قبل سنوات كنت أعتقد أن دماء سلافية تجري في عروقي، وكنت أتمنى صادقا أن تحكم روسيا العالم، وحين انهار الاتحاد السوفياتي، بقيت متشبثا بالحزب وبالقيادة، ولم أستسلم، مؤمنا أننا سوف نعود. ومن أجل ذلك، وبمجرد حصولي على الباكالوريا، قررت أن أدرس اللغة الروسية في الجامعة، كي أكون مؤهلا، حين يصل الرفاق إلى المغرب. ولا أتذكر منها الآن إلا كلمتين أو ثلاث. خراشو وأظن أنها تعني جيد، وسباسيبا التي تعني شكرا. وفي الامتحان طلب مني الأستاذ أن أفتح الصفحة رقم 20، متحدثا معي باللغة الروسية، لكني لم أفهمه، ولم أجب، ولم أفتح الكتاب، ومع ذلك منحني نقطة جيدة، فتأكدت أن روسيا في صفي، وأن الرفاق في الحزب يعولون علي، هنا في المغرب. وكنت أعرف كل شيء عن روسيا، ومنذ طفولتي، وأنا أشجع منتخب الاتحاد السوفياتي، وأحب داسييف وبلوخين. ولهذه الأسباب مجتمعة أنا غاضب اليوم، لأن لا أحد اقترحني ضمن الوفد المغربي، كشخص خبير في الشأن الروسي، ولعلاقتي المتينة والتاريخية مع روسيا. وأتفهم أن لا ينادوا علي، ولا يأخذوني معهم، بمبرر أن علاقاتي الروسية قديمة، ولم أحينها، وتخص العهد البائد، وحقبة صارت من الماضي. لكن ماذا عن زميلتي الحبوبة، الحلوة، المتميزة، بشرى الضو، التي شاركت في مؤتمرات كثيرة، ومثلت المغرب خير تمثيل في موسكو، وتعرف كل الخبايا هناك، ورأيتها تتجول كأميرة روسية في الساحة الحمراء، وسمعتها تغني رائعة جلبير بيكو "ناتالي" في عز البرد وندف الثلج البيضاء تغطي معطفها الأسود. ولا أستوعب أن لا تكون ضمن الوفد المغربي، لتوظيف شبكة علاقاتها الواسعة هناك. وإن نسيت كل شيء، فلن أنسى جميل روسيا معي وما أسدت لي من خدمات، فلولاها لرسبت في الامتحان، بعد أن تدخلت الكا جي بي، وفرضت على أستاذي أن يزور نتيجتني، رغم أنني لم أفتح فمي، ولم أنطق بأي كلمة روسية، فاضطر أن يمنحني أعلى نقطة في فوجي، خوفا من أن ينفوه إلى سيبيريا ويتهموه بالرجعية. وعندما كانت تمطر في موسكو، كنت أفتح المظلة في المغرب، وبالصدفة عثرت على المركز الثقافي الروسي، فدخلت إليه هو الآخر، منتظرا لحظة سفري والتحاقي بالحزب من أجل التكوين. وفي المركز الثقافي اكتشفت أن الروس عرب أقحاح مثلنا، بل أكثر، لأنهم جميعا كانوا يتكلمون العربية الفصحى، وهذا مازاد من تشبثي بهم، ومن تأكدي من أصولنا المشتركة، مفسرا لون شعرهم وعيونهم بالتأثير الذي تسبب فيه البرد والثلج، فتحولت نساؤهم إلى شقراوات جميلات، بعد أن كان جمالهن عربيا خالصا في الماضي البعيد وشعرهن أسود فاحما. كنت أشعر أن العالم تغير، وأن الرأسمالية انتصرت، لكني ظللت وفيا لمبادئي ومخلصا لروسيا، وحتى بعد أن رأيت الدبابات أمام الكرملين، ورأيتهم ينزلون علمي الأحمر، بمطرقته ومنجله، وفي ذلك اليوم الحزين، الذي أتذكره اليوم وأذرف الدموع، فإني ذهبت إلى مشاهدة فيلم طويل لتاركوفسكي، ومازلت لحد الساعة مقاطعا لروايات ألكسندر سولجستين، ورافضا قراءة لوليتا نابوكوف، وشعر جوزيف برودسكي، لارتمائهم في أحضان الغرب وأمريكا، وتخليهم عن العمال والفلاحين وشعوب العالم المضطهدة. وعلى عكس الرفاق في العالم، فإني لم أيأس، وتجلدت بالصبر كما هو الحال بالنسبة إلى حزب النهج الذي أشاركه نفس الموقف، وبقيت محبا لروسيا، ومتوقعا عودتنا، ومنتظرا ذلك اليوم، الذي سننتصر فيه ونهزم البورجوازيين والرجعيين أينما كانوا. ولا أخفيكم أن إيماني اليوم بروسيا يفوق إيماني بها في الماضي. فقد كانت دعايتنا في الماضي متجهمة، وكل ما يصلنا من روسيا مبالغ في الجدية، مع تحريمهم لارتداء الجينز وتدخين المارلبورو، أما اليوم، فإن الأجيال الجديدة، تجمع على حب شارابوفا. ومن لا يحب شارابوفا، فإنه يموت في كورنيكوفا. وقد لاحظتم معي حملات التضامن الواسعة، التي شهدها كل العالم، حين بلغ الناس خبر إيقاف شارابوفا، بتهمة تناول المنشطات. وهناك من قال لها نحبك بمنشطات أو بدونها. وهناك من اتهم أمريكا. وهناك من عبر عن استعداده للموت من أجلها. وهذا نادرا ما يحصل مع أي نجمة أو بطلة من أوربا أو أمريكا والغرب الامبريالي عموما . ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولا يقتصر على الروسيات، إذ لي صديقة فيسبوكية اسمها نبيلة، تموت في بوتين، ولا تنشر إلا صوره، وهو يسبح، ثم وهو يلعب الجيدو، ثم وهو يظهر قوته. وأنا سعيد اليوم بتمتين علاقاتنا بروسيا على مستوى رسمي، وهي فرصة لتتذكر روسيا عملاءها السابقين في المغرب، والمخلصين لها، وتكرم كل من كان يعتقد أن دماء سلافية تجري في عروقه، وبلغ به الحب أن درس الروسية، كما وقع في حالتي. نحن نحبكم. ونقدر تشبثكم بعروبتكم. ونقول لكم تستحقون أحلى طماطم مغربية وأحلى برتقال دا دا نعم نعم نحبك يا بوتين ونحب شارابوفا أنا ممثلكم في المغرب فلا تنسوني وعولي علي اليوم كما عولتم علي في الماضي ولن أخذلكم وأعتذر لتغيبي وعدم تواجدي في موسكو لأسباب قاهرة لا تتعلق بي وخارجة عن إرادتي مؤكدا من هذا المنبر إخلاصي الدائم لروسيا العظيمة ولسيارة لادا التي لم أر سيارة أجمل منها ولتتأكدوا من ارتباطنا القوي بكم أخبركم أن بعض المغاربة لم يصدقوا أن الاتحاد السوفياتي لم يعد موجودا وأقول لكم ذلك عرفانا مني لما قدمته لي روسيا وليس طمعا في دبابة أو صاروخ أو غواصة بل إيمانا مني بالقضية ورفضي للهيمنة وللدماء السلافية التي تجري في عروقي.