أبان الرأي العام المغربي عن وعي كبير بضرورة حماية حرية الصحافة، وذلك من خلال الحملة الكبيرة التي لازالت تشهدها المواقع الاجتماعية المغربية، التي تشهد تضامنا واسعا مع الصحافي المعتقل علي انوزلا. في نفس الوقت خرج المغاربة من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية، في وقفتين احتجاجيتين في كل من البيضاءوالرباط، للتعبير عن تنديدهم بهذا التوقيف التعسفي للصحافي. هذا التطور الجيد الذي يشهده المغرب، يؤشر عن بداية تشكل جبهة وطنية حقيقية للدفاع عن الحريات والتنديد بانزلاقات الدولة في تدبيرها لملف الحريات الفردية والجماعية. لم تكن فضيحة العفو الملكي عن الوحش الاسباني مغتصب الأطفال، القضية الوحيدة التي أجمع فيها الرأي العام المغربي الحر عن رفضه لقرارت الدولة، فهاهي قضية الاعتقال التعسفي لأنوزلا، تخلق من جديد إجماعا كبيرا في أوساط الأصوات الحرة، في بادرة تبشر بأن المجتمع المغربي لازال حيا، والدفاع عن الحريات له مكانته في اهتمامات النخب المغربية، تعبيرا منهم على أن تجاوزات الدولة ضد الصحفيين لم تعد مقبولة ولا مبررة، حتى لو ألبسوها بالبهتان شعار" حماية أمن المملكة واستقرارها". من النادر جدا في تاريخ الاحتجاجات الشعبية المغربية، أن يجمع السلفي واليساري والعدلي والشيوعي والأناركي والأمازيغي والحقوقي والنقابي والصحافي، على رفع نفس الشعار في قضية مجتمعية. لكن بالأمس بالعاصمة الرباط أجمع كل هؤلاء على شعار واحد وموحد وهو "الشعب يريد الحرية لعلي أنوزلا". إجماع هؤلاء الشرفاء من النخب المغربية الصادقة، على براءة علي انوزلا، هو وسام فوق صدر الصحفي المعتقل، ودليل قاطع على براءته ووطنيته العالية، ومؤشر على التقدير والاحترام الذي يحظى به الصحفي الحر، من طرف مختلف الفرقاء السياسيين والحقوقيين. في نفس الوقت إجماع هؤلاء الأحرار، على إدانة اعتقال الصحفي علي انوزلا، يشكل إدانة لكل الأصوات الحزبية المتحكم فيها عن بعد، والتي خرجت في بيانات خرقاء، تدين الصحفي انوزلا حتى قبل ان ينتهي التحقيق معه. الموقف المخزي من قضية أنوزلا لأحزاب الأحرار والحركة الشعبية، كان منتظرا نظرا لطبيعة هذه الأحزاب الإدارية، التي خلقت من طرف الدولة من أجل الدفاع عن قرارات السلطة المخزنية. لكن المفاجئ هو أن يصدرا حزبان كانا يحسبان على الصف الديمقراطي الوطني، بيان إدانة في حق صحفي لازال قيد التحقيق، مما يدل على أن حزبي التقدم والاشتراكية والاستقلال، لم يعد يختلفا عن بقية شلة أحزاب الدولة، بعدما أكملا دورتهما نحو التمخزن التام، في محاولة للعب نفس دور الأحزاب الإدارية، عبر الدفاع عن قرارات الدولة المخزنية، بدون مراعاة لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. الفرز السياسي الذي يعيشه الحقل السياسي المغربي، انطلق في الحقيقة قبل حراك 20 فبراير 2011، حيث رفضت القوى السياسية المناهضة للتغير، الخروج في المسيرات المطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية. هي نفس القوى السياسية التي أدانت أنوزلا قبل محاكمته، وهي نفسها التي صوتت على الدستور الممنوح، في صفقة سياسية للالتفاف على مطالب الحراك الشعبي، مما ساهم في حصدها لمجموعة من المقاعد البرلمانية، كهدية من الدولة على تفانيها في عرقلة الإصلاحات السياسية، التي طالب بها الحراك الشبابي في نسخته المغربية. اليوم نعيش نفس الممارسات السابقة، فهناك توظيف فاضح للأحزاب السياسية وبعض الأقلام الإعلامية المأجورة، من أجل النيل من حرية صحفي، شكلت جرأته على التعبير، إزعاجا دائما لجموع النخب الفاسدة والمستبدة في المملكة. لكن تبقى صحوة النخب الحرة ونضالها المستمر من أجل الحرية، الضامن لعدم التراجع والمس بمكتسبات الهامش الديمقراطي، الذي حققه المغاربة بنضالهم المستمر وبتضحياتهم الجسام، منذ استقلال المغرب إلى يوم اعتقال الصحفي علي أنوزلا.