قضاء الوقت في المكتبات بحثا عن الجديد في الادب والفلسفة والشعر والسياسة والعلوم..كان دائما نشاطا حرصنا نحن جيل ''اللا انترنيت" على المواظبة عليه، حتى اضحت لنا مواعيد لا نخلفها ابدا، مهما بلغت درجة افلاسنا.. جل بنات وابناء جيلي كانوا يتهافتون على اقتناء مجلات شهرية واخرى اسبوعية ننتظرها بفارغ الصبر ونلتهم صفحاتها و نتبادلها فيما بيننا حتى تعم فائدتها، كنا ايضا شغوفين بكتاب كبار ساهموا في تشكل وعينا السياسي وفي الارتقاء بفكرنا وفتحوا لنا آفاق اكتشاف عوالم كثيرة.. اصدارات سافرت بنا في المكان والزمان.. حتى اضحت لنا قدرة عجيبة على الحديث عن اماكن لم نزرها وازمنة لم نعشها.. فمن يسمعنا نتحدث عن الاتحاد السوڤياتي ومفكريه يخالنا سوڤيات، ومن ينصت لنا ونحن نسهب في الحديث عن مراحل الثورة الفرنسية سيعتقد اننا من اهل الكهف عشنا مستيقظين لمئات السنين وعاصرنا كل شيء.. كل هذه القدرات لم تكن لتتحقق لولا الكتب والمجلات والكراسات الملتزمة والبناءة..
واليوم، أصبحت زيارة المكتبات تشبه حصة الصعق بالكهرباء التي كان يتعرض لها المعتقلون في سجون الاستبداد والخروج منها دون الاصابة بجلطة في الدماغ او انهيار عصبي في حد ذاته انتصار.. تعج المكتبات اليوم بمطبوعات لا تصلح حتى لاعادة تصنيع ورقها لانتاج "البابيي جينيك" فبالاحرى ان تصنع العقول..
وحرصا مني على عادتي القديمة، وفي تلك المرات التي قررت فيها خوض هذه المعركة (معركة اقتناء الكتب) كدت احترق في اروقة المكتبات قهرا، بعد ان كنت احترق فيها شوقا لالتهام الكتب وحسرة لعدم قدرتي على الحصول على كل ما اريد منها..عناوين كتب اليوم كلها تحمل عناوين تبتدأ باحدى هاتين الكلمتين: كيف وفنون..
كيف تتعلم اللغة الشينوية في خمسة ايام دون معلم..
كيف تصبحين زوجة صالحة..
كيف تسعدين زوجك..
كيف تنكح زوجتك دون ان تكون راغبا في ذلك..
كيف تتخلصين من بقع الزيت..
كيف تفسر احلامك.. كيف تاكل دون ان تسقط الطعام على ملابسك..(هادي غير زدتها..)
ثم: فنون الجماع..
فنون الطبخ..
فنون الهم.. فنون القضاء على كل الامراض بالاعشاب..
من المؤسف حقا بل من العار ان تقطع الاشجار لتصنع منها هذه الخزعبلات (خليو لينا غير الشجر يقينا الاختناق على الاقل..) يعجز لساني عن وصف كيف تحولت هواية اقتناء الكتب الى لحظات من التعذيب النفسي والروحي..
لي انا ايضا مشاريع كتب اقترح لها عناوين:
من يسمح بدخول هذا النوع من التأليف لبلادنا؟؟
من له مصلحة في تشجيع الشعوذة؟؟
من يحرس معابد الجهل؟؟
من يريد ان يسوقني الى الجنون؟؟
و بلغتهم.. كيف اذهب الى المكتبة دون ان يرتفع ضغط دمي؟؟ و هل من فنون لتفسير هذا الواقع فانا انسى الاحلام حين استيقظ..