«شخص هادئ الطباع، حريص على التوفيق بين الآراء وتوحيدها، نزيه إلى درجة ألّبت عليه الكثيرين».. هذه هي الكلمات التي اختارها أشخاص عايشوا تجربة الوزير والسفير السابق، الذي عينه ملك البلاد محمد السادس مساء أول أمس الأحد بالقصر الملكي بمراكش رئيسا للجنة الاستشارية للجهوية لوصفه، وهي «مفاتيح شخصيته التي مكنته من تجاوز عقبات كثيرة في حياته المهنية المتنوعة». تجسد هذا التنوع في شغل عزيمان، الذي ازداد ب «الحمامة البيضاء» (مدينة تطوان) يوم 17 أكتوبرعام ،194، مناصب عديدة اختلفت بين ما هو تعليمي وديبلوماسي، مرورا بردهات المحاكم كمحام، والمجال الحقوقي كرئيس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان. بدأ حياته المهنية أستاذا بكلية الحقوق بالرباط، كما شغل منصب رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ما بين عامي 1988 و1989، وهي المنظمة التي كان أحد مؤسسيها، وتم اختياره في تلك الفترة ليكون صاحب كرسي اليونسكو لحقوق الإنسان بجامعة محمد الخامس. كما عمل محاميا ومستشارا لدى عدد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية الوطنية والدولية. وسبق لعزيمان أن تقلد مهام وزير منتدب لدى الوزير الأول مكلف بحقوق الإنسان من نونبر 1993 إلى فبراير 1995، و كان وزيرا للعدل من غشت 1997 إلى نونبر 2002، كما شغل منذ يونيو 1997 منصب الرئيس المنتدب لمؤسسة الحسن الثاني للجالية المغربية بالخارج، وعين بعد ذلك في 10 دجنبر 2002 رئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، سنتين قبل تعيينه سفيرا للملكة المغربية لدى إسبانيا. يفضل عزيمان نفسه أن يقسم حياته إلى قسمين: مرحلة التدريس والجامعة والنضال الحقوقي ومرحلة شغل المناصب الرسمية. يقول في حوار سابق مع موقع «الوطن» للمغاربة المقيمين بالخارج يوم 17 شتنبر 2007 «قضيت 20 عاما في تدريس القانون بالجامعة وكانت لي في تلك الفترة أنشطة تتمحور حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة. كما كنت أحد مؤسسي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان. أما المرحلة الثانية فقد بدأت بشغلي مناصب في القطاع العمومي وزيرا لحقوق الإنسان عام 1993». في كل تلك الوظائف والمناصب، يقول بعض ممن اطلعوا على مسيرة عزيمان إنه «كان محتاجا لهدوئه في أكثر من مناسبة ليتجاوز التحديات التي فرضت عليه»، خاصة أن التوقيت لم يكن دائما في صالح الأستاذ والحقوقي والديبلوماسي ورجل القانون. فلدى تعيينه وزيرا لحقوق الإنسان كان الملف الحقوقي مشتعلا في المغرب، إذ بدأ رسميا بقرار الإفراج عن المعتقلين السياسيين عام 1992 و ضمنهم معتقلو تازمامارت، الذي وجد عزيمان نفسه وجها لوجه معه، وانتهى بإقرار تعويض لهم على عشرين عاما قضوها في ذلك المعتقل الرهيب إلى جانب راتب شهري قار تم إيقافه بعد ذلك. يقول عزيمان عن تلك الفترة: «لدى تولي هذا المنصب كان البعض يتساءل: كيف يمكن بلورة نهج للدفاع عن حقوق الإنسان انطلاقا من الدولة؟»، فقد اعتاد الجميع رؤية الملف الحقوقي محتكرا من طرف الجمعيات المدنية، التي كان هو نفسه من مؤسسي إحداها، لكن أن تضطلع الدولة بهذه المهمة فهذا واقع يختلف، خاصة أن الفترة كانت تتميز بحساسية مفرطة إزاء الملف الحقوقي، في وقت كان فيه إدريس البصري يمسك بكل الخيوط. المقربون من عزيمان يجمعون على أنه كانت لديه رؤية خاصة للملف الحقوقي والقضائي، وكان تعيينه وزيرا للعدل فرصة لتطبيق عناصر تلك الرؤية. «لقد سبق أن صرح الرجل أكثر من مرة أن ورش إصلاح القضاء قد آن أوانه، معترفا بأن هذا القطاع يعيش ثغرات كثيرة تستلزم إجراءات عمليه لتجاوزها، لكن تصريحاته وما قام به ألّب عليه الكثيرين» يشرح مطلع على مسار عزيمان المهني. ويصف رئيس اللجنة الاستشارية للجهوية حاليا هذه الفترة قائلا في حواره مع الموقع نفسه: «عملت في منصبي كوزير للعدل على إعداد برنامج لإصلاح القضاء.. المهمة كانت صعبة لأنكم تعرفون أن القضاء يعد من المجالات التي تقاوم التغيير. نجحنا في بلورة برنامج للإصلاح وشرعنا في تطبيق الجزء الأول منه، لكن الأمر كان يحتاج لبعض الوقت». وكان ملف حصار مرشد جماعة العدل والإحسان أحد الملفات، التي وجد عزيمان نفسه مضطرا لتدبيرها، وأعلن في أكثر من مناسبة إعلامية أن الإفراج عن ياسين رهين بقبوله شروط الممارسة الديمقراطية، قبل أن يكشف في مارس 2001 عن انتهاء الإقامة الإجبارية لشيخ الجماعة بعد نحو عقد من بدايتها. وقبل نهاية مسؤوليته الوزارية، وبالضبط يوم فاتح نوفمبر 2002، طالبه حقوقيون بتحمل مسؤوليته وتقديم استقالته بعد وفاة 49 سجينا بمعتقل الجديدة إثر اندلاع حريق. وبعد سنتين قضاهما على رأس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، جاء تعيينه سفيرا بمدريد للدفع بعلاقات الرباطومدريد إلى الأمام قبل أن يستدعى «للتشاور» يوم 3 نوفمبر 2007 على إثر الأزمة التي اندلعت عقب زيارة الملك خوان كارلوس وحرمه للمدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، قبل أن يعود بتاريخ 9 يناير 2008 إلى مدريد ويعلن في لقاء صحافي أن مهمته «من الآن فصاعدا ستتلخص في تجاوز الصعوبات والنظر للمستقبل ومواصلة العمل على تحسين العلاقات الثنائية». وبما أن مشواره المهني لم يكن دائما طريقا مفروشا بالورود، فإن الكثيرين يرون أن عزيمان أمام مهمة صعبة حددها الخطاب الملكي بدقة، وتتلخص في إيجاد نظام جهوي يحترم الثوابت المغربية وخصوصيات البلد السياسية والاجتماعية من جهة، وتكون قابلة للاستمرار ومبنية على معايير واقعية من جهة ثانية، والجميع ينتظر كيفية تدبير الوزير والحقوقي ورجل القانون لها.