يتأكد مع توالي الأيام والأحداث أن مغرب الألفية الثالثة لا يعيش التاريخ فقط، بل يصنعه، وهو أمر من الطبيعي جدا أن يغيض متحيني الفرص للإساءة إلى بلدنا خدمة لأجندات معينة. إن تعامل المغرب بذكاء وواقعية وحزم، أيضا، مع كثير من الأحداث أفقد الكثيرين صوابهم، وجعلهم يخبطون خبط عشواء، ويضربون في كل الاتجاهات، ورغم أنهم يعودون باستمرار بخفي حنين، فإنهم يواصلون بحثهم المضني عن نصف فرصة لتحقيق نتيجة ما، لكنهم ولله الحمد لا يحصدون سوى الخيبة، لأنهم يشبهون في بحثهم هذا من يبحث عن بيضة الديك. جاء تعامل مغرب الحداثة والديمقراطية بحزم مع معلومات تهم شكاية ضد المدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني بخصوص مزاعم حول تورطه في ممارسة التعذيب بالمغرب، ليؤكد أن احترام بلادنا لنفسها والتزاماتها يكسبها من يوم لآخر احتراما متزايدا، وهذا أكيد أنه يزعج أكثر من جهة، ويدفعها إلى تحين الفرص للإساءة إليها. إن طريقة تصرف المغرب بخصوص هذه النازلة، ورد فعل وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية تحملان أكثر من رسالة إلى من يقفون وراء المزاعم والتسريبات المسيئة، إذ طلبت فرنسا، أول أمس السبت، تسليط الضوء، في أسرع وقت ممكن، على طلب الاستماع إلى المدير العام لمراقبة التراب الوطني حول المزاعم المذكورة. وقال رومان نادال، المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية إنه استجابة لطلب السلطات المغربية "طلبنا على الفور تسليط الضوء بأسرع وقت ممكن على هذا الحادث المؤسف، في إطار روح الصداقة المطبوعة بالثقة التي تربط بين فرنسا والمغرب". ربما اعتقد من تعمدوا تسريب المزاعم لتجد، بشكل مريب، طريقها إلى النشر من طرف وكالة الأنباء الفرنسية، أن المغرب سيلتزم الصمت، ما من شأنه أن يغذي الإشاعات، ويصبغ "مصداقية" على المزاعم، لكن ذكاءهم خانهم، لأن الصمت أصبح اتجاها ممنوعا في بلادنا، والدليل أن الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون امباركة بوعيدة استدعت، مساء يوم الجمعة الماضي سفير فرنسا بالرباط، شارل فري، لتبلغه احتجاج المملكة الشديد، ورفضها "رفضا باتا المسطرة الفجة، التي تم اتباعها، والمنافية لقواعد الدبلوماسية المعمول بها، وكذا الحالات القضائية التي تم التطرق إليها والتي لا أساس لها"، مع التنبيه إلى أن "الحادث الخطير وغير المسبوق في العلاقات بين البلدين من شأنه المساس بجو الثقة والاحترام المتبادل، الذي ساد دائما بين المغرب وفرنسا"، مع مطالبة المملكة بإلحاح، "بتقديم توضيحات عاجلة ودقيقة بشأن هذه الخطوة غير المقبولة وبتحديد المسؤوليات". وردا على التحرشات والسلوكات غير المقبولة جاء بيان سفارة المملكة في فرنسا في اليوم نفسه ليعزز رفض المملكة لتلك السلوكات، التي لا يمكن أن يغض عنها الطرف إلا من تشوب تصرفاته شائبة، وطالما أن الأمور ليست كذلك أعربت السفارة المغربية عن استغرابها بشأن عبثية هذه القضية، "سواء على مستوى المسطرة المعتمدة أو على مستوى الحالات القضائية المذكورة". ودققت "في ما يتعلق بالمسطرة، فإن السرعة الفائقة التي تمت بها معالجة هذه القضية، وطريقة تعميمها إعلاميا، وانتهاك القواعد والممارسات الدبلوماسية المتعارف عليها دوليا وعدم احترام الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، تثير العديد من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذه القضية ومحركيها الحقيقيين". وحدد البيان نفسه الأخطاء المرتكبة في الطريقة التي جرى التعامل بها خدمة لجهات نحن متأكدون من أن الأيام المقبلة كفيلة بإماطة اللثام عنها، إذ أوضح أن السفارة المغربية ومديرية مراقبة التراب الوطني علمتا عن طريق الصحافة بوجود هذه الشكاية، وأن سبعة من عناصر الشرطة قدموا في اليوم نفسه إلى مقر إقامة سفير المملكة المغربية من أجل إشعاره باستدعاء من قبل قاضي التحقيق لمديرية مراقبة التراب الوطني، مع تسجيل التجاهل التام لمساطر التعاون القضائي الجاري بها العمل بين المغرب وفرنسا، واللجوء إلى القنوات الدبلوماسية. إن المستهدف ليس المغرب وحده، بل العلاقات المغربية الفرنسية، التي بلغت مراحل متقدمة، وهو ما وصفته امباركة بوعيدة بمحاولة "المساس بجو الثقة والاحترام المتبادل الذي ساد دائما بين المغرب وفرنسا"، لأن من تصرفوا برعونة توهموا أن يرد عليهم المغرب بالمثل، أو ربما يزيد لتتوتر العلاقات لكن خاب ظنهم، إذ تناسوا أن الأمر يتعلق ببلد عاش في الأسبوع الماضي على وقع إشادة الرئيس فرانسوا هولاند بجنوده الذين شاركوا في معارك تحرير فرنسا من نير النازية والفاشية، ما جعل الكثير من الفرنسيين يعيشون على امتداد عقود على وقع الاعتراف بحسن صنيع المغاربة وشهامتهم. تناسى المسيئون كذلك أن المغرب بلد يتميز على الدوام بالحكمة، ويحترم التزاماته وعلاقاته، لكن ما ثبت إطلاقا أنه سمح لأي كان أن يمس بكرامته. خسر المناوئون حين حاولوا بطريقة مبتذلة دس سم الإساءة في دسم العلاقات المغربية الفرنسية، عبر الإساءة إلى المغرب انطلاقا من فرنسا، متوهمين أنه سيكون أمام خيارين إما أن يبتلع لسانه ويصمت فتبدو المزاعم كأنها حقيقة لا مراء فيها، أو يرد على الأخطاء بأخطاء أكبر، فيتحول إلى معتد أثيم. الآن وبعد التعامل المغربي الرصين والحازم في الوقت نفسه مع الوضع، فإن الأمور اتخذت منحى غير الذي توقعه مهندسو الضجة المفتعلة والإساءة المرفوضة، وتأكد أن تمادي الخصوم في غيهم لن يزيدهم إلا خسارة، أكيد أنها ستبلغ مداها بعد الكشف عن الكثير من الأمور التي طالبت بها الخارجية الفرنسية استجابة للمطالب المغربية. هيأة التحرير