يعيش المحيط الملكي تخبطا شديدا في التعامل مع الرأي العام، وذلك منذ فضيحة العفو الملكي على البدوفيل الاسباني"دانيال"، التي مست بصورة الملك عند عموم الشعب المغربي بل ولدى معظم شعوب العالم. واتسمت خطوات البطانة الملكية بردود الأفعال والخبطات العشوائية، التي ستزيد من توريط المؤسسة الملكية، لأن سقف ومطالب المواطن المغربي، تتجاوز الأحزاب الرسمية وما قدمه القصر من تنازلات سياسية للشارع. فواهم من يعتقد أن مغاربة ما قبل الحراك الديمقراطي هم نفسهم مغاربة الآن، فجرأة حرية التعبير عن الغضب من السياسات الملكية في ازدياد كبير، وذلك منذ انطلاق الحراك الشعبي في 20 فبراير 2011. وذلك لأن المكتسب الوحيد الذي يمكن أن نقول حققه المغاربة من موجة 20 فبراير، كان هو تكسير جدار الخوف، عبر توجيه الخطاب الاحتجاجي بشكل مباشر للمسؤول الحقيقي عن التردي السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه البلد. وتجلى هذا في شعارات مسيرات حركة 20 فبراير، التي وجهت الانتقادات بشكل واضح الى الملك ومحيطه، في جرأة شعبية ستكون لها تأثيرات كبيرة على التحول السريع، الذي بدأ يتشكل في وعي شريحة الشباب بشكل خاص، وذلك من خلال التعليقات الجريئة التي تقابل الخطب الملكية والسياسات الملكية في جل القطاعات العمومية. فالحملة الشعبية الكبيرة الغاضبة من قرار العفو الملكي عن البدوفيل الاسباني، لا يمكن ان نعتبرها فقط غضبة شعبية عابرة، ستتم معالجتها عبر عبارات عاطفية، مثل التي وردت في خطاب الملك الأخير، والتي ركز فيها كاتب الخطاب الملكي على تمرير رسالة الملك المواطن البسيط، الذي درس في المدرسة العمومية والقريب من هموم المواطن البسيط الذي يعيش تحث نار غلاء المعيشة والبطالة والفقر.
فقد أصبح من المؤكد أن حملة الغضب الشعبي المتزايدة، سيكون لها أثر كبير في النفسية الجماعية للجيل الجديد، كما أن مكسب إسقاط قرار العفوي الملكي، عبر الاحتجاجات والانتقادات اللاذعة، جعل من مكتسب الضغط الشعبي على الملكية وسيلة وحيدة لحفظ كرامة المغاربة. فمن خلال قراءة في رسائل الخطاب الملكي الأخير، يتضح أن وسيلة"الماركوتينغ بولتيك"، ليست بالضرورة تأتي بنتائج ايجابية، بل في غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، تكون لها نتائج عكسية. فالغضب الشعبي على مواقع الانترنت عرف تناميا على القصر، بسبب ربط الخطاب الأخير فشل المنظومة التعليمية، بحكومة لم يمر على تنصيبها سوى أقل من سنتين. فعموم المغاربة يعلمون أن مشكلة التعليم المغربي، تعود الى أيام الحسن الثاني، كما ان نفس السياسة الفاشلة في تدبير قطاع التربية والتعليم استمرت في عهد الملك محمد السادس. بالإضافة أن الجميع يعلم أن قطاع التعليم وباقي السياسات العمومية الكبرى، يحتكرها القصر منذ إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم إلى اليوم. والخطوة الثانية الفاشلة للبطانة الملكية في الماروكتينغ السياسي، كانت في إعداد لائحة الموشحين بأوسمة ملكية. فالغرض من هذه اللائحة الطويلة لمجموعة كبيرة من الشخصيات، غالبيتها لم تقدم الشيء الكثير للفن المغربي، كان هو توجيه رسالة الى العالم الخارجي، أن القصر هو محتضن الفن والإبداع في زمن "الإخوان". لكن ورود أسماء لم تفز في مسارها الفني المتواضع ولو بجائزة واحدة، جعل غضب المغاربة يتنامى على الخطوات الملكية، وهذا كله بسبب التعامل العشوائي للمحيط الملكي مع الرأي العام. جرأة النقد وهامش حرية التعبير المتنامي على المواقع الاجتماعية، يعبر عن مؤشر ايجابي لتنامي وعي المغاربة، بضرورة القطع مع الملكية التنفيذية السلطوية، ويزيد من ضرورة الإسراع بالتحول الى نظام ديمقراطي يربط المسؤولية بالمحاسبة ويضمن للشعب تقرير مصيره السياسي والاقتصادي بدون وصاية من أي مؤسسة كانت. فالنخب السياسية الرسمية معارضة برلمانية وحكومية، نالت من المؤسسة الملكية نفسها نقدا لاذعا في الخطاب الأخير، بسبب تخلف خطاب الأحزاب السياسية وتواضعه وعدم قدرته على التأثير في الشباب، الذي أصبح طموحه يتجاوز سقف هذه النخب المتملقة، التي تهرب وتترك الملكية في مواجهة الشارع لوحدها، في كل لحظة غضب شعبي من قرار ملكي.