز 2011 كما كتب له أن يكون ببنياته السلطوية، وبإحالاته الفكرية والإديولوجية، وبتراتبية ثوابته العقدية، وبصك حقوق الأفراد والجماعات المنصوص عليها…بحيث يتوارى "الكوني" خلف "الموروث" و"الخصوصي" من فرط تقزيمه وتقديمه من أجل "شرعنة" ما يعتمل أمام الرأي العام الوطني والدولي… الخطب الملكية ذات الصلة بمنظومة التعليم بين سنتي 2012 و2015، وحتى تلك التي لا تتصل بها، الغرض منها "شرعنة" المنتوج النهائي وجعله مطابقا لما يعتقد أنه "الإرادة الملكية"، وما يعتقد أنه صالح للمجتمع والوطن…لدرجة تجعل المراقب المحايد لا يجد مناصا من القول أن المجلس والحكومة يعملون ويشتغلون بمنطق أن "ما هو ملكي، وطني"، وليس بالضرورة "ما هو وطني ملكي"…مسألة "تراتبية إيديولوجية" ليس إلا… المواثيق والاتفاقيات الدولية "ذات الصلة" بالتربية والتكوين والبحث العلمي والتي"صادق عليها المغرب" دون سواها…والمتعلقة بحقوق الطفل، وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وما شابه ذلك… الميثاق الوطني للتربية والتعليم السابق من أجل تجنب القطيعة الفكرية مع "ما كان موجودا"، وبغية إرضاء "الخواطر السياسية"، وتقديم "ما يجب أن يكون" على أنه استمرار ونقلة "نوعية" في مسار "إصلاحات التعليم" المتعاقبة… انطلاقا من هذه المرجعيات إذن تمت صياغة الوثائق المزمع تطبيقها عما قريب في أفق "صناعة" "مواطن الغد" كما ترتضيه المؤسسة الملكية وما ترتضيه الدولة، وما يرتضيه الوطن…مواطن تم رسم معالم شخصيته كالتالي: " مواطن متمسك بالثوابت الدينية والوطنية والمؤسساتية للمغرب، وبهويته في تعدد موكوناتها وتنوع روافدها، معتز بانتمائه لأمته، وقادر على الموازنة الذكية والفاعلة بين حقوقه وواجباته…متحل بقيم المواطنة، وفضائل السلوك المدني، متشبع بالمساواة، واحترام الحق في الاختلاف…مدرك لالتزاماته الوطنية ولمسؤولياته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه، مسهم في الحياة الديمقراطية والتنموية لوطنه ومنفتح على غيره، وعلى العصر بقيمه الكونية…ذي تكوين متكامل ومتجانس بين تحصيل المعارف وبنائها والتمكن من اللغات، وامتلاك الكفايات واكتساب الخبرات التي تؤهله للاندماج في الحياة العملية"… وفي انتظار هذا "المواطن المفترض"، أترككم مع "المواطن الواقعي" وهموم الترشيحات ومصائب الانتخابات !!