لم يكن تعيين عمر عزيمان، مستشار الملك محمد السادس، رئيسا منتدبا للمجلس الأعلى للتعليم أمرا مفاجئا.. فالرجل الذي تقلب بين وظائف سامية أبان فيها عن حنكة كبيرة ينتظر، منه اليوم إنقاذ منظومة تعليمية "غارقة في الوحل" والأمل في نجاحه في هذه المهمة كبير. "هادئ، وقور ومتزن"، هذا هو الانطباع الذي يتركه هذا الرجل القادم من شمال المغرب، وبالضبط من مدينة تطوان، لدى كل من يجالسه لأول مرة.. "مقاتل، طموح ووفي لعمله"، هذا هو الانطباع الذي يتركه لدى كل من عمل معه. الوقار بالنسبة لعمر عزيمان، صفة طالما تكررت على سمعه ارتباطا بشخصه، لكنه "لا يدري من أين أتت".. "قد يبدو هذا الوقار حكما مسبقا، لكنني أعتقد أن منبع هذا الانطباع لدى البعض من الناس، يعود إلى أنني رجل بقدر ما يحترم نفسه بقدر ما يحترم الآخرين.. كما أن لدي إحساسا قويا بالكرامة، ليس كرامتي، فقط، بل كرامة الآخرين، أيضا". هذا هو رد عزيمان كلما ووجه بسؤال حول "مصدر وقاره"، حسب مصدر جيد الاطلاع مقرب منه. ترعرع عزيمان في أسرة متوسطة الحال كانت متوازنة جدا، بالنسبة إليه.. فلا يتذكر هذا الرجل، أبدا، أن "طفولته كانت مرتبطة بمنع أو سلطوية أو بعنف، لهذا فإن الشغب لم يكن حاضرا إطلاقا لديه".. كان طفلا هادئا تربى بين أحضان "أسرة تحترم أطفالها وتسمح لشخصية كل واحد منهم بأن تبرز، بناء على علاقة تفاهم وتعاطف تجمع الأبوين والأبناء"، يكشف ل"الأخبار"، المصدر جيد الاطلاع المقرب منه. هذا الشبل من ذاك الأسد والد عمر عزيمان، رحمه الله، كان أستاذا، مارس في جميع المستويات، الابتدائي والثانوني والجامعي، كما كان مسؤولا على منظومة التعليم بمنطقة الشمال، التي كانت في فترة الاستعمار، خاضعة للحماية الإسبانية".. مسؤولية الأب عزيمان شاءت الأقدار أن يحملها اليوم الملك محمد السادس للإبن، لكن من موقع آخر. "ليس غريبا أن يتم اختيار عمر عزيمان لهذا المنصب، وهو الذي تربى في أسرة تقدر معنى التعليم"، يؤكد المصدر ذاته ل"الأخبار"، كاشفا: "والد عزيمان، كان منشغلا، طيلة حياته، بموضوع التربية والتعليم، فقد درس أجيالا وأجيالا، إذ هو من مواليد 1912، وكان مناضلا من أجل تعميم التعليم وفتح أبواب المدارس أمام الجميع وولوج البنات إلى المدارس". منقذ منظومة التعليم ما بعد خطاب الذكرى الستين لثورة الملك والشعب بناء على تعليمات الملك، يكون، حسب معلومات حصرية ل"الأخبار"، "نجل رجل كان همه الأساسي هو التربية والتوعية.. كان منشغلا بقضايا الوطن والحصول على الاستقلال وكان يعتبر أن كل ذلك لابد له من المرور عبر قاطرة التربية والتعليم". مرت السنين وشاءت الأقدار أن يكبر هذا الشبل ويصبح صورة طبق الأصل عن الأسد، مؤمنا بأن التربية والتعليم "ستمكن من بناء مجتمع واع قادر على تسيير شؤونه، بتجاوب مع تطلعات الوطن"، وفق ما نقله المصدر ذاته على لسان عمر عزيمان. الأب عزيمان كان محبا لمهنته، فقد جعل قضية التعليم من أولى أولويات تفتحه الفكري، كان شخصا ذا مسار متميز بالنسبة لعصره، فقد درس، حسب معطيات "الأخبار"، "في تطوان وفاس، وواصل دراسته بالمدرسة العليا للأساتذة بالقاهرة، اسمها دار العلوم، وتتلمذ، هناك، على أيدي عمالقة الأساتذة كطه حسين وغيره قبل أن يكمل دراسته بمعهد "جان جاك روسو" بجنيف في علوم التربية". المقرب من عمر عزيمان، كشف، أيضا، ل"الأخبار" أن تعيينه رئيسا منتدبا للمجلس الأعلى للتعليم يعد تتويجا لمسار أسرة كاملة ناضلت من أجل قضية التعليم في مجتمع تطواني محافظ، ف"لدى عودة الأب للمغرب، في نهاية الثلاثينيات، كان قد تمكن من تحصيل رصيد معرفي يقر بأهمية البعد التربوي والتعليمي في بناء المجتمعات وفي التقدم والازدهار"، يضيف المصدر ذاته. عزيمان والنساء والدة عمر عزيمان، كانت ربة بيت "مقابلة وليداتها" وكانت إلى جانب والده "يفسحان المجال لأبنائهما للتعبير عن أفكارهم، بكل حرية، بلا عنف ولا قمع ولا سلطوية، كان كلاهما يحددان لهم الخطوط الضرورية: "هاذي صالحة هاذي ماصالحاش" في إطار حوار وتفاهم وإقناع"، يكشف ل"الأخبار"، المقرب ذاته من المستشار الملكي، مضيفا: "والدا عزيمان كانا يمنحان لكل واحد من أبنائهما حقه في التربية والحنان والدلال، ولم يكونا يميزان بين أي واحد منهم بسبب السن والجنس". معلومات "الأخبار" تكشف أن لعزيمان ثلاث أخوات، اثنتان تكبرانه في السن، اتخذت إحداهن المسار ذاته الذي اتخذه وقضت حياتها، كلها، في تعليم الأجيال، إذ كانت أستاذة لمادتي الاجتماعيات والتربية الإسلامية، فيما اشتغلت الثانية، كذلك، في التعليم مدة وجيزة قبل أن تتفرغ لبيتها بعد زواجها وإنجابها أطفالا، أما الأخت التي تصغره سنا فاتخذت مسارا علميا وتخصصت في مجال علوم الحياة و "la génétique"، وهي، الآن، تعمل في المجال الفلاحي. ترعرع عزيمان في وسط نسوي كان "مفيدا جدا"، بالنسبة إليه، فحتى والدته لم يكن لديها أخ بل كان لديها أخوات.. "ترعرعي داخل وسط أغلبه نساء جعلني أقدر الإحساس النسوي وأثمن خصوصيته، إذ أصبحت لدي علاقة متميزة مع النساء، بصفة عامة، اشتغلت معهن كثيرا ولدي الكثير من الصديقات"، هذا هو موقف الرئيس المنتدب الجديد للمجلس الأعلى للتعليم، من النساء، حسب المقرب منه. الرؤية النسوية بالنسبة إليه، لها خصوصيتها، إذ الممارسة أبانت له أن "الاشتغال مع امرأة للبحث عن حل لمشكل ما، له خصوصيته، فالمرأة غالبا ما تقارب المشكل من زاوية خاصة بها.. نظرتها للأشياء تختلف عن الرجل، لذلك فإن مقاربة الجنسين معا، رجلا وامرأة، لقضية بعينها يمكن أن يكون ذا فائدة وشمولية أكثر"، حسب عزيمان. الحسن الثاني وحيرة عزيمان مرت السنين وتوالت نجاحات هذا الطالب التطواني الهادئ قبل أن يلج عالم الشغل ويختار التدريس الجامعي مهنة له، فأصبح أستاذا بكلية الحقوق بالرباط.. قبل أن يساهم صيته الذائع، آنذاك، في انتخابه رئيسا للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان. كان تأسيس هذه الجمعية "مبادرة غير مسبوقة"، بالنسبة لعزيمان، إذ يعتبر أنه "آنذاك، تم تحقيق شيء لا نظير له: جمعية مستقلة عن الدولة وعن أي حزب سياسي، تضم بينها ممثلين لأحزاب سياسية مختلفة، وأشخاصا لا انتماء سياسي لديهم، من بينهم هو نفسه".. خصوصية المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، تكتسبها، حسب المقرب من المستشار الملكي، الذي ينقل عنه قوله: "هذه الخصوصية تتمثل في أن التجارب أثبتت أن المنظمات الحقوقية الموجودة يكون لها نوع من التبعية لحزب سياسي معين.. هذه الاستقلالية وضعت مكون حقوق الإنسان في فضاء يشكل قاسما لكل من يؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان". ولما أراد الملك الراحل الحسن الثاني أن يقطع مع ما يسمى ب"سنوات الرصاص"، لم يجد أفضل من عمر عزيمان مرشحا يعينه أول وزير لحقوق الإنسان.. هذا التعيين استقبله المستشار الملكي، وقتها، بحيرة كبيرة.. كان الوزير الأول المعين، آنذاك، هو كريم العمراني، الذي كلف بتقديم الاقتراح لعزيمان، الذي كان يتعين عليه الرد بالقبول أو الرفض في وقت وجيز: أبلغه العمراني صباحا وكان مطالبا بالرد مساء.