كل شيء أصبح ممكنا في الديموقراطيات الغربية العريقة، وليس مستبعدا أن يصبح في المستقبل قط رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية. ومادام شخص مثل الملياردير دونالند ترامب هو المرشح الأوفر حظا بين الجمهوريين، حسب استطلاعات الرأي، لينافس على منصب رئيس أمريكا، فيمكننا أن نتوقع ما لا يخطر على بال. إنها أمريكا التي ينبهر العالم كله بديموقراطيتها، وليس أي دولة في هذه الكرة الأرضية. لم يعد الناخب مضمونا، والشعوب لم تعد تختار الأفضل والأعقل، وقد يصبح كلب رئيسا، وقد تفوز زرافة، أو ضبع، أو تمساح. بفضل الديمقراطية صعد هتلر وصعدت النازية، وها هي الديمقراطية اليوم تحن إلى ماضيها الأسود، ويعود شبح اختيار الشعوب غير الموفق لمن يحكمها. ويكفي أن تكون ثريا ومجنونا وشعبويا وشتاما وتطالب بمنع المسلمين من الدخول إلى أمريكا، وتصبغ شعرك، وتتحدث عن أنك نكْت القذافي، وتعاشر الفتيات وتشارك في برامج تلفزيون الواقع وتنتجها، حتى يختارك الشعب الأمريكي. نعم، لم تعد الديموقراطية مضمونة العواقب، كأن أفلاطون يرد على أرسطو، بعد كل هذه القرون التي مرت منذ اختراع هذه الكلمة السحرية. وما لم يكن متوقعا في فرنسا، تحقق، ولم تعد قيم الجمهورية تحمي الديمقراطية الفرنسية، وقلب اليمين المتطرف كل شيء، وصدم الأحزاب التقليدية، التي كانت تتنافس في ما بينها، وتعتبر الأحزاب الأخرى هامشا، ينعش الديمقراطية ولا يضر بها. وما نجحت فرنسا في تجنبه في الماضي أمام شعبية الحزب الشيوعي الكاسحة، لم تجد له اليوم حلا أمام تقدم الجبهة الوطنية. لقد تحولت الديمقراطية إلى مجرد آلية، وفقدت معناها وقيمها وتاريخها، وأعداؤها اليوم هم الذين يستفيدون منها. في معظم الدولة العربية، ستؤدي الديمقراطية رأسا إلى داعش، وإلى السلفيين، وإلى الإخوان، وبعد أن كانوا يرفضون الكلمة وفلسفتها، صارت اليوم محببة لديهم، ومتضمنة في أدبياتهم. كل أعداء هذه الكلمة اختزلوها في مجرد صندوق، وها هي دول أوربا الشرقية، وبعد أن تخلصت من أنظمتها الشمولية، تستبدلها باليمين المتطرف، وبشمولية مضادة، في انتخابات نزيهة وحرة. ولن نستغرب غدا إذا أصبح دونالند ترامب رئيسا لأمريكا. ولن نستغرب إذا صارت مارين لوبين رئيسة للجمهورية الفرنسية. وقد يختار الشعب وحشا. وقد يختار شبحا. وقد يختار زومبي. وقد يختار غرابا أو حمارا أو بغلا أو بعوضة أو رتيلاء ولن نتفاجأ إذا تحكم مجنون في العالم وضغط على الزر وفجر هذا الكوكب بمن فيه. إنها الديمقراطية، ويجب أن نقبل بما تختاره الشعوب، والشعوب تعرف مصلحتها، وتختار الأفضل. وما تريده الشعوب هو الذي بجب أن يكون أليس كذلك.